متى يكون التدخل الخارجي تدخلاً؟

من غريب المفارقات أن يكون النظام السوري، الذي فاخر دوماً بأن دوره الخارجي، الموصوف بـ «القومي»، يوازي من حيث الأهمية اهتمامه بالشأن «القطري»، ان لم يكن يتفوق عليه الى حد تجاهله وإهماله، أن يكون هذا النظام نفسه هو الذي يشكو اليوم ممّا يصفه بالتدخل الخارجي في شؤونه الداخلية.

بحجة الدور «القومي» كان التدخل السوري في لبنان منذ عام 1976، بهدف «حماية الوحدة الوطنية اللبنانية ومنع التقسيم»، كما كانت تردد المعزوفة الشهيرة. استمرت تلك «الحماية» قائمة الى ان فُقدت كل امكانات التمييز بين ما هو لبناني وما هو سوري. ولم تتوقف بقرار ذاتي من النظام السوري، بل بعد ان خسر هذا النظام كل غطاء خارجي كان ييسّر له ذلك التدخل، على مدى ثلاثين سنة.

بحجة الدور «القومي» ايضاً، وبحجة ان النظام السوري هو الوكيل الحصري للقضية الفلسطينية، كان التدخل في شؤون الفلسطينيين، وترجيح موقف فريق منهم على حساب فريق آخر، من غير أخذ مواقف ومصالح المؤسسات الشرعية الفلسطينية في الاعتبار. ولو كان الزعيم الفلسطيني ياسرعرفات بيننا، لكان قدّم شهادات كثيرة عن الوسائل التي كان النظام السوري «يحمي» بواسطتها القضية الفلسطينية. ولعلّ في مسارعة التنظيمات الفلسطينية، التي سُمح لها بفتح مكاتبها في دمشق، الى المصالحة مع حركة «فتح» ومع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، بعد طول انقسام، وفي غفلة عن نظام دمشق المنشغل بالشأن «القطري»، ما ينبيء بالكثير عن مدى استقلالية القرار التي كانت تتمتع بها تلك التنظيمات، وعن مدى احترام دمشق للشؤون الداخلية في الاقطار المجاورة!

في السياق ذاته يمكن ان يوضع الدور السوري في العراق، بعد غزوه واحتلاله، عندما تحولت الحدود السورية الى ممر لعناصر التنظيمات الارهابية التي عاثت دماراً في بلاد الرافدين، بحجة محاربة المحتل الاميركي. فكانت نتيجة تلك الحرب ان قضى من العراقيين في الحروب المذهبية تلك، خلال ثماني سنوات، اضعاف ما قُتل من الجنود الاميركيين. وعندما تغيرت وظيفة تلك التنظيمات، او ما بقي منها، من الشأن «القومي» الى الشأن «القطري»، باتت توصف في لغة الاعلام السوري بأنها «عصابات ارهابية مسلحة»!

كانت وظيفة تلك الادوار الخارجية هي تعزيز قدرة النظام السوري على الامساك بالاوراق الاساسية في المنطقة، بهدف مقايضتها بتوفير مقومات الدعم الخارجي له، على حساب الشرعية الداخلية. غير ان ما يوصف اليوم من قبل دمشق بانه تدخل خارجي في شؤونها، من جانب اشقائها العرب، فلا هدف له سوى دفع النظام الى سلوك طريق عقلاني حكيم، يوقف اعمال القتل، ويؤسس لمصالحة بين فئات الشعب السوري، بعد ان اهتزت لحمته الداخلية بسبب الدور الذي تلعبه الاجهزة الامنية في مواجهة الاحتجاجات الواسعة التي تعمّ المدن والمناطق السورية. أي انه الدور نفسه الذي ادعت القوات السورية القيام به في لبنان «الشقيق»، بهدف حماية وحدته ومنع تقسيمه. لكن الخطر المحدق بسورية هذه المرة، والذي يدفع الحريصين عليها الى رفع الصوت، ليس خطراً مفتعلاً بهدف تبرير التدخل العسكري، كما كانت الحال عام 1976. انه خطر حقيقي يهدد سورية. واساليب التدخل في الحالة هذه تقتصر على النصح والتحذير، انطلاقاً من المصالح المشتركة التي تشد العرب الى بعضهم، ولا تنشد بالتالي تدخلاً عسكرياً من أي نوع في الشأن السوري، بل هي تعارضه بالمطلق، كما يرفضه المعارضون السوريون أنفسهم.

أليس اننا «أمة واحدة ذات رسالة خالدة»؟ هل يجوز في ظل هذا الشعار الذي يرفعه «قائد الدولة والمجتمع»، ان يُقتل ابناء شعب شقيق، بينما باقي حكّام العرب وشعوبهم مستسلمون للصمت المطبق؟

السابق
جنبلاط: لا يمكن لقائد ان يختزل بلداً والتاريخ لا يرحم
التالي
النهار: الحكومة تدافع عن موقفها وتلاحق تهريب السلاح