قيادي أكثري: لو كنت مكانك لتمسّكت بالأسد!

بات واضحا ان ريشة الاحداث في سوريا تعيد تشكيل صورة المنطقة، بالنظر الى طبيعة الموقع الاستراتيجي الذي تحتله دمشق في معادلة الشرق الاوسط، انطلاقا من كونها جزءا عضويا وحيويا من منظومة إقليمية تشمل طهران و«حزب الله» وحركة «حماس»، في مواجهة منظومة أخرى تحمل «لافتة» الاعتدال العربي بامتداداته الدولية، وخصوصا الاميركية منها.

ومع التسليم بأن مكونات الازمة السورية هي في معظمها داخلية، وان النظام يتحمل جزءا من المسؤولية عنها بسبب تأخره، ولا سيما آلياته، في مجاراة الرغبة الشعبية في تحقيق إصلاحات جذرية، إلا ان ذلك لا ينفي حقيقة ان هناك قوى خارجية تستثمر على هذه الازمة وتملك «أسهما» فيها، سعيا الى الاستفادة منها في اتجاه دفع القيادة السورية نحو تقديم تنازلات سياسية تتصل بالقضية الفلسطينية والعلاقة مع إيران وحركات المقاومة، بما يتيح إراحة إسرائيل والتعويض عن الخسائر الاميركية في العراق وأفغانستان والشرق الأوسط.

من هنا، فإن ما يجري في سوريا لم يعد فقط شأنا داخليا او قُطريا، بل هو بات يعبر في جانب اساسي منه عن صراع محتدم بين مشروعين، يدور فوق الارض السورية، لكن جوهره يتجاوز حدودها ليطال العديد من عواصم القرار، وبالتالي فإن الكثيرين من خصوم دمشق وحلفائها يعتبرون أنفسهم معنيين مباشرة، وفي الصميم، بمسار أزمتها وبالنهاية التي يمكن ان تؤول اليها، لان الكثير يتوقف على هذه النهاية التي يحاول كل طرف ان يجعلها «سعيدة» له.

وليس خافيا ان الساحة اللبنانية تملك القابلية الاكبر للتأثر بمجريات الاحداث في سوريا، أولا بسبب هشاشة بنيتها الطائفية والمذهبية، وثانيا نتيجة اصطفافات قواها الرئيسية التي تتوزع بين من هو حليف لدمشق ومن هو خصم لها، الامر الذي نقل شرارة التظاهرات والاعتصامات من شوارع المدن السورية الى بيروت وطرابلس والبقاع واقليم الخروب، بل ربما كان بعض اللبنانيين، على الضفتين، أشد حماسة من السوريين أنفسهم، موالين ومعارضين.

ولعل الرئيس سعد الحريري هو أحد هؤلاء المتحمسين، بعدما انخرط كليا في المعركة الحاصلة ضد النظام السوري، الى حد انه أوشك ان يصل الى نقطة اللاعودة، في ظل رهانه المضمر على قرب سقوط هذا النظام، ووسط تكاثر محاولات تهريب السلاح الى سوريا انطلاقا من بيئات متعاطفة مع تيار المستقبل.

وإذا كان الحريري يملك ـ من وجهة نظره ـ اسبابا موضوعية كثيرة تبرر هذا الموقف ضد نظام الرئيس بشار الأسد، بدءا من ملف اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولا الى لحظة إقصائه عن رئاسة الحكومة، غير ان قياديا في الاكثرية الجديدة يقول انه لو كان محل سعد الحريري لتمسك ببقاء الأسد في السلطة، أقله من زاوية ان هذا الخيار هو الاقل سوءا مقارنة بالخيارات الاخرى!

ويعتقد القيادي المذكور ان الحريري يجب ان يميز بين خلافه السياسي المشروع مع الأسد ومشاعره الشخصية غير الودية حياله، وبين كون الرئيس السوري يمثل في نهاية المطاف حالة علمانية ومنفتحة، لم تنتقل اليها عدوى الطائفية او المذهبية، لافتا الانتباه الى ان البديل عنه، وفق المؤشرات الحالية، سيكون إما تعميم الفوضى وإما انتشار التيار السلفي الفالت من عقاله، وفي الحالتين سترتد النتيجة سلبا على دور الحريري ومصالحه.

ويشرح القيادي الاكثري هذه المعادلة بالاشارة الى انه في حال ملأت الفوضى الفراغ الذي سينتج عن سقوط نظام الأسد، فإن رياحها المدمرة ستضرب تلقائيا لبنان وعندها سيكون الحريري هو الخاسر الاكبر استنادا الى موازين القوى الحالية في البلد. أما إذا وصل السلفيون الى السلطة في دمشق، فإن الحريري بما يمثله من رمز للاعتدال والليبرالية في الشارع السني سيجد نفسه المتضرر الابرز و«الضحية اللاحقة».

ويلفت القيادي الانتباه الى ان الحريري سيكتشف حينها ان لعبة «الاستخدام المتبادل» التي جمعته مع التيارات السلفية منذ أيام «فتح الاسلام» ونهر البارد سترتد عليه، تماما كما حصل في تجربة المملكة العربية السعودية مع أسامة بن لادن. والارجح انه سيستعيد، إذا واجه مثل هذا الاختبار، ما قاله وليد جنبلاط له قبل سنوات: «لا تضع يدك بيد البعبع السلفي، فستكون أنت أول من يدفع الثمن».

ويرى القيادي نفسه ان الحريري ذهب في المواجهة مع بشار الأسد الى الحد الذي وضعه امام أفق مسدود، سواء انتصر الرئيس السوري ام هُزم في «معركة البقاء»، ذلك ان انتصاره سيعني ان البيت السياسي لآل الحريري سيقفل وقتا طويلا، وان «الشيخ سعد» لن يعود الى السلطة في المدى المنظور، لا سيما إذا ثبت لدمشق ان تيار المستقبل تجاوز الخط الاحمر في سلوكه وحاول فعليا العبث بالامن السوري.
ويضيف القيادي: بالنسبة الى الاحتمال الآخر، فإن هزيمة الأسد قد لا تمنح أصلا الحريري فرصة كي يستمتع بالنصر، لأن البديل الملائم «غير مضمون»، ناهيك بأن تداعيات سقوطه ستضرب المنطقة بمجملها، والارجح ان بيروت ستكون الاشد تأثرا بها لقربها من فالق «الزلزال السوري».

ويعتبر القيادي انه كان من الافضل للحريري ان يبقى محايدا، بالحد الادنى، بدلا من ان يقدم لدمشق دليلا إضافيا على ان هواجسها المزمنة حيال لبنان مشروعة، وان جارها الاصغر كان وما زال يشكل «خاصرة رخوة» للامن القومي السوري، وان هناك فيه من يُصر على انتهاز الفرص لتحويل الاراضي اللبنانية الى ممر او مقر لاستهداف سوريا، متجاوزا التجارب والالتزامات المنصوص عليها في اتفاق الطائف.

السابق
الراي: وزير الدفاع السوري حبيب ينفي ما تناقلته وسائل إعلام عن أسباب تنحيه
التالي
مجهولون في حزب الله