أطفال من العراق ولبنان في نداء للسلام

هم جيل حروب، ولدوا فيها، عاشوا في ظلها، ويكبرون على إيقاعها. هم أطفال عراقيون، ولدوا تحت القصف، وبين تفجير وآخر، وتحت وابل رصاصٍ لا يتوقف. هؤلاء لم يروا عراقهم بلا دماء بعد، فمنهم من ولد وعلى باب بيته يقف الخوف، ومنهم من كان يرضع عندما اقتحم جندي أميركي بيته، ومنهم من لا يعرف أن في الوطن أخوة له، تفرقهم الأحقاد.

هم اليوم في لبنان، يعيشون إلى جانب أطفال عراقيين مقيمين هنا، كما برفقة أطفال لبنانيين، في مخيم تنظمه جمعية «فرح العطاء» في مركزها في مدرسة سيدة النصر- كفيفان. وقد حملوا معهم يوم أمس نداء سلام موجه إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، سلّموه إلى وكيلته ريما خلف التي زاروها في بيت الأمم المتحدة أمس.

يفتقر هؤلاء الأطفال إلى أدنى شروط العيش الكريم، من الأمن والاستقرار وحقي اللعب والتعلم، فتحدثوا أمس عما خبروه في مخيمهم الذي امتد لإثني عشر يوماً، عاشوا خلالها فرح التلاقي والتواصل في جو من الأمن والطمأنينة، واختبروا قيم المحبة، والتسامح، والاحترام. فشكّلت عناوين ما أكدوا عليه في نداء سلامهم الذي تلاه الطفلان ياسر الجوهري من لبنان، وآيات العلوي من العراق، مطالبين بـ«العيش معاً على اختلاف الطوائف والإثنيات، وفي جو من الاستقرار والطمأنينة، ممكن وقادر على أن يساهم في بناء الحضارة الانسانية. فنحن نريد أن يعيش الناس، بعـــضهم مع بعـــض، بالألفة والمحبّة، بعيداً عن أجواء الخــــوف والرّعب والحــروب والإنقســـامات والإرهاب».

وطالبوا في ندائهم بإثني عشر حقاً، بينها: «حق العيش بطمأنينة في بلدنا، والحق بأن نعيش ونبقى ونكبر في وطننا، وحق عيش الطفولة، وحق التنقّل بأمان داخل بلدنا من دون حواجز، وحقّ أن تكون المياه نظيفة والكهرباء متوفّرة، وحق أن تخصّص لنا ملاعب وحدائق عامة ومساحات خضراء، وحق أن تؤسّس لنا مكتبات ومسارح، وحق تلقي التعليم والتربية، وأن يكون التعليم ممتازاً وإلزامياً، وحقّ في أن لا يُلجأ الى الضرب في أثناء التدريس، وحقّ الضمان الصحّي والمستشفيات النظيفة والمتخصّصة، وحق العيش بإختلاف طوائفنا وإثنياتنا بأمان وسلام تحت سقف القانون وإحترام الإختلاف، وحقّ احترام حقوقنا كأطفال، وأن ننعم بالحريات العامة والحريات الشخصيّة».
ويقول الأب كرم كمال (من «كنيسة سيدة النجاة للسريان الكاثوليك» في بغداد)، عن تلك الحقوق، إن «الأطفال يفتقدون إلى أغلبها، هم الذين يأتون من مناطق وطوائف مختلفة من العراق»، ويعود ليلفت إلى أن «الانقسام في بغداد حاد لدرجة أن بعض الأهالي خاف من مشاركة أبنائهم في هذا المخيم مع عراقيين آخرين من طوائف آخرى. بهذا المعنى، نحن بحاجة إلى زرع الثقة في نفوسهم، وخلق جو من التآلف. وهو ما سعينا إليه في المخيم في لبنان من دون التطرق مباشرة إلى الانقسامات، إنما مع مد جسور فيما بينهم، وفقا للمبادئ الانسانية فقط لا غير».

فجعلت تلك الجسور من الطفل العراقي علي عبد الله، ابن 13 سنة، يتعرف إلى صديقيه آرام ماجد وجوزيف جليل العراقيين، فيقول: «هنا، في المخيم، تعرفت إلى أطفال آخرين يحبون العراق، ويحبون البقاء فيه».
أن يكون المخيم في لبنان، يعني الكثير لجوزف جليل الذي يعرف أن «لبنان عاش أزمته الخاصة أيضاً وانقساماته الحادة، واستطاع إلى حد ما تخطيها. نحن نريد أن نعيش بسلام أيضاً ونستطيع التنقل بحرية والتنزه كما فعلنا هنا في كل المناطق اللبنانية».

التفاعل بين الأطفال، كان له أثره الواضح في أحاديثهم وألعابهم.. فهم الذين لم يتوقفوا عن السؤال عن لبنان وعن حقوق الطفل فيه. وتشير فرح حمادة (19 سنة – وهي ابنة رئيس الجمعية محمد حمادة، وسُميت الجمعية تيمنا بها)، الى ان «هؤلاء الأطفال يفتقرون إلى كل شيء، ويظنون أن كل حياتهم ستكون في ظل الحرب، وأنهم لن يحظوا يوما بالأمن والسلام ليلعبوا أمام منزلهم حتى». وتقول فرح إن «عرض التجربة اللبنانية لهم، تساعدهم في محنتهم، وفي إقناعهم أن هناك أمل في أن يحققوا جزءا من أحلامهم يوما ما».

وكان قد حضر اللقاء في «الأسكوا» السيد هاني فحص، ومؤسس الجمعية في فرنسا الأب جان روكيت، ورئيس الجمعية محمد حمادة، وأمين سر الجمعية ملحم خلف، والدكتورة ريما خلف التي اعتبرت أنها «صدفة جميلة أن نلتقي اليوم، فالثاني عشر من آب هو اليوم الذي أعلنته الأمم المتحدة اليوم العالمي للشباب. (…) ومن المؤسف أننا رأينا أطفالنا يعانون الظلم في بعض بلداننا العربية. لقد عانى هؤلاء الأطفال في العراق، لقد عانوا في لبنان، ونرى أطفال فلسطين أيضاً أول ضحايا العدوان كما نشهد يوميا في اعتداءات إسرائيلية. زوارنا الأحباء. أطفال اليوم هم شباب الغد. وقد رأينا على مدار هذا العام كيف شرع شبابنا العربي في محاولات جادة لتغيير عالمهم نحو العدالة والحرية والعيش بكرامة».

ومع كلمات الشكر التي وجهها أمين السر للجمعية ملحم خلف للدكتورة خلف، قدم الاطفال لها لوحة كناية عن عمل يدوي تحمل معالم أساسية من العراق ولبنان، وتتوسطها الأرزة وشجرة النخيل، والمآذن البغدادية والكنائس في لبنان، مع علمي البلدين، وجسر يرمز إلى الالتقاء.

السابق
ابنة وزير !!
التالي
مصادر القلق على سوريا