الآخرون يموتون جوعاً إذاً.. أنت تأكل

يعيش القرن الأفريقي هذه الأيام، أسوأ أزمات الجفاف خلال الستين عاما الأخيرة. 11 مليون شخص تطالهم المجاعة التي قتلت أعدادا كبيرة في اثيوبيا والصومال. هذا الحدث ليس مفاجئا: منذ شهري تشرين الأول والثاني من العام الماضي، حذرت الامم المتحدة ومعها عشرات المنظمات الموجودة على الأرض من اقتراب الكارثة.

ووصلت المجاعة، تماما كما كان متوقعا. ولكن لماذا لا تتحرك حكومتنا، التي من المفترض بها أن تحمي الشعب من هذه الأزمات، بما يكفي لتفادي هذه الكارثة؟

السبب الأول لا يخفى على أحد: النخب الاجتماعية والسياسية لا تموت من الجوع في حالة المجاعة. وهي في الحقيقة أكثر استعدادا للتململ إزاء ارتفاع في أسعار النفط، منه أمام رؤية المئات من مواطنيهم يحصدهم الجوع.
أما الحقيقة المرعبة، فهي على الأرجح أن حكوماتنا، أو على الأقل مؤسسات الحكم، تحتاج إلى المجاعات. شعب من المزارعين المستقلين، الذين يعيشون بسلام من جني محاصيلهم، قد يصبح عنيدا وأبيا. والمزارعون هم عامة أولى ضحايا هذه المجاعات التي تنهكهم وتجبرهم على سحق كرامتهم ومدّ يد التسول. المجاعة أداة تطويع فعالة إلى أقصى الحدود، تسمح للنخب بالحصول على مزيد من السلطة.

لكنها أيضا قادرة على إنهاء حكم هذه النخب: ارتفاع الأسعار كان عنصرا أساسيا في سقوط بن علي في تونس ومبارك في مصر. في بداية العام، عاشت اوغاندا أيضا اضطرابات مهمة. في معظم الأحيان، تكون لهذه الارتفاعات المفاجئة في الأسعار انعكاسات سياسية، إلا في حالة المجاعة. عندما يموت جيرانك من الجوع، فستكون ضئيلة احتمالات أن تتظاهر لأن تكلفة غذائك تضاعفت.
ولا تعود الأسعار في معظم الأحيان إلى سعر ما قبل المجاعة. وإذا تراجعت، فقليلا. وفي مجال الأرباح، يسمح بالهوامش المتأتية عن التغيرات «الطبيعية» المرتبطة بارتفاع تكلفة الانتاج.

اللاعبون الكبار في سوق التغذية العالمية، يستفيدون من هذه الأزمة، التي تجبر المجتمع الدولي على شراء ملايين الأطنان من المساعدات الغذائية في ظروف طارئة، يكون فيها هامش التفاوض ضئيلا. بالنسبة للذين ما زالوا يستطيعون أن يناموا ببطن ممتلئة، الخلاصات مؤرقة. إذا كانت الشركات التي تنتج الغذاء الذي نشتريه بأسعار متصاعدة باضطراد قادرة على الاستثمار، فذلك على الأرجح نتيجة الأرباح التي تجنيها من وراء ارتفاع الأسعار المتأتي عن مجاعة خطيرة.

إذا كان لا يزال باستطاعتك أن تأكل، فذلك على الأرجح بفضل هؤلاء الذين تشاهدهم يموتون من الجوع كل مساء في نشرة الأخبار.

السابق
وفد فلسطيني يقدم لميقاتي مذكرة لحل مشكلات اللاجئين
التالي
“الجت سكي” مُنع في صور