لماذا يصرّ بلمار على عدم تسليم المستندات؟

لم يتوقف اللواء جميل السيد عن مطالبة المحكمة الدولية بمستندات تكشف اسباب اعتقاله لنحو 4 سنوات، رغم مساعي المدعي العام الدولي دانيال بلمار المستمرة لمنعه من ملاحقة «شهود الزور» ومن يقف خلفهم

«إن بعض ممارسات مكتب المدعي العام في المحكمة الخاصة بلبنان دانيال بلمار لا تتناسب تماماً مع ما يرد في قواعد الإجراءات والإثبات. فعلى سبيل المثال، إن تبليغه معلومات لم يتخذ قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين حتى اليوم قراراً بشأنها، لا يتناسب مع الإجراءات القضائية الصحيحة. ويبدو أن مكتب بلمار يسعى كذلك إلى تجاوز المعايير الحقوقية الأساسية التي صدر على أساسها قرار غرفة الاستئناف في المحكمة بشأن قضية جميل السيد، وذلك لاعتبارات غير سياسية». مسؤولة قضائية في المحكمة الدولية، سبق لها أن شغلت عدة مناصب في محاكم دولية أخرى، قالت عبر الهاتف من لاهاي إنها تستبعد أن يكون لدى بلمار ومعاونيه دوافع سياسية، وقالت «إن بعض القرارات التي اتخذها المدعي العام بلمار قد لا تستهدف خدمة المصالح السياسية لبعض الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، لكنها تتعلق بطموحه المهني الفردي». ولدى سؤالها عما تقصده بذلك قالت: «الرجل مصمم على إثبات قدراته، وهو مستعد لأن يقوم بأي شيء لتحقيق طموحاته المهنية. وربما استفزته تصريحات البعض في لبنان التي استهدفته شخصياً». وبشأن تجاوز مكتب بلمار قواعد الإجراءات والإثبات، لفتت إلى «عدم وجود مشكلة جوهرية في هذا الموضوع إذا لم يعترض عليه مكتب الدفاع رسمياً. فهذه القواعد قابلة للتعديل وليست نهائية».

أما في ما يتعلّق بطلبات اللواء الركن جميل السيد، عبّرت المسؤولة القضائية الدولية عن اعتقادها بأن بلمار ينطلق من ثلاثة اعتبارات تبرر بنظره اعتراض تسهيل لجوئه إلى محاكم أخرى لمقاضاة المسؤولين المفترضين عن اعتقاله لنحو أربع سنوات: «أولاً، إنه يعتقد أن النظر بقضية السيد يشغله والعاملين في فريقه عن المهمات الأساسية التي تقتضي التعامل مع القضايا التي تدخل في اختصاص المحكمة، بحسب نظامها الأساسي. وهي جرائم أدت إلى مقتل عدد كبير من الأشخاص. ثانياً، إن بلمار يعرف أن السيد يريد ملاحقة مسؤولين قضائيين وأمنيين لبنانيين كانوا قد ساعدوا لجنة التحقيق ومكتب المدعي العام في جمع المعلومات والوصول إلى أشخاص. ويحرص بلمار على الحفاظ عليهم؛ لأن التحقيق ما زال مستمراً والتعاون ما زال قائماً. وثالثاً، إن السيد مقرّب من حزب الله، وبالتالي إن بلمار وفريقه يعتقدون أنه يقوم، من خلال تصرّفه مع المحكمة، بمحاولات إضعاف صدقيتها».

منع الوصول إلى العدالة

على الرغم من مضي نحو 17 شهراً على تقديم طلبه الأول (12 آذار 2010)، لم يحصل اللواء السيد من المحكمة الدولية حتى اليوم على المستندات التي يريد استخدامها لمقاضاة المسؤولين عن اعتقاله تعسّفاً لنحو أربع سنوات (2005 ــ 2009). بلمار يرفض تسليم هذه المستندات بحجة أن نحو 10 رسائل وصلته من بعض الأشخاص الذين ترد أسماؤهم في تلك المستندات، عبروا فيها عن مخاوف على أمنهم وسلامتهم إن سلمت المستندات إلى السيد. وافق قاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين في 20 تموز الفائت على حجة بلمار، فطلب السيد يوم 5 آب الجاري تصديق طعنه بهذا القرار، مشدداً على أن الأشخاص الذين يقولون إنهم معرضين للخطر لا يمكن تصنيفهم شهوداً في المحكمة الخاصة بلبنان؛ إذ إن المدعي العام نفسه كان قد أسقط هذه الصفة عنهم. وبالتالي أشار السيد إلى أن على هؤلاء اللجوء إلى السلطات المحلية إذا شعروا بأنهم معرضون للخطر، لا إلى المحكمة الدولية. وأشار السيد كذلك في مذكراته إلى أن هؤلاء الأشخاص كانوا قد أدلوا بمعلومات كاذبة إلى المحققين في قضية هي من اختصاص المحكمة، متسائلاً: «كيف يمكن أن تحمي المحكمة من كذب عليها من الملاحقة القضائية في محكمة أخرى؟».

رفض القاضي فرانسين في 9 آب الجاري طلب السيد التصديق على الطعن، بحجة أن قراره بالسماح بتعليق تسليم المستندات (20 تموز) هو قرار مؤقت، ومنح بلمار مهلة تنتهي في 19 آب للإفادة بتفاصيل أسباب عدم التسليم، وبالتالي يفترض انتظار ما سيصدر عن بلمار.

وكان القاضي فرانسين قد أمر بلمار في 12 أيار 2011 تسليم السيد 297 مستنداً، تبين أن 207 منها هي عبارة عن مذكرات كان قد تقدّم بها السيد إلى سلطات التحقيق والسلطات القضائية. و90 منها طلب القاضي من المدعي العام تسليمها بعد ترجمتها وحذف أقسام منها تكشف معلومات لا علاقة لها بقضية السيد. وأمر فرانسين كذلك تسليم ثلاثة من المستندات الـ297 حصراً إلى وكيل السيد القانوني المحامي أكرم عازوري.

وكان السيد قد حدد المستندات التي يطلب الاطلاع عليها، آخذاً بالتسلسل الزمني؛ إذ إنه طلب أولاً إطلاعه على افادات الشهود الذين قدموا معلومات استند إليها لاعتقاله. فتقريرا لجنة التحقيق الدولية الأول والثاني يتحدثان عن إفادات شهود استند إليها للاشتباه بضلوع السيد في جريمة اغتيال الرئيس الحريري. يسعى بلمار، مستخدماً كلّ حجة ممكنة، إلى منع السيد من الاطلاع على تلك المستندات.

لكن حق السيد في الاطلاع على إفادات الأشخاص التي سجن على أساسها هو حقّ غير قابل للجدل بحسب ما أكّدت غرفة الاستئناف. وبالتالي إن نجاح بلمار في تجاوز غرفة الاستئناف يعدّ إشارة إضافية إلى تراجع معايير العدالة في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان.

السابق
ميقاتي “سرّه بعبّه”..و”الهوا السعودي غيّر اللونا”
التالي
ميشال موسى: مجلس النواب سيقر موضوع الكهرباء