حسناً، أوروبا غير موجودة .. ماذا عن روسيا؟

الاكيد ان الموقف الذي اعلن عنه وزير الخارجية الالماني غيدو فيسترفيلي لا قيمة له ما دام النظام السوري شطب اوروبا كلها من خريطة العالم! قال الوزير الالماني انه "لم يعد للرئيس بشار الاسد مستقبل سياسي". لنفترض ان اوروبا غير موجودة بالفعل وان المانيا نكرة، ماذا عن الموقف الروسي الجديد الذي عبر عنه الرئيس ديمتري ميدفيديف، الا يعطي هذا الموقف فكرة عن الحسابات الخاطئة للنظام السوري؟ انها ليست المرّة الاولى، وقد لا تكون الاخيرة، التي يسقط فيها النظام في فخ الحسابات الخاطئة.

انها حسابات تجعل اصلاح اي خطأ يتم عن طريق ارتكاب خطأ آخر اكبر منه.
المؤسف في الموضوع انه كان في استطاعة النظام السوري ان يتعلّم من الآخرين ومما يدور حوله بغية تفادي ارتكاب خطأ بحجم الذهاب بعيدا في قمع الثورة الشعبية التي يشهدها البلد منذ نحو خمسة اشهر. لم يستوعب النظام انه لا يمكن، في المدى الطويل، الاتكال على روسيا لمنع صدور قرار عن مجلس الامن التابع للامم المتحدة يدين دمشق ويدين ما يرتكبه نظام بحق شعبه. مثل هذا القرار سيصدر عاجلا ام آجلا. لم يكن البيان الرئاسي الذي صدر عن رئاسة مجلس الامن قبل ايام سوى تمهيد للتغيير التدريجي الذي يطرأ على المواقف الدولية، بما في ذلك الموقفان الروسي والصيني في اتجاه المزيد من التشدد. مثل هذا التشدد الدولي يمكن ان يشمل حتى لبنان وشخصيات لبنانية، ستطالها عقوبات، في حال الاصرار على تجاهل الواقع المتمثل في ان ساعة التغيير الجذري دقت في سوريا مثلما دقّت قبل ذلك في العراق.

في النهاية ما الذي اراد ميدفيديف قوله للرئيس بشّار الاسد عندما حذّره من "نهاية حزينة" في حال عدم المباشرة بالاصلاحات؟ الارجح انه حاول ابلاغه بكل بساطة ان ليس في الامكان الذهاب بعيدا في الاعتماد على الفيتو الروسي. فالموضوع لم يعد موضوع اصلاحات كان يفترض في النظام المباشرة بها قبل ما يزيد على اربعة اشهر وذلك عندما تسلم خريطة طريق للخروج من ازمته العميقة من جهات عربية وغير عربية بينها تركيا. فما المغزى من اي اصلاحات يقدم عليها النظام السوري بعد سقوط كل هذا العدد من الضحايا في الاشهر الخمسة الاخيرة؟ الاهمّ من ذلك، ماذا تعني الاصلاحات في حال لم يتوقف القمع ويعود الجيش الى ثكناته و"الشبيحة" الى اوكارهم؟

ثمة درس في غاية الاهمّية، كان يفترض في النظام السوري تعلّمه من العراق. في مثل هذه الايام قبل واحد وعشرين عاما، اقدم صدّام حسين، على مغامرته المجنونة المتمثلة بغزو الكويت الدولة الصغيرة المسالمة. اعتقد صدّام وقتذاك ان في استطاعته اللعب على المنافسة بين القوتين العظميين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. لم يأخذ علما بانتهاء الحرب الباردة وبان الاتحاد السوفياتي في طريقه الى التفكك. كانت النتيجة سلسلة من القرارات الدولية مهّدت لحرب تحرير الكويت التي كاد الاتحاد السوفياتي ان يشارك فيها. في السنة 2011، يعتقد النظام السوري انه يمتلك هامشا كبيرا للمناورة وانه يستطيع الاعتماد على روسيا في مجلس الامن وعلى ايران لضبط الايقاع الاقليمي. مثلما فشل البعث العراقي في العام 1990 في انقاذ النظام، لن يتمكن البعث السوري، الذي تحول بدوره الى حزب العائلة اوّلا، من تجاوز الثورة الشعبية وجعل السوريين يرضخون مرّة اخرى للظلم والقهر البؤس والتخلف.

ليس في الامكان اعادة عقارب الساعة الى خلف. لا تستطيع روسيا انقاذ من لا يريد انقاذ نفسه ولا تستطيع ايران ان تفعل شيئا لنظام تعرف قبل غيرها ان الاكثرية الساحقة من شعبه ترفضه وترفضها بكل ما تمثله من عنصرية تجاه كل ما هو عربي في المنطقة.

هناك شرق اوسط جديد يقوم على انقاض الانظمة التي تاجرت في السنوات الستين الماضية بكل شيء الى ان اكتشفت انه لم يعد لديها ما تبيعه. تاجر النظام السوري بـ"المقاومة" و"الممانعة" وتاجر بالفلسطينيين واللبنانيين وحاول ان يتاجر بالعراق والعراقيين وسعى في مرحلة معينة الى ان يكون لاعبا في الاردن وان يأخذ من نظام معمّر القذافي الكثير من دون ان يعطيه شيئا…حتى لا نقول اكثر من ذلك.
هذه مرحلة انتهت. من كان يصدّق ان الرئيس حسني مبارك سينتهي في قفص الاتهام ممددا على سرير طبي ليس لديه ما يفعله سوى مداعبة انفه؟ من كان يصدّق ان حماة ستنتفض مجددا بعد كلّ المصائب التي حلّت بها في 1964 و1982 والسنوات التي تلت هاتين المذبحتين؟ من كان يصدق ان سوريا كلها ستنتفض وان شعبها لا يريد سوى الحرية والكرامة..
.
ليس امام النظام السوري سوى ان يتصالح مع شعبه. وهذا يعني بكل بساطة البحث في كيفية التاسيس لمرحلة جديدة تضمن الانتقال الى نظام ديموقراطي تتحول فيه سوريا الى دولة طبيعية تهتم بمشاكل شعبها اوّلا بعيدا عن وهم الدور الاقليمي. هذا الدور لم يكن موجودا يوما الا في رؤوس بعض المرضى الذين يظنون انه يمكن بناء سياسة خارجية على الابتزاز وتخريب لبنان وبيع الفلسطينيين وشرائهم متى دعت الحاجة الى ذلك وسياسة داخلية تقوم على الارهاب والترهيب وعلى ان الاجهزة الامنية التابعة لعائلة تبني دولة!

الى اشعار آخر، لا يمكن للاجهزة الامنية ان تبني دولة وان تدجن شعبا مهما طال الزمن. ما تشهده سوريا، ثورة شعبية حقيقية تقدم الدليل الافضل على ذلك…

السابق
أمن الإنترنت اكبر خرافة
التالي
أثواب من نوع آخر !!