فضل الله: دعا للخروج من دائرة السجال الداخلي المتواصل حول جنس الملائكة والسلاح

ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: "في أجواء شهر رمضان، شهر المواساة، شهر الاهتمام بالفقراء والأيتام والمحتاجين، شهر تضميد كل الجراح والآلام التي نعاني منها. ولا فرق بين هؤلاء لا على مستوى الطائفة ولا المذهب ولا السياسة، فآلام الناس واحدة، ومعاناتهم واحدة، ومسؤوليتنا تجاههم واحدة.في أجواء هذا الشهر، نحن معنيون بأن نستنفر كل جهودنا وطاقاتنا من أجل التخفيف عن هؤلاء وحل مشاكلهم، سواء في المجتمع الذي نعيش فيه، أو على مستوى المجتمع الكبير. وكل حسب قدرته وإمكاناته. فمن يملك القدرة عليه أن يبذلها، ومن لا يملك القدرة، عليه أن يسعى إلى من يملكها، ليستنفر لديه المشاعر والأحاسيس، وليوقظ لديه حب الآخر. أن ننتظم في الجمعيات واللجان للقيام بهذه المسؤولية، وإلا لا عذر لنا أمام الله، و"من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، و"من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم"، "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع".

اضاف "ومن هنا، نطل على كل واقعنا العربي الذي يحتاج إلى تكامل وتعاون اجتماعي مع ازدياد حالات الفقر والعوز والحاجة، ومن هنا أيضا، نتطلع بكل مسؤولية إلى ما يجري في الصومال، في هذا البلد المسلم الذي عبثت به السياسات الاستكبارية والصراعات الداخلية والظروف المناخية التي أوصلته إلى المجاعة التي تصيب الرجال والنساء والشيوخ والأطفال.أتعلمون، أن هناك من يموت جوعا في ذلك البلد المسلم، ولا من يتألم لآلام أهله، ولا من يهب لخدمته، سوى بعض المبادرات الخجولة. تنزل بالقطارة وليست بمستوى حجم هذه الكارثة.إن حجم هذه الكارثة يستدعي استنفارا غير عادي من كل الدول العربية والإسلامية ومن المؤسسات الرسمية والأهلية.فلا يجوز مطلقا أن يموت أفراد أو شعب ولا تمتد إليهم يد المساعدة.إننا في الوقت الذي نقدر جهود كل الذين يتحركون للقيام بمسؤوليتهم تجاه هذا الشعب، ندعو إلى التعاون بين الدول الإسلامية والعربية والشعوب من أجل معالجة هذه الأزمة الإنسانية التي تهز واقعنا الإسلامي.إن علينا أن نقدم الصورة الناصعة للمسلمين في تكاملهم وتعاونهم وتآلفهم، الصورة التي حرص رسول الله على تقديمها عنهم، عندما قال: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر".

واعتبر "إن ما يجري في الصومال وغير الصومال، يطرح علامات استفهام كبيرة حول واقعنا، حين نجد دولا إسلامية وعربية غنية تتكدس فيها الثروات، وتمتلئ بها البنوك الأمريكية والأوروبية، في الوقت الذي نجد كل هذا الواقع المزري لبلدان أخرى تعاني أو تتسكع على أبواب البنك الدولي، أو تنتظر المساعدات الدولية التي تجعلها رهينة سياستها. فلتكن منظمة المؤتمر الإسلامي، التي استبدلت اسمها باسم منظمة التعاون الإسلامي، منظمة تعاون حقيقي بين المسلمين، بحيث يقوي يعضهم بعضا، ويشد بعضهم أزر البعض الآخر، ولتنطلق المؤسسات والجمعيات والمبادرات الإسلامية والعربية، للعمل والتعاون فيما بينها، لتضميد كل الجراح التي يعاني منها المسلمون، ليعبروا عن إسلامهم وليحترمهم العالم".

وتابع فضل الله: "وفي موقع آخر من المعاناة، فإن كيان العدو يحاول الذهاب بعيدا في عدوانه على الشعب الفلسطيني، في توغلاته وغاراته على قطاع غزة المحاصر، ومواصلة زحفه الاستيطاني، والتلويح بخيارات عدوانية جديدة قد يلجأ إليها في ظل تصاعد الاحتجاجات المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية في داخله، على الرغم من المساعدات التي تأتي إليه من الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية.إننا نكرر دعوتنا الفلسطينيين إلى التنبه للأفخاخ التي تنصب لهم، سواء على مستوى إفشال خطوات المصالحة في الداخل، التي ندعو إلى استكمالها في أقرب وقت، أو على مستوى التهديدات الدائمة الهادفة إلى منع هذا الشعب من متابعة جهده لبناء دولته ولو على جزء من أرضه، حيث تمارس الضغوط من كل حدب وصوب، لمنعه من ممارسة أبسط حقوقه الإنسانية في عيش كريم، وفي عودة أبنائه إليه.ونقول للشعوب العربية والإسلامية، إن مسؤوليتكم كبيرة في مساندة هذه القضية، ولاسيما في هذه المرحلة، كي لا تضيع في ظل ما يجري في كل الواقع العربي.ومن هنا، تبدو الخطة الاستكبارية التي اتسع نطاقها في شهر رمضان، قائمة على استغلال الحراك الشعبي العربي، ومحاولة تجييره لحسابات بعيدة عن مصالحه، والسعي إلى إحداث فوضى عارمة في كل المواقع العربية، خدمة للمشروع الصهيوني الذي يحتاج إلى مزيد من الوقت للاطباق على القضية الفلسطينية، ولتأمين المصالح الأميركية والغربية للسيطرة على النفط، واستغلال ذعر الحكام من تحرك شعوبهم، وتخويفهم من بعضهم البعض، للسيطرة على منابع النفط، كما جرى في اتفاق الدفاع المشترك مع مملكة البحرين، وفق ما كشف عنه مسؤول أميركي.إننا نجدد التحذير من هذه الفوضى العارمة التي يستخدم فيها السلاح المذهبي والطائفي والقبلي الذي بات يهدد واقعنا، وندعو كل الذين يتحركون في هذه الساحات إلى التنبه جيدا من مخاطر الفوضى.
وعلى الحكومات العمل بكل جدية لحل المشاكل بينها وبين شعوبها، أو بعض شعوبها، لمنع المتسللين والمتسلقين والملتفين على هذه الثورات، لتحويلها لحساب سياسات الآخرين الذين لا تهمهم مصالح الشعوب ولا حريتها ولا مستقبلها، وإن سوقت لذلك.لذا، لا بد من طرح مبادرات حوارية جدية تترافق مع مشاريع إصلاحية عملية، وخصوصا في سوريا، التي يراد لها أن تختنق في أزمتها بين ركام الضغوط الخارجية وحواجز الأزمة الداخلية. وإننا نؤكد أهمية أن تنطلق المبادرات الساعية لإصلاح الوضع هناك من الساحات العربية والإسلامية، وأن تتلاقى مع رغبة داخلية، وخصوصا من الفئات الصادقة في سعيها لإخراج البلد من أزمته التي نخشى من أن الكثير من الأطراف الدوليين يريدون لها أن تمتد أكثر لكي تحقق شروطها التي تطلبها من النظام، بعيدا عما هي مسألة الإصلاح التي ليست إلا لافتة ترفعها الإدارات الغربية لتحقيق أهداف وغايات خاصة بها، مع تأكيدنا لحاجة الشعب السوري إلى إصلاح جذري، وعدم الاكتفاء بالمعالجة الأمنية لما يحصل، والتي نخشى من عدم جدواها، بل تزيد الأمور تفاقما".

وابدى فضل الله خشيته "من أن يؤدي السجال اللبناني حول الوضع السوري، والذي قد يلتقي بتحركات ميدانية وبمواقف سياسية حادة، إلى مشاكل في الداخل، وأزمات متنقلة تجعل لبنان في قلب هذه المشكلة التي ينبغي أن ينأى عنها على مستوى التوترات الداخلية، وأن يعمل ـ في المقابل ـ للعب دور الإطفائي والناصح، حتى لا يصبح البلد ساحة من ساحات الفتن المتنقلة التي تمثل الصدى لما يجري من حوله، فيكفي ما يعانيه اللبنانيون من أزمات ومشاكل.إننا في الوقت الذي نؤكد أهمية أن يكون لبنان نموذجا على مستوى الحوار الداخلي، وإدارة مشاكله بروح انفتاحية وبعقلية ناضجة، ندعو الجميع إلى الخروج من دائرة السجال الداخلي المتواصل حول جنس الملائكة والسلاح وما إلى ذلك، وتلمس الخطر الداهم الآتي من الحدود الفلسطينية المحتلة، حيث يواصل العدو خرقه للسيادة اللبنانية ويبعث برسائل تهديدية متواصلة، وتتحدث صحافته عن إمكانية تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج، عبر حروب قد تشن على لبنان أو إيران أو على قطاع غزة".

وقال "ان على جميع المسؤولين في لبنان، أن يعرفوا أن الشعب يريد منهم أن لا يبقوه في دائرة التوتر الذي يخافون منه على أمنهم واستقرارهم، خوفا من فتنة مذهبية أو طائفية أو سياسية، انطلاقا من انعكاس ما يجري حولهم، أو من خلال التداعيات الداخلية للمحكمة الدولية، أو من خلال تداعيات أو تصريحات متشنجة على خلفية ما حدث من تغيير حكومي. لذلك نقول لكل الذين يصرحون بدون مسؤولية، والذين يصبون الزيت على النار، والذين همهم أن يشدوا عصب طوائفهم ومذاهبهم، ولا يهمهم ماذا بجري بعد ذلك، نقول لهم: اتقوا الله في عباده وبلاده. كما ندعو الحكومة الجديدة إلى السعي للقيام بخطوات جدية لمعالجة المشكلة الاقتصادية الاجتماعية، وتصاعد أسعار المحروقات، والانقطاع شبه الدائم للكهرباء، وندعوها إلى الترفع عن الحسابات السياسية والحساسيات الخاصة التي قد تجهض أي محاولة جادة لمعالجة مشكلة الكهرباء بشكل جذري ونهائي، وندعو إلى تجاوز الخلافات الكيدية عندما يمس الموضوع مطلبا حياتيا يوميا يستفيد منه كل اللبنانيين، لأننا أحوج ما نكون إلى التخفيف عن المواطن، من الأعباء التي ترهق كاهله، وتربك حياته ومعيشته. حتى يكون شعار الحكومة متطابقا مع واقعها".

وختم فضل الله "ان اللبنانيين ينتظرون من هذه الحكومة معالجة الملفات والمشاكل بعقلية جديدة، والتضامن فيما بينهم لإخراج البلد من معاناته، لا أن يكرروا تجارب أدت إلى كل ما يعاني منه اللبنانيون، وإن تحت عناوين جديدة".

السابق
جميل السيد: للتعاطي بجدية مع موضوع تهريب الاسلحة الى سوريا
التالي
اميل لحود: تصرف الاقلية النيابية الكيدية بذاتها