اين مصلحة لبنان بالنظام السوري؟

يستثني حلفاء سوريا في لبنان دعم نظامها المتهاوي من مقولة عدم التدخل في شؤونها، ويرون أن المواقف الداعمة لشعبها في مواجهة تصاعد العنف الدموي تشكل تدخلاً مضراً ببلدهم في تعارض مع مواقف المجتمع الدولي والدول العربية. فقد توالت الإدانات الدولية لما تشهده سوريا، وخرج العرب عن صمتهم بعد فترة سماح قاربت الخمسة اشهر لم ينجح خلالها نظام دمشق في القضاء على ثورة شعبه.

فبعد مجلس الأمن الدولي ومجلس التعاون الخليجي والمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين والفاتيكان والأزهر والتحرك التركي الأخير، لم تظهر اية مؤشرات على نيّة نظام الرئيس بشار الاسد بالتخلي عن اعتماد الحل العسكري سبيلاً وحيداً للخروج من مأزقه بعد أن فوّت فرصة تسوية انتقالية برئاسته عبر إصلاحات محدودة.

فتركيا ستواصل ضغوطها خصوصاً مع الفوائد التي تجنيها عبر رضى الإتحاد الاوروبي الساعية الى دخول صفوفه وعبر علاقات جيدة بالدول العربية تؤدي الى بروز تجمع سني معتدل يضمها مع السعودية ودول الخليج والأردن وسوريا المقبلة لمواجهة تمدد إيران الشيعية في المنطقة. كما دفعت شدّة القمع و جمعة "صمتكم يقتلنا" بالسعودية ودول الخليج إلى الخروج عن صمتها رغم اعتبارها لمحاذير قيام نظام ديموقراطي او انتشار الفوضى.

ويتخوف متابعون من أن يؤدي طول مدة القمع الدموي إلى خروج الثورة السورية خصوصاً في مناطق العشائر عن سلميتها، بدلاً من وجود بعض المجموعات المسلحة حاليا، مما يساعد النظام على الانتقال إلى مرحلة أشد عنفاً تكشف أن مواقف الخارج لن تتعدى الإدانات اللفظية مع استبعاد أي تدخل عسكري بعد التجربة الليبية.

و يرى هؤلاء أن وجود حكومة موالية لسوريا يصب في المصلحة الآنية لأنها تجنب لبنان محاولات التخريب لحرف الأنظار. بالمقابل يبدو جلياً أن نظام سوريا، وإن احتفظ حتى الآن بأوراق لبنان والعراق وبالرهان على استمرار التأثير في الورقة الفلسطينية، لن يتمكن، في ظل انكفائه إلى الداخل، من التهديد بالتلاعب باستقرارها بهدف ابتزاز الغرب والعرب. وهو لن يلجأ إلى إشعال الفتيل المذهبي من لبنان إلا عندما يصل إلى خيار إقامة دولة علوية

فـ"حزب الله" شبه صامت عما يجري، أي أنه مراقب متحفظ. حتى أن رجله الثاني الشيخ نعيم قاسم دعا مؤخرا إلى "عدم اللجوء إلى السلاح والعنف ورفض التدخل الاجنبي"في سوريا وإلى "أن تكون هناك خطوات إصلاحية لتدعيم مسار الحوار والحل"، ورأى "أن يكون الحل بالحوار بين المعارضة والسلطة وكل مكونات الشعب السوري والنظام ".

لكن حليف "حزب الله" وسوريا النائب ميشال عون يبدو قاطعاً. فقد اعتبر "أن الإصلاحات انتهت ولم يبق إلا الإقرار"، مؤكداً "أن المطلوب من سوريا الرضوخ لمطالب دولية اربعة: قطع العلاقة مع إيران و"حزب الله" و"حماس" والدخول في حوار مع اسرائيل".

أما "حزب الله" وحليفته ايران فهما مربكان.
فطهران مربكة من بروز تركيا، ومن المخاطر التي تهدد حليفها بشار الاسد خصوصا وأن النظام السوري كان بوابة عبورها إلى الصراع العربي-الإسرائيلي ومكّنها من إقامة محور يضمّ إليها دمشق وبغداد وبيروت وغزة، ومن احتمال خسارة "حزب الله" لموقعه المحوري.

و"حزب الله" مربك إذ لاخيار أمامه لدعم النظام السوري سوى افتعال فتنة مذهبية يسعى جاهدا الى تجنّبها. فهو وإن خسر سوريا ورغم سيف المحكمة الدولية الخاصة المصلت عليه يتمتع بقوته المحلّية الناجمة عن احتفاظه بسلاحه. وهو سيبقى متمسكاً بهذا السلاح ليساوم عليه لاحقاً ويقلّل من خسارته في أية تسوية داخلية، كما سيبقى متمسكاً بالحكومة لدرجة موافقته على بقاء كأس تعيينات الفئة الاولى مؤجلاً حتى لا تنفجر من داخلها.

فدخول سوريا "الربيع العربي" زاد من حراجة وضع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالنسبة الى ما يدّعيه من "وسطية". اذ ورغم نجاحه في تحييد لبنان منفرداً في مجلس الامن الدولي عن إدانة القمع السوري كيف يمكنه التزام الحياد مع ارتفاع حدّة الإنقسام الداخلي وكيف الحياد مع تصلّب الغرب والعرب تجاه سوريا؟

وقد اكد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري "أن لبنان لا يستطيع أن ينأى بنفسه عن المجزرة المفتوحة التي تشهدها أقرب الدول الشقيقة اليه". فدعم الشعب السوري يعزّز علاقات الأخوّة كما تبدّى في تظاهرات التضامن التي أعادت العلم السوري مرفرفًا في ساحة الشهداء.

فانقسام اللبنانيين إلى ازدياد بين من يأمل مثلاً بأن تكون تركيا قد حملت تهديداً حاسماً لدمشق وبين من يأمل أن يكون الجواب السوري حازماً، إلى الخلاف على النسبية في قانون الإنتخابات..
في هذه الاجواء ظهرت دعوة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي إلى مؤتمر وطني ودعوة الرئيس ميقاتي الى تحصين الوحدة الداخلية. وعلى "قوى 14 آذار" باعتبارها "ام الصبي" المبادرة إلى الترويج لحوار، يختلف عن طاولة الحوار الوطني السابقة التي رعاها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، ويرتكز على مستجدات المنطقة ويبدأ بدعوة "حزب الله" الى وضع سلاحه تحت سلطة الشرعية لأن حليفه الاساسي يتهاوى

السابق
استطلاعات عسكرية
التالي
أوهام سقطت في ساعات