رؤساء مثاليون في العالم الافتراضي!

غالباً ما يخاطب الرئيس الاميركي باراك أوباما متابعيه عبر "تويتر" شخصياً، ويحرص على توقيع ملاحظاته بالاحرف الاولى لاسمه ("ب.أ.")، ولا يتوانى عن عقد جلسات دردشة مفتوحة على الشبكة الالكترونية تتناول القضايا الحساسة التي تهم الشعب الاميركي، آخرها مثلاً أزمة رفع سقف الدين وتداعياتها

طبعا لا يقتصر التواصل المباشر بين رأس الهرم والقاعدة على المجتمع الاميركي فحسب، فهو يكاد يتحول اداة اساسية في رسم السياسات لاسيما في الدول الغربية. من هنا باتت متاحة متابعة اصداء المناقشات الجارية في الامم المتحدة حيال الحوادث في العالم العربي على صفحة وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ، الذي راح يتلقى على "تويتر" ردودا داعمة تارة ومنددة طوراً للتحرك في مجلس الامن.

ويتدرج التواصل، عمودياً، الى الوزراء كوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون التي تملك صفحة رسمية خاصة، فالسيناتورات، كالمرشحين السابقين للرئاسة جون كيري وجون ماكين . هكذا مثلا، تمكن "التويتريون" من قراءة تفاصيل زيارة الوفد الاميركي الى ميدان التحرير في القاهرة وافتتاح البورصة المصرية مباشرة على الشبكة، علماً ان جزءاً منها غاب عن الاعلام الرسمي.

هذا غيض مشاهدات من فيض حوادث يحفل بها عالم السياسة الافتراضي. عالم بات مكونا اساسيا من مشهد الساسة العام والاقتصاد والاعلام والدعاية. لا بل بات يلعب دورا مهما في المعارك الانتخابية التي بدأت تشهد انطلاقاتها الاولى الكترونيا.
والسؤال الذي يطرح هو كيف يتعامل الرؤساء اللبنانيون مع هذا العالم؟ وهل تحول أداة تواصل مباشرة مع قواعدهم في زمن يقتصر التفاعل مع الجمهور على الخطب الرنانة في المواسم الانتخابية؟

تقود القراءة السريعة لمواقع رؤساء الجمهورية ميشال سليمان ومجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي الى مجموعة ملاحظات، منها ان ثمة بوادر عمل بدأت تظهر للرئاستين الاولى والثالثة على الشبكة الالكترونية، ولاسيما عبر موقعي "فايسبوك" و"تويتر"، تشير اليها صفحتا الاستقبال المحدثتان لسليمان وميقاتي. وفيما يتيح الترابط المتاح بين صفحتي رئيس الجمهورية وموقع الرئاسة الالكتروني مراسلة مكتب الرئيس مباشرة، تكاد المواقف المنشورة على حائط "فايسبوك" و"تويتر" تختصر بمقتطفات عن بيانات رئيس الجمهورية والتصريحات التي يوزعها القصر الجمهوري في طريقة دورية والتي غالبا ما تلقى تعليقات داعمة من المتابعين وعددهم ناهز حتى الامس القريب 153365 متابعاً. على سبيل المثال، تلقى الرئيس سليمان 375 تهنئة الكترونية على الكلمة التي القاها في عيد الجيش، و228 ترحيبا بزيارته مع البطريرك مار بشارة بطرس الراعي دير القمر، ولو ان الترحيب هذا لم يخل من تمنيات ساقها البعض بأن تشمل جولته صور وقانا. وفيما كسرت بعض صوره العائلية مع احفاده، بالتزامن مع لائحة تهانىء بتحوله جداً لتوأمين سيريل ونبيل حواط، جانبا من "الجدية" التي تضفيها اطلالاته الرسمية والعسكرية، لاقى تنديده بالاعتداء على الكتيبة الفرنسية والذي ترافق مع نشر صور له والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مجموعة ردود داعمة، علماً ان بعضها لم يوفر الرئيس الفرنسي من انتقادات، حتى ان احدها وصفه بـ "الشيطان".

واللافت اختلاط حابل التعليقات السياسية بنابل المطالب المعيشية، فغالبا ما يعمد متصفحو موقع الرئيس الى مناشدته رفع الحد الادنى للاجور وخفض سعر صفيحة البنزين والتدخل للحد من مستوى ارتفاع اسعار الشقق…
ومقابل الصرامة التي احيط بها التعامل مع قضية الفنان زيد حمدان بتهمة تشهيره بالرئاسة الاولى، برزت على موقع "تويتر" اسباب تخفيفية سعت الى الحد من وطأتها. ومما نشر في هذا الاطار ان السلطات المعنية تولت تطبيق القوانين المعمول بها وان لا علاقة للرئيس بمضمونها، فضلاً عن انه لم يطلع مسبقا عليها.

ويبقى ان الرئيس الثاني العشر للجمهورية يهوى السباحة والركض وتمضية وقت مع العائلة، كما يعرّف نفسه في البطاقة التعريفية، وهو من المستمعين للموسيقى الكلاسيكية ويتصدر كتاب " النبي" لجبران خليل جبران لائحة الكتب المفضلة لديه.
في المنحى عينه، يعكس الموقع الالكتروني الجديد لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي المامه بخفايا التكنولوجيا وخباياها، وقد ترجمه تركيز جزء من اعماله على هذا القطاع. غير انه رغم الابواب المتعددة التي يشملها والترابط المتاح مع صفحاته على مواقع اخرى، لا يزال يفتقد التواصل الحي مع المتصفحين.

ومن الردود التي قوبلت بها مواقفه المنشورة على "فايسبوك" و"تويتر" حيال التطورات الاخيرة، برزت مطالبات بترحيل الممثل المقيم للامين العام للامم المتحدة مايكل وليامس بسبب مواقفه من مشروع قانون الترسيم البحري، واخرى ناقدة لكلام ميقاتي عن حماية الموظفين السنّة، راحت تدعوه الى حماية اللبنانيين في شكل عام وحملت على "المزرعة". وتوالت التوصيفات "لحكومة الغلاء المعيشي" كما وصفها احد المتابعين، معتبراً انها لم تفِ بأي من الوعود التي قطعتها. وصفحة رئيس الحكومة المربوطة بمقابلات له على "يوتيوب"، تحظى بـ 31738 متابعا على" فايسبوك" و383 على "تويتر"، وتحفل بمجموعات من الصور الرسمية مع اركان المعارضة والموالاة ورؤساء الحكومات السابقين والسفراء، ويلاحظ من التعليقات انها تخضع لتحديث دوري.

في المقابل ، يبدو رئيس السلطة التشريعية نبيه بري في واد آخر. فرغم وجود صفحة باسمه على "تويتر" تعرفه كـ "رئيس حركة أمل – افواج المقاومة اللبنانية – رئيس مجلس النواب اللبناني"، فهي لا تحظى سوى بـ 31 متابعا، وتكتفي بربط الصفحة بموقع حركة "امل" ومجلة "العواصف" علما ان تاريخ آخر تحديث لها يعود الى 9 آذار الماضي.

وتتعدد الصفحات التي تحمل اسم نبيه بري على "فايسبوك" وهو يظهر في احدها مع زوجته رندة، فيما تحظى اخرى بـ 11833 متابعا وتتضمن مجموعة صور له مع الامام موسى الصدر. وثمة صورة اثارت تعليقات منددة ويظهر فيها رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في زي امرأة. والجدير ذكره ان بري لم يعلن رسميا تبنيه لهذه الصفحات على غرار سليمان وميقاتي.

السابق
فريد الخازن: الاستقالة من الحكومة غير واردة
التالي
شربل نحاس: التيار اكبر طرف اساسي ولن ننسحب من الحكومة