لماذا خرج الحريري عن صمته إزاء سوريا؟

سعد الحريري

في اليوم التالي للحراك السوري “صمتُكُم يقتلنا”، خرج الرئيس سعد الحريري عن صمته. وبدا أنه لا يريد أن يسجّل على نفسه أنّه ساهم -“بالصمت”- في “قتل” فئة واسعة من الشعب السوري يتشارك وإياها موضوعيا هدفا واحدا: التغيير.

قبل ذلك، كان الحريري، ووراءه الماكينة الإعلامية والسياسية لـ”تيار المستقبل”، يتجنّب أي منزلق إلى موقف متضامن مع الشارع السوري. حتى عندما تعرّض للاتهامات بالضلوع في أحداث الداخل السوري، وبتهريب الأسلحة إلى أعداء النظام، وإيواء المعارضين والجنود المنشقّين في عكار وطرابلس، ارتأى الاكتفاء بالدفاع عن النفس. ولم يلجأ إلى استفزاز مقابل، كمثل القيام بحملة مباشرة على النظام.

الحريري كان “ينأى بنفسه”

أبعدُ من الاستجابة لنداء الخروج من الصمت، جاء موقف الحريري. فهو لم يَعْبُر مرحلة انتقالية من التحفّظ إلى الهجوم، بل ذهب فورا إلى الحدّ الأقصى الذي يسمح به “السقف”، أي إطلاق النار على الهدف مباشرة. فما جرى في حماة اعتبره “مجزرة”، وأعاد إلى الأذهان المجزرة التي تعرّضت لها المدينة في خلال حُكم الرئيس حافظ الأسد في العام 1981.

أركان “تيار المستقبل” يحرصون على أنّ الموقف الجديد لا ينبغي أن يكون مفاجئا لأحد. “فالتريّث سابقا كان يهدف إلى إعطاء الفرصة للنظام، كي يستجيب لمطلب شعبه. وكان من المناسب عدم إعطائه حجّة للتذرّع بأن الحراك الذي يقوم به الشعب السوري مدفوع من خارج الحدود. لكنّ النظام عمد بدلا من ذلك إلى سلوك طريق القمع الدموي. فبات الصمت أكبر كلفة من الكلام. وأصبح الدم هو الكلفة. ولم يكن بُدٌّ من رفع الصوت لإيقاف المجزرة”.

موقف يعلن انتهاء مرحلة

هذه النظرية صحيحة، وفقا للمصادر السياسية المواكبة للملف، لكنها لا تنطوي على الصورة كاملة. وفي تقدير هذه المصادر أنّ خروج الحريري عن صمته يحمل دلالات بالغة الأهمية إزاء المسار الذي تسلكه الأزمة السورية. فهو يعلن انتهاء مرحلة في سوريا ولبنان، والمنطقة عموما، وانطلاق أخرى بدأت تطلّ في الأيام الأخيرة.

لم يكن الحريري، وفقا للمصادر، يبادر إلى قطع الجسور نهائيا مع النظام السوري لو لم يتبلّغ ما يفيده بأنّ النظام دخل فعلا مرحلة اللاعودة، وأنّ التغيير في سوريا قد تَحقَّق عمليا، وأنّ لا تسوية يمكن النظام أن يبرمها بعد اليوم مع أحد في المجتمع الدولي. وتاليا، إنّ عودة النفوذ الذي تمتّع به النظام في لبنان لن يعود في أي حال. وفقا للمصادر عينها، إن الحريري وأركان 14 آذار يعيشون أجواء انتظار لتصحيح الستاتيكو الذي نتج من السقوط القسري للحكومة الحريرية وانقلاب الغالبية، لأن الحكومة الحالية التي أرادها هذا النظام لتكون نصيرا له في أزمته ستسقط قبله بسبب التناقضات في المصالح بين مكوّناتها. ولذلك يستأخرون إقرار خطة متسرّعة لمواجهة المرحلة، فيما المتغيّرات تبدو أسرع من الخطط المرسومة.

وتقول المصادر إنّ الحريري اتخذ قرار المواجهة بناء على معطيات تكوّنت لديه من خلال اتصالاته، ولا سيما مع الفرنسيين والسعوديين. وكلا الطرفين كان حتى اليوم يرعى إقامته في الخارج، بناء على تحذيرات له بوجود خطر داهم على حياته في بيروت، حتى إشعار آخر.

ويفسَّر ذلك بالحملة غير المسبوقة التي شنّها الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز على نظام الرئيس الأسد قبل يومين، والتي أتبعها الحريري باستئناف هجومه على النظام وتكريس وقوفه إلى جانب الثوار. وبدا أنّ موقف الحريري واكب “كلمة سرّ” إقليمية ودولية لمواجهة الأسد، عبّرت عنها الحملة المتشعّبة الاتجاهات، والإنذار الذي نقله وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو. وهذه المعطيات منحت الحريري ورفاقه في 14 آذار انطباعا بأن المرحلة المقبلة في سوريا لن تكون في أي حال شبيهة بما قبلها. ولو كانت لكل من الحريري وحلفائه خصوصيات في مقاربة الملف السوري، فإنّ هناك قاسما مشتركا في ما بينهم هو التغيير.

ستاتيكو في طور التبدّل

واستطرادا، ثمة من يعتقد أن هناك استحقاقا ينتظره الحريري على مستوى حكومة الأكثرية الحالية، وخصوصا في ظل معطيين أساسيين هما:

  1. الإنحياز المتزايد للنائب وليد جنبلاط، العائد من أنقرة بعد موسكو، إلى جانب قوى الاعتراض في سوريا ولبنان، ولقاؤه المنتظر قريبا في باريس مع الرئيس الحريري. ومن المؤكد أنّ هذا اللقاء سيفتح الطريق لتذويب الجليد على خط المختارة – الرياض.
  2. المقاربة الإيجابية التي عبّر عنها الرئيس نجيب ميقاتي، إزاء مضمون موقف الملك السعودي. ولهذه المقاربة مستتبعات ودلالات سياسية.

لذلك، يتعاطى عدد من الأوساط السياسية مع النهج الجديد للحريري إزاء سوريا على أنه من علامات المرحلة. فالمحوران العربيان اللذان لطالما رعيا التسويات بين اللبنانيين، أي الـ”س- س”، دخلا المواجهة من دون هوادة. والقوى الداخلية التي لطالما تلقّفت “كلمات السرّ” لتقرّر طريق المواجهة أو التسوية وفقا للظروف، هي اليوم في أوج المواجهة النهائية، والتي قد تكون طويلة وقاسية، ولكن لا مواجهات بعدها، لأنّ أحد الطرفين لن يكون على الساحة..

السابق
الجمهورية: أوغلو اصطدم بتشدد سوري والأسد تعهد ملاحقة الإرهابيين وموسكو تُذكّر بموقف ميدفيديف ومصر تدعو لتجنب التدويل
التالي
الحياة: عن ميقاتي تركيبة لبنان لا تحتمل عبثاً سياسياً والعنف الدموي لا يحل الصراع في سورية