نقطة فاصلة الملك.. رسالة وانعكاسات

الرسالة التي وجهها الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز الى سورية لم تكن سوى رسالة الى مثيري الشغب هناك مفادها، أن المملكة تقف الى جانبهم في ما يسعون اليه من تغييرات تطال رأس الدولة والحكومة في دمشق، في سياق منسجم مع ما تسوقه وسائل الإعلام عن موقف أميركي تصعيدي سيصدر، يطلب من الرئيس السوري بشار الأسد التنحي.

جن جنون العالم بعدما شعر أن ما تنفذه السلطات السورية بدأ يؤتي أكله لناحية السيطرة على حركة الشغب الدولية، أو ما تنفذه الدول من حرب تبدو عالمية على سورية بشقها السياسي، من دون التمكن من تحويلها الى الشق العسكري بالرغم من الإيحاءات المستمرة بالوصول الى اعتماد هذا الخيار كحل أخير.

لا يبدو أن باستطاعة الدول التي تشن حربا على ليبيا وتقود تغييرات في كل من تونس ومصر واليمن وتتحضر لمواجهة في العراق على خلفية التمديد للقوات الأميركية بعد سقوطها في مستنقع أفغانستان، أن تكون جاهزة لا بالأصالة ولا بالوكالة لخوض معركة جديدة ضد سورية، بغض النظر عما إذا كانت دمشق قادرة على رد عدوانهم عليها، وهي جاهزة لذلك ضمن معايير تحدث عنها الموقف السوري بالأمس، عندما استقبلت العاصمة السورية وزير الخارجية التركية داوود أوغلو الذي أربك مواقف الدول التي أرسلته عندما قال كلاما متناقضا في آن حول تقييمه للموقف، أو ربما عدم قدرته على توظيف قدراته الدبلوماسية للتعبير عما سمعه من حزم سوري في مواجهة كل الاستحقاقات المتعلقة بالحوادث مهما كانت قاسية.

ما صدر عن الملك السعودي لا ينفصل عن هذا السياق الذي تحاول تركيا ترجمته لقربها من حدود الحوادث، كما من منطلق ما كلفت نفسها وما كُلفت به حيال الأزمة، لكن السؤال يتمحور حول انعكاسات كلام الملك السعودي على الساحة اللبنانية، لانتفاء تأثيره في الداخل السوري، بالرغم من توجيه الخطاب اليه بشكل أولى، وذلك في ظل المواقف التي يتخذها لبنان من مجمل الملفات التي لا تنسجم مع الموقف الذي يؤدي الى تنفيذ السياسة السعودية فيه أو عبره، خصوصاً أن حلفاء المملكة ما فتئوا ينتظرون موقفا ينتشلهم من الغرق السياسي بعد سقوط حكومتهم بضربة قاضية، وابتعاد رأس حربتهم المالية والسياسية عن الواجهة بانتظار أن يقضي الله أمرا لعله.. كان مفعولا.

تقول مصادر سياسية، إن احتمال بروز ترددات للموقف السعودي على الساحة اللبنانية أمر وارد في حالة واحدة فقط، وهي امتلاك السعودية قرار تفجير الوضع في لبنان وعلى أي مستوى، مشيرة الى أن مساحة التوتير واسعة تبدأ من المخيمات الفلسطينية ربطا بما يجري من سجال حول السعي الفلسطيني للحصول على الإعتراف الدولي بفلسطين ومعارضة الكيان الإسرائيلي له، أو على مستوى حراك الأطراف المؤيدة لها وفي طليعتها "القوات اللبنانية"، لعدم قدرة أطرافها المباشرين على التحرك لأسباب عديدة منها، غياب قيادتهم التي تخشى الإطلالة مرة أخرى بعد الإخفاقات الكثيرة التي منيت بها ولا سيما ممارسة السلطة من خلال تولي رئاسة الحكومة.

وتضيف المصادر، إن توقعاتها تشمل مبادرة الأطراف الى تفعيل وضع الشارع واستخدامه ورقة ضغط على الحكومة والأكثرية الجديدة من خلال إعادة تظهير الملفات الخلافية وفي طليعتها المحكمة الدولية، إلا أن الأمر لن ينجح بحسب المصادر التي أكدت جهوزية قوى الأكثرية للتصدي لكل تلك الملفات بما تنطوي عليه من تهديدات ربما تنعكس قلاقل في بعض المناطق، أو حتى في العاصمة بيروت وبدعم دولي وإقليمي، مشيرة الى أن رأس الحربة في المواجهة ـ إذا حصلت ـ ستكون الحكومة التي انبثقت عن الأكثرية، حيث لم يعد جائزا الدخول في تسويات من شأنها أن تذهب بالإنجازات أو تعرضها للمخاطر أو التسويف.

لا تنفي المصادر وجود تحديات تتمثل بما تواجهه سورية في الوقت الراهن، إلا أنها تؤكد أن معلوماتها تشير الى أن سورية ستخرج من أزمتها في وقت قريب جدا، الأمر الذي سيتيح التركيز على تمتين جبهة المواجهة على المستوى الإقليمي التي لم تتأثر حتى الآن بما يجري. ذلك أن المطلوب التركيز من ناحية ثانية على تمتين الجبهة الداخلية في لبنان نظرا لهشاشتها ولا سيما أمام احتمالات دخول "إسرائيل" على الخط في اي لحظة تراها مناسبة إذ أن أهدافها داخل البلد لم تنته، وإنما تدأب على النيل منها عندما تستطيع ذلك.

وترى المصادر، أن تأثيرات رسالة الملك ربما تطال الساحة العراقية بشكل او بآخر، انطلاقا من ترابط الساحات ولا سيما أن المعركة القائمة تأخذ بعدا مذهبيا مغلفا بعناوين سياسية لا تعكس حقيقة الأزمة ولاعمقها الاستراتيجي الذي يمس جوهر الصراع مع "إسرائيل" بشكل مباشر، ذلك ان العالم العربي بات منقسما حول جدوى الصراع وآلية إنهائه.

السابق
رياض منصور: لبنان يعترف قريباً جداً بدولة فلسطين
التالي
كل ما أرجو هو الحذر