السفير: الأسد يقيل وزير الدفاع … ويسحب الجيش من حماه الضغوط مسـتمرة على ديـر الزور ودرعا والمعـرة … والحصيلة ثمانيـة قتلـى وعشـرات المعتقلين

أقال الرئيس السوري بشار الأسد أمس وزير الدفاع علي حبيب لأسباب «صحية» وفق ما حرصت وكالة الأنباء السورية على التوضيح، وعين بدلاً منه رئيس هيئة الأركان العماد داوود راجحة، في الوقت الذي أعلن مصدر عسكري بدء انسحاب القوات العسكرية من حماه في خطوة ترتبط بزيارة وزير الخارجية التركية أحمد داود أوغلو المقررة اليوم إلى دمشق، إذا لم يحصل تغيير في المواعيد، في خطوة ربما تفتح الباب مجدداً على إرث العلاقات القديمة بين البلدين، الذي بلغ حدود المواجهة العسكرية في نهاية القرن السابق.

وعلى الرغم من أن إجراء كإعلان سحب الجيش من حماه يمكن أن يترك أثراً إيجابياً لدى الضيف التركي الحساس بشكل خاص للاسلوب الذي تم به القضاء على حركة «الإخوان المسلمين» في بداية ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن اعتلاء الأتراك موجة الضغط الدولي مجدداً ولا سيما في شأن داخلي سوري لا يريح دمشق، بل وربما يزيد الموقف خطورة، باتجاه مواجهة دولية لا تقل تعقيداً عن المواجهة الامنية المستمرة في المناطق السورية المختلفة حالياً، والتي تتركز في مدينة دير الزور ودرعا، حيث اعلنت مصادر المعارضة ان قوات الامن قتلت ثمانية مدنيين بينهم المعارض البارز معن العودات.

في هذا الوقت اعلنت كل من الكويت والبحرين سحب سفيريهما لدى سوريا للتشاور، تبعاً لقيام المملكة السعودية بسحب سفيرها أمس الأول، والذي كان للصدفة يقيم حفل إفطار كبيراً في فندق الفصول الأربعة مساء الأحد بحضور مسؤولين سوريين ودبلوماسيين عرب وإعلاميين. وكان بيان لوزير الخارجية البحريني ذكر على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، إن «البحرين تستدعي سفيرها في دمشق للتشاور، وقد ناشدت الجميع العودة إلى الرشد لتحقيق مصالح الشعب السوري».

وطالب الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بـ«بدء حوار جدي لإجراء مصالحة» في سوريا داعياً الدول العربية وغير العربية الى الاستفادة من درسي تونس ومصر. وقال العربي في تصريحات للصحافيين إن «ما يجري في سوريا يقلق الجامعة العربية ويقلق الدول كلها لأن سوريا دولة قديمة ودولة توجد فيها مؤسسات ولها دور ومركز في المنطقة ونرجو أن تتمكن من التغلب على (الازمة الراهنة) بوسائل سلمية وبدء حوار جدي لإجراء المصالحة المطلوبة من افراد الشعب». واشار الى «درس يجب ان تتعلمه جميع الدول العربية وغير العربية مما حدث في تونس وما حدث في مصر»، قائلاً «عندما ينزل الشعب الى الشارع ويطالب بالتغيير لمصلحة الجميع فالاولى بالرؤساء والحكومات ان تصل الى هذا الحل بالحوار وبعدم استخدام العنف او القوة».

واكد العربي ان «المواثيق العربية والالتزامات النابعة منها والتي تتعلق باحترام حقوق الانسان تنطبق على جميع الدول العربية التي وقعت والتزمت بهذه المواثيق». غير انه أكد ان الجامعة العربية «ليس من مهامها» التدخل لمنع استخدام العنف ضد المدنيين. واضاف «لا تتوقعوا إجراءات حاسمة من الجامعة وانما توقعوا تحركاً خطوة خطوة يعتمد على الإقناع».

ورحبت الولايات المتحدة الاثنين بالمواقف العربية ووصفتها بانها «مشجعة». وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية مارك تونر «إن التصريحات القوية الصادرة عن الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي خلال عطلة نهاية الاسبوع مشجعة للغاية وكانت مصدر ارتياح لنا». وقال تونر للصحافيين ان هذه «مؤشرات جديدة على ان المجتمع الدولي .. يرفض الاعمال الوحشية التي ترتكبها الحكومة السورية».

من جهته، قال شيخ الازهر احمد الطيب في بيان اصدره امس ان «الامر جاوز الحدّ» في سوريا ولا بد من «وضع حد لهذه المأساة». وقال «إن الشعب السوري وما يتعرض له من قمع واسع، ومن استعمال لأقصى درجات العنف، واعتقال وترويع، كل ذلك يمثل مأساة انسانية لا يمكن قبولها ولا يجوز شرعاً السكوت عنها».

زيارة مفصلية
ويصل اليوم داود أوغلو إلى دمشق تسبقه تهديدات بسيناريوهات لسوريا شبيهة بسيناريو «عراق صدام حسين» في إشارة إلى «إجراءات حظر جوي» و«مقاطعة دولية» و«تحديد منطقة عازلة»، وذلك نقلاً عن دبلوماسيين في الخارجية التركية تحدثوا من دون أسماء صريحة لوسائل إعلام تركية أمس الأول، ومن بينها صحيفة «توداي زمان»

القريبة من الحكم. وعلى الرغم من أن التصريحات الدبلوماسية لا ترسم حلاً للأزمة المعقدة في سوريا، إلا أنها تركز على مطلبين وهما سحب الجيش من المدن والإفراج عن المعتقلين، من دون تفاصيل أخرى.
من جهته، قال المتحدث باسم الحكومة التركية بعد اجتماعها برئاسة رجب طيب اردوغان، إن «تركيا تريد ان تعيش شعوب هذه المنطقة سوياً بهدوء وسلام كأمم تنتمي إلى الحضارة نفسها والجغرافيا نفسها. داود اوغلو سيفسر تمنيات تركيا وأفكارها للسلطات السورية. الأحداث في سوريا تقلق المنطقة والعالم بأسره، لا تركيا وسوريا فحسب. لذلك، من المستحيل أن نتوقع من وزارة الخارجية الأميركية والدول الاوروبية ألا تحرك ساكناً حيال التطورات الأخيرة. نعتقد انه على الامم المتحدة والمجتمع الدولي اتخاذ إجراءات».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر إن الوزيرة هيلاري كلينتون وخلال مكالمة هاتفية مع نظيرها التركي تطرقت الى الوضع في سوريا والى نداءات المجتمع الدولي المطالبة بوقف القمع العسكري ضد المتظاهرين المناهضين للرئيس بشار الاسد. واضاف إن «الوزيرة كلينتون ناقشت الموقف الاميركي القائل بان على سوريا ان تعيد فوراً جنودها الى ثكناتهم وان تطلق سراح جميع المعتقلين». وتابع «لقد طلبت من وزير الخارجية إيصال هذه الرسائل الى الحكومة السورية. لقد كرّرت أيضاً الدعم الاميركي لعملية تحول ديموقراطي في سوريا».

المعلومات المتوافرة لـ«السفير» تشير إلى أن تركيا سبق وطرحت نفسها وسيطاً مع القيادة السورية لزعامات من حركة «الإخوان المسلمين» الشقيقة لحزب «العدالة والتنمية» وبينها شخصيات تركية من أصل سوري مقربة من رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، من دون جدوى بسبب موقف دمشق المبدئي ممن «خاض صراعاً مسلحاً مع السلطة» ناهيك عن البنية الدينية للتنظيم وشكل قيادته العالمية.

وتنظر تركيا إلى الأزمة من هذا المنظور تحديداً، الأمر الذي يفسّر موقف القيادة التركية العاطفي من أحداث حماه في الثمانينيات، كما موقفها العالي النبرة من العملية العسكرية فيها مؤخراً. وكانت دمشق أشارت إلى ضلوع «الأخوان المسلمين» في الأحداث ولا سيما الاحتجاجات، ولكن من دون أن تحملها رسمياً حتى الآن مسؤولية الأحداث الأمنية الأخيرة.

واعلنت مصادر دبلوماسية أن الاتحاد الاوروبي يدرس فرض عقوبات جديدة على سوريا بعد منع تأشيرات وتجميد ودائع حوالى اربعين شخصية وشركة قريبة من النظام. وقال دبلوماسي اوروبي لوكالة «فرانس برس» إن المكتب الدبلوماسي الاوروبي كلف إعداد «لائحة من الخيارات للذهاب أبعد مما هو مطبق حالياً» بحلول ايلول المقبل، بينما يدرس توسيع العقوبات القائمة لتشمل مزيداً من الافراد والشركات. واضاف ان بعض الدول أطلقت فكرة فرض عقوبات اقتصادية يمكن ان تشمل حظراً على النفط والغاز، بينما قالت بلدان اخرى انها خيار «يمكن النظر فيه». واكد دبلوماسي آخر انه «ليس سوى فكرة» بعيدة عن تحقيق إجماع حالياً بين الدول الـ27.

حماه والوزير الجديد
وفي ما يتعلق بحماه أعلن مصدر عسكري سوري «أن وحدات الجيش التي كلفت إعادة الأمن والاستقرار إلى مدينة حماه بدأت بالخروج منها بعد إنجاز مهمة نوعية تجسدت في حماية حياة المواطنين المدنيين وملاحقة فلول عناصر التنظيمات الإرهابية المسلحة التي عاثت فساداً وتخريباً وقطعت أوصال المدينة وعطلت دورة الحياة فيها إلى أن تدخلت وحدات الجيش وتصدت بدقة ومهنية عالية لأولئك الإرهابيين وألقت القبض على عدد منهم لتقديمهم إلى العدالة».

وأضاف المصدر العسكري أن «الحياة الطبيعية بدأت تعود بشكل تدريجي إلى ربوع المدينة.» واتبع ذلك بخبر عاجل على التلفزيون السوري يشير إلى «إقالة وزير الدفاع علي حبيب»، ليأتي التفسير أكثر وضوحاً على وكالة «سانا» على أنه لأسباب متعددة بينها الصحي، حيث حرص الخبر على تقديم كل من وزير الدفاع المقال والجديد بطريقة رسمية لائقة. وذكر الخبر أنه وفي «إطار الإجراءات المتتابعة التي أعلنها الرئيس بشار الأسد» تم إصدار المرسوم رقم 307 والذي سمى بموجبه العماد داوود بن عبد الله راجحة وزيراً للدفاع بدلاً من حبيب، وأشارت «سانا» إلى أن هذا التعديل يأتي «في سياق التنقلات التي شملت قبل فترة عدداً من المسؤولين في مفاصل الدولة بعد اللقاءات المباشرة التي عقدها الرئيس الأسد مع وفود شعبية ومواطنين».

وقالت الوكالة إن «العماد علي حبيب محمود من مواليد محافظة طرطوس في العام 1939 وقد انتسب إلى الجيش في العام 1959 وتخرج من الكلية الحربية في العام 1962».
وفي العام 1994 عين قائداً للقوات الخاصة حتى تم تعيينه نائباً لرئيس هيئة الأركان في العام 2002، وفي العام 2004 عين رئيساً لهيئة الأركان العامة للجيش والقوات المسلحة ونائباً للقائد العام للجيش والقوات المسلحة في العام 2009». كما ذكرت «سانا» أنه «حاز العديد من الأوسمة العسكرية ومنح قدماً ممتازاً لقيامه بواجبه على أكمل وجه في حرب تشرين التحريرية»، مضيفة أن مرضاً ألمّ به «منذ مدة وقد ساءت حالته الصحية في الفترة الماضية».

ميدانيات
افاد ناشطون معارضون (أ ف ب، رويترز)، قتل ثمانية اشخاص بنيران قوات الامن السورية بينهم الناشط السوري البارز معن العودات في درعا (جنوب) وخمسة في دير الزور (شرق)، كما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن الاجهزة الامنية السورية «اغتالت معن العودات الذي كان يشارك في تشييع جثمان شهيد في درعا سقط على ايدي اجهزة الامن»، موضحاً «انه استهدف في الرأس». واضاف ان شخصين آخرين من المشيعين سقطا ايضا برصاص قوات الامن. وفي دير الزور قال عبد الرحمن نقلاً عن ناشطين ان فتاة في الثامنة عشرة من عمرها قتلت برصاص قناصة قرب الحديقة المركزية في المدينة، حيث سمع اطلاق النار في حي الجبيلة ساعة الافطار. واضاف ان «سيدة واثنين من ابنائها كانوا يبحثون عن ملاذ آمن فارقوا الحياة عندما اطلقت عليهم دورية أمنية الرصاص الحي في حي الحويقة» في دير الزور.

كما تحدث عبد الرحمن عن «استشهاد امرأة في حي الجورة برصاص أطلقته قوات الامن». وفجراً قامت قوات الامن بمداهمات في دير الزور بعد قصف المدينة بالرشاشات الثقيلة بحسب ناشطين. واضاف الناشطون ان «الاجهزة الامنية بدأت حملة مداهمات واعتقالات في منطقة الوادي بحي الجورة الواقع غرب المدينة»، موضحاً أن «الحملة أسفرت عن اعتقال 34 شخصاً حتى الآن».

وفي محافظة ادلب القريبة من تركيا، قال المرصد إن «دبابات وناقلات جند مدرعة كانت متمركزة شرق المدينة منذ أكثر من شهر اقتحمت مدينة معرة النعمان ورافقتها قوات أمنية بدأت بتنفيذ حملة اعتقالات واسعة واسفرت عن اعتقال العشرات حتى الآن». وقال المرصد إن عشرين دبابة انتشرت على المدخل الشمالي الغربي لمدينة سراقب وتمركزت في الاراضي الزراعية في منطقة ادلب. مضيفاً «يخشى الاهالي ان تكون مقدّمة لعملية عسكرية في المدينة التي تشهد مظاهرات يومية للمطالبة بإسقاط النظام».

من جهة أخرى، ذكرت «سانا» أن جثامين سبعة شهداء من عناصر قوى الأمن والجيش تم تشييعها من مشفيي تشرين وحمص العسكريين ممن «قضوا برصاص التنظيمات الإرهابية المسلحة في حمص ودرعا إلى مثاويهم الأخيرة في مدنهم وقراهم».
كما أعلن في سياق مختلف «أن الأجهزة الأمنية المختصة تمكنت من إحباط عملية تهريب كبيرة كانت تهدف إلى إدخال حوالى مليوني حبة مخدر من نوع كبتاغون ويزيد وزنها على 300 كيلو غرام إلى الأراضي السورية عبر الحدود السورية الأردنية.
وذكر التلفزيون السوري أمس أنه بعد اشتباك دام أكثر من ساعة تمت مصادرة الكمية المهربة وعدد من البنادق الحربية والسيارة الشاحنة التي كانت تنقلهم كما تم إلقاء القبض على زعيم المجموعة الإرهابية المهرب حميد محسن الأقرع من مواليد مدينة الضمير في ريف دمشق عام 1967 وهو مقيم في منطقة حران العواميد ومطلوب للعدالة منذ أكثر من عشر سنوات».

السابق
حسن فضل الله: زج لبنان بما يحدث في سوريا أمر خطير
التالي
النهار: الأسد استبدل حبيب براجحة وزيراً للدفاع ورسالة تركية اليوم واتساع العزلة الخليجية