أمين الجميّل: رئيس مدى الحياة

حزب الكتائب يُعلن نفسه داعماً دائماً للانتفاضات العربيّة، لكنّه فجأة يقوم بما يؤكّد أن الأمر عكس ذلك. وإذ بمن كرّر مراراً وتكراراً موقفه الداعم للثورات يُصوّت لإمكانيّة تجديد ولاية رئيس حزب الكتائب إلى ما لا نهاية، بهدف إبقاء أمين الجميّل في رئاسة الحزب، تماماً مثلما كان يفعل صديقه الرئيس المخلوع حسني مبارك

في المبدأ القانوني لا يجوز أن يتحوّل نظام أي دولة أو حزب أو جمعيّة من نموذج ديموقراطي إلى آخر ديكتاتوري. في اللحظة السياسيّة، يحمل شباب البلاد العربيّة أكفانهم على أكتافهم ويتظاهرون في سبيل المزيد من الديموقراطيّة والحريّة. لكن يبدو أن حزب الكتائب يرى عكس ذلك. فخلال أعمال المؤتمر التاسع والعشرين، الذي انعقد نهاية الأسبوع الماضي، عدّل حزب الكتائب في مؤتمره الأخير إحدى مواد النظام الداخلي التي كانت تتيح التمديد لرئيس الحزب لولاية واحدة إضافيّة، بحيث بات يُمكن التمديد له لعدد غير محدد من الولايات، ما سمح ببقاء أمين الجميّل رئيساً للحزب، رغم أن ترشّحه لولايته الثالثة في رئاسة الحزب وفوزه بالتزكية، حصلا قبل تعديل هذه المادة من النظام الداخلي. ويُبدي عدد من الكتائبيين امتعاضهم من هذا الأمر الذي يُظهر الجميّل مشابهاً «لصديقه الرئيس المخلوع حسني مبارك، والذي يُعرقل التجديد في المواقع الحزبيّة، بينما يثور العالم العربي في سبيل هذا الحق»، بحسب ما يقول بعض المشاركين في المؤتمر الكتائبي.

لا يقف الأمر عند هذا الحدّ. يسحب أحد الكتائبيين من ذاكرته تصريحاً للنائب الكتائبي إيلي ماروني قبل المؤتمر الحزبي بأيّام: «لا يمكننا إلّا أن نكون إلى جانب ثورات الشعوب المحقّة المطالبة بالعدالة والحريّة». قالها ماروني، «ولحس» قوله بعد أيّام عندما وافق على تعديل تلك المادة من النظام الداخلي. ينطلق أحد الكتائبيين في شرح المشكلة في هذه النقطة: «كيف لنا أن نواجه الناس بأننا ديموقراطيون، وأننا مع تداول السلطة، ونحن نُطوّب رئاسة الحزب للرئيس الجميّل». ويشرح الشاب كيف أن بيان الأمانة العامّة في الكتائب أعلنت في الثالث من آب فوز الجميّل بالتزكيّة «وهذا حصل حكماً قبل تعديل النظام الداخلي، مع كلّ احترامي للرئيس» يوضح الشاب موقفه.

ليست هذه هي الملاحظة الوحيدة. يُضيف المشاركون في المؤتمر الكتائبي، أن من المفارقات المضحكة التضارب في مواقف نواب الكتائب أخيراً. فماروني قال إن نأي لبنان بنفسه عن التصويت على بيان مجلس الأمن بشأن سوريا، «أمر طبيعي، إذ لم يكن اللبنانيون يتوقعون غير هذا الموقف من حكومة تشرف على منظومة لبنان في الأمم المتحدة، حكومة ألّفها حزب الله». أمّا زميله في الحزب، النائب البتروني عن طرابلس سامر سعادة، فأيّد موقف لبنان في مجلس الأمن، مشيراً إلى أن هذا الأمر «يصب ضمن سياسة الحياد الإيجابي التي نطالب بها». ورفض سعادة أي تدخّل أجنبي في الشأن السوري، بينما كان ماروني في مكان آخر يدعو مجلس الأمن إلى التحرّك، مشيراً إلى أن الكلام التنديدي وحده لم يعد كافياً «وإذا أراد مجلس الأمن أن ينجح فالعالم كله سيقف إلى جانبه، وأما إن لم يتدخل ويحسم الامور بأي طريقة من الطرق حتى الدبلوماسيّة منها، فإنه يكون قد تخلّى عن مهماته وسقط عن أي دور مستقبلي له».

ويرى هؤلاء الكتائبيّون أن هذا الأمر لا يدلّ أبداً على حالة صحيّة داخل الحزب، بل على «تشرذم وعدم قدرةٍ على اتخاذ قرار موحّد، وهو ما يفتح الباب واسعاً على نقاش فاعليّة نواب الحزب ودورهم».

ويستشهد هؤلاء الكتائبيّون بالتقرير الذي عرضه منسّق الكتلة البرلمانيّة في حزب الكتائب أنطوان ريشا عن عمل الكتلة في البرلمان خلال السنتين الأخيرتين (أي منذ انتخابات حزيران 2009)، خلال المؤتمر؛ إذ تبيّن أن النائبين فادي الهبر وإيلي ماروني، لم يُقدما أي اقتراح قانون للبرلمان، بينما ذيّل النائبان نديم الجميّل وسامر سعادة اقتراح قانون واحد بتوقيعيهما إلى جانب توقيع نواب آخرين (وليس النائبان المذكوران صاحبي الاقتراح)، فبقي النائب سامي الجميّل الوحيد الذي قدّم اقتراحات قوانين فاق عددها الخمسة عشر، وهو الأمر الذي دفع عدداً من المشاركين في المؤتمر إلى التهكّم على النواب الأربعة الذين لا عمل لهم سوى ترداد المواقف السياسيّة، «ويا ليت هذه المواقف منسّقة وممنهجة ومفيدة».

وهذه ليست آخر إنجازات المؤتمر التاسع والعشرين لحزب «الله، الوطن، العائلة»، إذ يرى بعض المسؤولين في الكتائب أن من الإنجازات التي تحققت إعادة دمج جيل المقاتلين في المنظومة الحزبيّة، إذ انتخب للمرّة الأولى عضوان في المكتب السياسي من جيل المحاربين هما: منير الديك وإيلي نصّار. كذلك، يُقدّم بعض المشاركين في المؤتمر نقداً قاسياً لإدارة المؤتمر «التي لم تفسح المجال الكافي لنا للكلام، وكأنهم أرادوا منا أن نكون مجرّد زقيفة». وهنا يؤكّد الشاب الكلام الذي تردّد عن أن المشاركين في المؤتمر صفقوا تصفيقاً حاداً لسامي الجميّل عند إعطائه حق الكلام، «وأنا كنت منهم لأنني أكثر من مؤيّد لسامي، لكن من غير المقبول عدم إعطاء الوقت المطلوب للنقاش».

لكن من الإيجابيّات التي تُحسب لمؤتمر الكتائب، هو إقرار الكوتا النسائيّة بنسبة 20 في المئة، وتطبيقها عبر انتخاب فدوى يعقوب (مسؤولة عن المستوصفات في الحزب) وماريا جود البايع في المكتب السياسي. كذلك يستكمل المكتب السياسي انتخاب كامل أعضائه عبر انتخاب ستة أعضاء من الأعضاء الـ16 الذين انتخبهم المؤتمر، من دون أن يخضع المنتخبون الجُدد للمهل القانونيّة. ومن أبرز الكتائبيين المطروحة أسماؤهم لعضويّة المكتب السياسي رئيس مجلس الإعلام الحالي سيرج داغر، ومسؤول الحملة الانتخابيّة للكتائب ألبير كوستنيان، وهما من الحلقة الضيقة المحيطة بسامي.

السابق
الانباء: دمشق مستاءة من مواقف بعض أطراف الأكثرية
التالي
مسـاع لبنانيـة وفلسطينيـة لتطويق مـا جـرى فـي عيـن الحلـوة