الجمهورية: لبنان إلى مواجهة مع المجتمع الدولي القضاء يبلّغ المحكمة عدم العثور على المتّهمين

دخل لبنان أمس في مرحلة ما بعد القرار الاتّهامي الصادر عن المحكمة الدوليّة الخاصة به في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والتعاطي الحكومي مع المجتمع الدولي في هذا السياق.

فقبلَ يومين من انتهاء مهلة الثلاثين يوما المحدّدة لها لتنفيذ مذكّرات التوقيف بحقّ المتهمين الأربعة من حزب الله في اغتيال الحريري، رفعت السلطات اللبنانية بشخص المدّعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، تقريرها إلى المحكمة المتعلّق بالإجراءات المتّخذة للقبض على هؤلاء المتّهمين، تقول فيه، حسب بيان أصدرته المحكمة أمس، إنّ "أيّا من المتهمين الأربعة لم يُعتقل حتى الآن".

وأشار البيان الى أنّ رئيس المحكمة القاضي أنطونيو كاسيزي، "سينظر في التقرير بعناية، وسيبتّ الخطوات التالية لذلك في الوقت المناسب، وأمّا التزام لبنان توقيف المتّهمين واحتجازهم ونقلهم، عملا بالقرار 1757 الصادر عن مجلس الأمن لدى الأمم المتحدة، فلا يزال قائما".

وفي هذا الصدد، كشفت مصادر موثوق بها لـ"الجمهورية"، أنّ قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة سيطلب في بيان يصدره هذا الأسبوع، من المتّهمين تسليم أنفسهم الى المحكمة. وأضافت أنّ قرار الاتّهام سينشر الأسبوع المقبل على الموقع الرسمي للمحكمة، وبعد ذلك سيعقد كلّ من المدّعي العام دانيال بلمار وقاضي الإجراءات التمهيدية دانيال فرانسين مؤتمرا صحافيّا كلّ على حِدة.

وقالت مصادر دبلوماسية في نيويورك لـ"الجمهورية"، إنّ حراكا سيبدأ في مجلس الأمن خلال المرحلة المقبلة لتقويم مسألة "عدم تعاون الحكومة اللبنانية" مع المحكمة في شأن تسليم المتّهمين، وإنّ المجلس سيطلب سلسلة إجراءات عملية من الحكومة تثبت من خلالها "أنّها فِعلاً تعاونت وحاولت البحث عن المتّهمين وتوقيفهم ولم تصل الى نتيجة".

وعلمت "الجمهورية" أنّ التقرير الذي رفعه المدّعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا إلى المحكمة مفصّل، وقد سلّمه الى وفد من مكتب بلمار زاره في مكتبه أمس في وزارة العدل. ورفضت مصادر متابعة كشفَ مضمونه "لأنّه ملك المدّعي العام للمحكمة وهو من يقرّر نشرَ مضمونه".

وإلى ذلك، أشار مصدر قضائي رفيع لـ"الجمهورية" الى أنّ التقرير المرفوع معلّل تعليلا كافيا، ويتضمّن جردة يوميّة لعمل الضابطة العدلية في ما يتعلّق بالبحث عن المتّهمين، وخصوصا الجهود المبذولة والإجراءات المتّخذة في كلّ من المطار والمرافئ البحريّة والبرّية، والتحرّيات عن آخر محلّ إقامة لكلّ من المتّهمين الأربعة.

ولفتَ المرجع، الى أنّ ميرزا رأى أنّ الإجراءات المتعلّقة بالبحث عن المتهمين استُكملت، وأنّ كلّ ما يمكن فعله قد تمّ، ومن غير الضروري انتظار حلول 11 آب الجاري الحدّ الأقصى للمهلة.

وإزاء عدم انتهاء دور السلطات اللبنانيّة في متابعة البحث والتحرّي عن المتّهمين، لفت المرجع الى أنّ عدم توصّل هذه السلطات الى جدوى في القبض على المتّهمين لا يعني عدم جدّية القضاء والضابطة العدلية في التعاطي مع هذا الملفّ، فالسلطات القضائيّة قامت بما استطاعت.

وقال ميرزا لـ"الجمهورية" ردّاً على سؤال عمّا سيتّخذه القضاء اللبناني بعد تقريره الى المحكمة: "ليس لدينا سوى التقرير الذي أعلنت عنه المحكمة، وهي التي ستقرّر ما ستفعل، وذلك حقّها وصلاحيّاتها".

وسُئل هل ستشرَع المحكمة في إجراء محاكمات غيابيّة؟ أجاب: "لا أعرف ماذا ستتّخذ المحكمة من خطوات لأنّها هي صاحبة الصلاحيّة في هذا الصدد وليس نحن".

ماذا بعد رفع التقرير؟

يقول مرجع قضائي إنّ المادة 105 (مكرّر) من قواعد الإجراءات والإثبات، تشير الى أنّه إذا لم يكن المتّهم خاضعا لسلطة المحكمة في غضون مهلة 30 يوما، يطلب قاضي الإجراءات التمهيدية من غرفة الدرجة الأولى مباشرة إجراءات المحاكمة الغيابية، ما يستتبع القول إنّ مهلة الـ 30 يوما هي أيضا معطاة للمتّهمين بغية تسليم أنفسهم.

ويشير المرجع الى أنّ الخطوة التي تلي رفع التقرير هي قيام المدّعي العام في المحكمة، بإعداد محضر موحّد بالاتّفاق مع قاضي الإجراءات التمهيدية يشرحان فيه رأيهما في مدى جدّية التقرير الذي رفعته السلطات اللبنانية الى المحكمة، وذلك خلال مهلة الـ 30 يوما المشار إليها، وبعد ذلك يُرفع المحضر الى رئيس المحكمة الذي يدرسه الى جانب تقرير السلطات اللبنانية، ثم يُعدّ بدوره محضرا تفصيليّا، معلّلا، يعرض فيه وجهة نظره في ما يتعلّق بالجهود التي بذلها لبنان لتنفيذ مذكّرات التوقيف وإبلاغ قرار الاتّهام للمتّهمين، و يرفع هذا المحضر الى الأمين العام للأمم المتّحدة بان كي مون، ورأى المرجع أنّ للقاضي كاسيزي في كلّ الحالات أن يرفع هذا المحضر الى بان، سواء اقتنع أو لا، بجواب السلطات اللبنانيّة، ويبقى للأمم المتّحدة أن تتخّذ القرار الذي تراه مناسبا في ضوئه.

المحاكمة
وقرارات الاتّهام الأخرى

وقال المرجع نفسه إنّ عملا بالمبدأ المعروف بالـfollow through، فإنّ المحاكمة لن تتأثر بإصدار قرارات اتّهامية أخرى تتعلّق باغتيال الحريري أو أيّ من الضحايا الآخرين الذين تدخل ملفّاتهم ضمن صلاحية المحكمة، وبالتالي فإنّ المحاكمة تتابع وينضمّ إليها المتّهمون الجدد، والمحاكمة تواكب القرارات الاتّهامية اللاحقة.

هل يُعلَن مضمون القرار؟

على أنّ رفع التقرير اللبناني إلى المحكمة لا يعني رفع السرّية عن القرار الاتّهامي بمقدار ما يعني الإبقاء عليها كلّيا أو جزئيّا، فعملا بالمادة 74 من قانون الإجراءات والإثبات، إنّ الإعلان عن مضمون القرار يرتبط بمصلحة العدالة، التي في صلبها الحفاظ على مصلحة الشهود أو المتضرّرين أو الخبراء الذين قد يشكّل كشف مضمون القرار خطرا عليهم، لكن الإبقاء على السرّية يظلّ محكوما بعدم المَسّ بحقوق المتّهمين، ولذلك يكون على فرانسين أن يبحث في مدى توافر الأسباب الموجبة لإعلان قرار الاتّهام كلّيا أو جزئيّا.

وأشار المرجع القضائي نفسه الى أنّ قرار فرانسين في هذا الشأن مرجّح خلال مدة الـ 30 يوما من تاريخ وصول التقرير اللبناني إلى المحكمة.

طاولة عمليّات

إلى ذلك، وعلى أثر تسلّم المحكمة هذا التقرير، توجّه محامو الدفاع الى مقرّ المحكمة في لاهاي لعقد طاولة عمليّات والبحث في الإجرءات التي يجب اتّخاذها تمهيدا للمحاكمة التي يُتوقّع أن تبدأ نهاية أيلول المقبل.

وقال مرجع قانوني يواكب عمل المحكمة لـ"الجمهورية" إنّ الجواب اللبناني إلى بلمار بشأن المطلوبين الأربعة نقل الملف القضائي من مرحلة الى أخرى، وإنّ القاضي ميرزا "كان جريئا للغاية بحيث إنه ردّ على المحكمة ملقيا التّهمة على من وفّر الحماية إلى المطلوبين الأربعة". ورأى في بيان ميرزا المقتضب ما يؤدّي إلى "الاعتراف مسبقا بأنّ الجمهورية اللبنانية ممثّلة بالمرفق القضائي لم تستطع توقيف المطلوبين الى المحكمة. وأنّ في هذا الموقف ما يثبت عجز لبنان عن هذه المهمّة". وتوقع أن تصدر عن المحكمة سلسلة من القرارات الاتّهامية الإضافية و"نشر كثير ممّا لديها من وثائق تدين المتّهمين الأربعة بشدّة وفي شكل موثّق وثابت".

السابق
الثورة السورية والتمثيل السياسي
التالي
الحناجر… وباي باي بشار