أسواق الأسهم العالمية تخسر 4 تريليونات دولار في أسبوعين

فقدت أسواق الأسهم العالمية نحو أربعة تريليونات دولار من قيمتها هذا الشهر، بسبب المخاوف من أن تمتد أزمة ديون منطقة اليورو إلى إيطاليا وإسبانيا وتضر بالقطاع المالي الأوروبي وتدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود مرة أخرى.
وفقد مؤشر «إم إس سي آي» للأسواق في أرجاء العالم نحو سبع قيمته، أو ما يعادل تقريبا حجم اقتصاد إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وآيرلندا واليونان مجتمعة. واقتطعت مبيعات الأسهم هذا الأسبوع 1.6 تريليون دولار من القيمة السوقية للمؤشر العالمي بعد أن خسر الأسبوع الماضي 2.5 تريليون دولار. وتبلغ قيمة المؤشر حاليا 24.84 تريليون دولار. وفقد مؤشر «ستاندرد آند بورز» الأميركي وحده أكثر من 710 مليارات دولار هذا الأسبوع، بعد أن خسر 950 مليارا الأسبوع السابق. كما فقدت الأسهم الأوروبية المدرجة في مؤشر ام.ا.سي.اي يوروب- نحو 500 مليار دولار هذا الأسبوع.

ويبدو الوضع متشابها بصورة مخيفة، حيث تشهد الأسهم تراجعا؛ ويشهد الاقتصاد تباطؤا؛ ويبحث سياسيون عن حلول لكنهم منغمسون في اختلافات. ويتساءل الكثير من الأميركيين عما إذا كانوا يواجهون أزمة مالية مماثلة لتلك التي وقعت عام 2008.
وبحسب تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية، تثير إجابة هذا السؤال نقاشا محتدما بين اقتصاديين وخبراء في الأسواق. ويقول الكثيرون إن المخاطر أقل حاليا – على الأقل من ناحية احتمال حدوث أزمة فورية – لأن النظام المالي، في مجمله، أفضل حالا والمشاكل الكامنة أقل. لكن يضيف الخبراء أن ثمة سببا للشعور بالقلق، ولا يستبعدون حدوث تراجع سريع إذا لم يتمكن السياسيون في الولايات المتحدة وأوروبا من تهدئة المستثمرين بالتعامل مع التهديدات المالية الأساسية.

وكما كان الحال قبل ثلاثة أعوام، تتمثل المشكلة الرئيسية في مقدار كبير من الديون التي يواجه المقترضون صعوبة في إعادة دفعها – لكنها في هذه المرة ديون حكومية وليست ديون مستهلكين.
ويقول دارل دوفي، أستاذ التمويل في جامعة ستانفورد والخبير في النظم المصرفية «حتى الآن الوضع ليس سيئا مثلما كان عام 2008، لكنه قد يصبح أكثر سوءا، لأن مخاوف الدين السيادية عالمية أكثر من مخاطر الرهون العقارية المحفوفة بالمخاطر عام 2008».

وربما يتمثل الجانب الأكثر شبها بعام 2008 والذي يثير أكبر قدر من القلق في غياب الثقة. ويقول مايكل هانسون، الاقتصادي البارز في «بنك أوف أميركا ميريل لينش»: «يوجد مستوى من الخوف أشبه (بما كان عام 2008).. إنه الخوف من المجهول».
ويتركز معظم الانتباه حتى الآن على التقلب في الأسهم، وقد صُدم المستثمرون بسبب ثلاثة تراجعات في أيام التداول الخمسة الماضية، بما في ذلك تراجع قدره 4.6 في المائة يوم الأربعاء في متوسط «داو جونز» الصناعي.
لكن يتمثل مصدر القلق الأكبر بالنسبة للكثير من الممولين ومسؤولين حكوميين في إشارات على حالة توتر يوم الأربعاء بأسواق الائتمان الأوروبية الضرورية لتمويل العمليات اليومية للمصارف والشركات هناك.

وعلى عكس أزمة 2008، التي بدأت في الولايات المتحدة وانتشرت بمختلف أنحاء العالم بعد إفلاس «ليمان براذرز» واقتراب عملاق التأمين «أميركان إنترناشيونال غروب» من حافة الانهيار مع ظهور حالات العجز عن سداد الرهون العقارية المحفوفة بالمخاطر، بدأ الوضع حاليا خارج البلاد. ويوجد شعور بالقلق داخل الولايات المتحدة بسبب مخاوف متزايدة تعرض مصارف أوروبية لمخاطر ديون سيادية. وتمتلك مؤسسات مالية بمختلف أنحاء أوروبا سندات حكومية وسندات شركات من اليونان وآيرلندا والبرتغال وإيطاليا وإسبانيا. وتتزايد المخاوف بشأن العجز عن السداد.

ويؤكد البعض على أن المقارنات مبالغ فيه. ويقول لاري كانتور، رئيس الأبحاث بـ«باركليز كابيتال»: «يبدو ذلك مختلفا بصورة كاملة. لا أعتقد أن هناك أزمة دين في الولايات المتحدة حاليا، والدين الأوروبي ليس بنفس قدر دين الرهون العقارية أو دين المشتقات عام 2008. ما زالت احتمالية حدوث تراجع مثلما حدث عام 2008 بعيدة».

ويشير الخبراء إلى أنه من المهم عدم إرباك سوق الأسهم وجعلها تعيش في ذعر شامل. ويقول جون ريتشاردز، مسؤول الاستراتيجيات في «آر بي إس» داخل ستامفورد بكونيتيكت «أعتقد أن الأمر مختلف نوعا ما عن 2008». ويشير إلى أن «هذه عملية تصحيح بسوق الأسهم تعتمد على نمو أبطأ وتزايد احتمالية حدوث ركود. وفي عام 2008 كانت لدينا أزمة تمويل حقيقية، حيث كانت المصارف مترددة في إقراض بعضها بعضا».

ويقول آخرون في وول ستريت إن حالة الاضطراب تمضي على النسق نفسه. ويقارن متداولون التهديد الذي تطرحه اليونان بآثار أزمة الدين السيادي قبل عام بـ«بير سترنز»، الذي كان سقوطه في مارس (آذار) 2008 بروفة كاملة لأزمة أوسع حدثت بعد ذلك بستة أشهر. وتشبه الديون الضخمة الخاصة بإيطاليا وإسبانيا حاليا ما كان مع مؤسسات مثل «ليمان» و«أميركان إنترناشيونال غروب» التي هدد انهيارها استقرار النظام بالكامل.
وفي تكرار لما حدث عام 2008، تراجعت أسهم المصارف الأوروبية يوم الأربعاء بنسبة 10 في المائة أو أكثر، وبدأت مصارف في أوروبا تكدس الأموال، مما أعاق الديون بين المصارف التي تحافظ على عمل النظام المصرفي العالمي بانسيابية.
وعلى الرغم من أن تكاليف الاقتراض بالنسبة إلى المصارف في الولايات المتحدة وبريطانيا ارتفعت بدرجة بسيطة خلال الفترة الأخيرة، فقد زادت تكاليف الاقتراض للمصارف داخل القارة الأوروبية بين بعضها بمقدار الضعف منذ يوليو (تموز).

ويشير المراقبون الأكثر تفاؤلا إلى أن هذه المعدلات ما زالت أقل بنسبة كبير عن تلك التي سُجلت في ذروة الأزمة المالية، لكنها الأعلى منذ ربيع عام 2009. وفيما تقوم المصارف الأوروبية بتداول مليارات الدولارات بصورة يومية مع نظرائها في الولايات المتحدة، سادت مخاوف من انتقال العدوى.

وإلى جانب الخوف، توجد حالة من الرفض في الفترة التي سبقت اللحظة الحالية، ويشبه ذلك ما حدث عام 2008. فمع ظهور أدلة على تهديد الرهون العقارية المحفوفة بالمخاطر خلال 2007 وصولا إلى 2008، استمرت الأسهم ترتفع، وبلغ مؤشر «داو» الصناعي 13000 نقطة قبل الاضطرار إلى إنقاذ «بير سترنز». ومع ضعف الاقتصاد، ما زالت وول ستريت تتوقع عوائد خلال الربع الرابع تزيد بمقدار 23 في المائة عن معدلات العام الماضي، وهو مستهدف يبدو صعب التحقيق في الوقت الحالي.
وحينها، كما الحال الآن، كانت هناك تقلبات ضخمة في سوق الأسهم صعودا وهبوطا. وعلى سبيل المثال، تراجع «داو» بمقدار 777 نقطة في 29 سبتمبر (أيلول) 2008، بعد أن رفض الكونغرس مبدئيا برنامج إغاثة الأصول المتعثرة المقترح. وبعد ذلك ارتفع بمقدار 485 نقطة في اليوم التالي. وبصورة مجملة ظل مؤشر «داو» يتراجع، وبلغ أقل معدل له في مارس (آذار) 2009، حين بلغ 6547 نقطة.

ولكن توجد اختلافات مهمة جدا بين الوقت الراهن وما حدث آنذاك، وقد تجعل هذه الاختلافات المصارف أكثر قوة. فلدى المؤسسات المالية داخل الولايات المتحدة رأسمال أكبر بمقدار الثلث مقارنة مع ما كان لديها عام 2007. كما أنها في وضع أفضل يمكنها من اجتياز العاصفة الحالية. وقللت المصارف من المخاطر التي تواجهها. وبدلا من إقراض 25 دولارا لكل دولار من رأس المال لديها، تقوم المصارف حاليا بإقراض 16 دولارا، طبقا لما جاء في تحليل أجراه كريس كوتويسكي، المحلل المصرفي لدى «أوبنهيمر». وهناك وسائل أخرى استطاع النظام المصرفي من خلالها تقليل كمية الدين.

وقد تراجع حجم سوق اتفاقات إعادة الشراء، وفيه تقترض مؤسسات مالية لليلة واحدة بهدف تمويل عملياتها، من 4.57 تريليون دولار في مارس 2008، وهو الشهر الذي أوشك فيه «بير» على الانهيار، إلى 2.6 تريليون دولار في يوليو 2011.
والأكثر من ذلك أن المستهلكين والشركات على السواء قللوا من ديونهم – وإن كانت بصورة متواضعة – حتى لو لم تكن الحكومات قد قامت بذلك. وبعد زيادة اقتراضهم لأكثر من ثلاثة عقود على التوالي، غيّر المستهلكون الاتجاه، ويدينون بالفعل بمقدار أقل حاليا مما كان عام 2008. وبصورة مماثلة، فإن عدد الشركات التي يتجاوز دينها قصير الأجل أصولها بلغ أقل معدل له خلال 25 عاما، مما يقلل فرصة حدوث أزمة ائتمان مثلما حدث في خريف 2008.

وعلاوة على ذلك فإن نطاق المشاكل في الوقت الحالي مفهوم بشكل أفضل مقارنة مع 2008، عندما فوجئ واضعو السياسات بكمية دين الرهون العقارية المحفوفة بالمخاطر وبأنها وجدت طريقها لأنحاء كثيرة في النظام المالي العالمي.
لكن ليست كل الاختلافات حميدة. فعلى عكس 2008، عندما كان صناع السياسات داخل الولايات المتحدة يتحركون سريعا لإنقاذ المصارف ووفروا ضمانات لحماية النظام المالي من الانهيار، تزيد الخلافات السياسية في واشنطن الصعوبة أمام اتخاذ إجراء جريء مثل حزمة تحفيز أخرى.

ولدى المصرف الاحتياطي الفيدرالي وسائل أقل لاستخدامها، فقد قام بالفعل بتخفيض معدلات الفائدة على المدى القصير لقرابة الصفر، ولم تتمكن جولتان من التحفيز الاقتصادي تبلغان في المجمل أكثر من تريليوني دولار من استعادة النمو بشكل كامل. ويقول هانسون، من «بنك أوف أميركا»: «لا يوجد أمام الاحتياطي الفيدرالي الكثير ليقوم به. هذه حرب من نوع مختلف، لكن ليس لدينا الرصاص التقليدي».

وداخل أوروبا، حيث بدأت الأزمة الحالية، نجد أن الزعماء السياسيين مختلفون، على الأقل، بشأن اتخاذ قرار، كما الحال مع نظرائهم داخل الولايات المتحدة، لأن الدول المختلفة هناك تواجه صعوبة في التوفيق بين مصالحها المختلفة.
ويقول فيليب فينش، واضع الاستراتيجيات المصرفية العالمية بـ«يو بي إس»: «لم نر واضع سياسات يخرج بخطة شاملة ومحل ثقة وتعتمد على تنسيق الجهود. نحتاج إلى استعادة الثقة، لكن هناك الكثير من الخلافات الداخلية».

السابق
12 آب اليوم العالمي للشباب
التالي
وفاة زوجة الشيخ عبد الأمير قبلان