فصائل عين الحلوة تتقاتل والأهالي يدفعون الثمن

 «الفصائل تأكل الحصرم وأهالي المخيم يضرسون». ينطبق هذا المثل على ما جرى في مخيم عين الحلوة أول من أمس، حيث أدت الاشتباكات العنيفة التي اندلعت بين مسلحين من حركة فتح وآخرين من جند الشام وعصبة الأنصار، إلى وقوع 12 جريحاً من الفلسطينيين غير المسلحين، بينهم طفل وشاب في حالة موت سريري. وعلى الرغم من التوصل إلى وقف إطلاق النار، فإن أهالي المخيم الذين قطعوا الطرقات بما دمّر من منازلهم ومحالهم، احتجاجاً، بقوا في حالة استنفار، بعدما نزح العديد منهم إلى خارج المخيم، خوفاً من الأسوأ.
ويمكن القول إن الاشتباكات الأخيرة في مخيم عين الحلوة لا تشبه أياً من الاشتباكات والحوادث التي شهدها المخيم في السابق بين حركة فتح والإسلاميين من جند الشام وعناصر تنتمي الى فتح الاسلام، نظراً لضراوتها وغزارة النيران التي استخدمت فيها، اضافة الى اطلاق اكثر من ثلاثين قذيفة صاروخية من نوع «ب 7» او «انيرغا معدلة». واستغرقت الاشتباكات حوالى خمس ساعات متواصلة، اضافة الى سقوط ما لا يقلّ عن 12 جريحاً فلسطينياً، بينهم اثنان في حالة موت سريري في المستشفى بعد إصابتهما في الرأس، وهما طفل في السادسة من عمره، وشاب بالكاد أنهى 21 عاماً». ويضاف إلى ضراوة المعركة التي عانى معها أهالي المخيم الأمرّين، الأضرار المادية التي فاقت التوقعات، حيث باتت مشاهد المحال المدمرة أو المحترقة عدا عن السيارات التي نخرها الرصاص منتشرة في أماكن الاشتباكات.
وتؤكد مصادر مطلعة في المخيم أن هذه الاشتباكات «لا يمكن وصفها بالأخيرة، لان الوضع في المخيم يشبه النار تحت الهشيم، ويمكن أن يشتعل في أي لحظة، وان كل عوامل الاشتباكات متوفرة سياسياً وامنياً».
وتوقفت المصادر حول توقيت الاشتباكات، وما اذا كانت مرتبطة بأجندة محلية او اقليمية او فلسطينية، او جاءت كرد فعل على تسليم فتح الشخصين اللذين اتهما بمحاولة اغتيال قائد الكفاح المسلح «اللينو» الى مخابرات الجيش اللبناني، وان هناك خشية من توسيع التحقيقات معهما من قبل الجيش حول قضايا أمنية ومتفجرات حصلت مؤخراً خارج المخيم، خاصة ان بينهما من ارتبط اسمه بتنظيم فتح الاسلام. وأشارت المصادر إلى حالة الاستنفار القائمة في المخيم بين مختلف الأطراف، وتحديداً بين فتح والاسلاميين في جند الشام وفتح الاسلام، إضافة الى حالة الشحن والتعبئة الموجودة لدى الاهالي الذين خرجوا عن صمتهم وأعلنوا حالة رفض مطلقة لكل حالات السلاح في المخيم، وباتوا أكثر جرأة ونزلوا الى الأزقة، وقطعوا الطرق بالعوائق والحجارة والأتربة وبممتلكات محلاتهم التي دمّرت واحترقت. ورفض أهالي المخيم فتح الطرق الا بعد اخذ تعهد من القوى والفصائل الوطنية والإسلامية كافة بعدم تجديد الاشتباكات والحوادث الأمنية اضافة الى حصولهم على التعويضات اللازمة والمطلوبة التي لحقت بمحالهم.
وسادت حالة من الذهول والاستهجان بين الأهالي في المخيم الذين استغربوا عدم اصابة اي مسلح لا من فتح ولا من الاسلاميين خلال الاشتباكات وضراوتها، وغزارة النيران التي استخدمت فيها، مع العلم ان المساجد لم تسلم من هذه الاشتباكات من قبل طرفي النزاع، حيث تعرّض مسجدا النور والفاروق لإطلاق نار متبادل.
ويتبين من جولة في المخيم، وتحديداً في نهاية الشارع الفوقاني، لجهة مقر الكفاح المسلح السابق عند مدخل سوق الخضار ومكتب الصاعقة، او في الشارع التحتاني، حيث يظهر بوضوح أن «هدوءاً حذراً «يخيّم» فوق المخيم، وليس أكثر. في المقابل يظهر ايضاً حجم الدمار الكبير في المحال التجارية، وفي البيوت والسيارات، اضافة الى الاضرار الكبيرة التي لحقت بشبكتي المياه والكهرباء.
ولم يسلم مستشفى صيدا الحكومي من القذائف، واكد رئيس مجلس ادارة المستشفى الدكتور علي عبد الجواد ان قذيفتين سقطتا فوق جدار المستشفى الملاصق للمخيم، حيث استهدفت إحداها سور المبنى القديم، فيما استقرت الثانية سور المبنى الجديد، بالإضافة إلى الرصاص الذي انهمر من كل حدب وصوب. ولفت عبد الجواد الى ان مستشفى صيدا الحكومي استقبل عدداً من جرحى اشتباكات المخيم.
ومن بين الأهالي، خرج الفلسطيني نبيل شبايطة ليطلق صرخة مدوية في وجه كل المسلحين وكل الفصائل من امام منزله الذي تعرّض لإطلاق نار في آخر الشارع التحتاني. وتجمّع من حوله عدد كبير من اصحاب المحال المتضررة، ليقول بصوت عال «نحن نمثل الأكثرية الصامتة هنا، لم نعد نريد سلاحاً في هذا المخيم، ولماذا كل هذا السلاح، فالشعب يصرخ وينادي «نريد إسقاط السلاح في المخيم». وتابع شبايطة قائلاً إن «هذا السلاح لم يعد له مبرر في هذا المخيم لقد سقط من يد الجميع بدون استثناء، لأنه اصبح يعادل سلاح الفتنة، وليس سلاح المقاومة، محملاً الدولة مسؤولية بقاء السلاح بين المسلحين». وتساءل الأهالي، ومن بينهم، الشبايطة، «من يدفع للناس ويعوّض عليها، فهم غداً سيقيمون حفلات المناسف والطبيخ والتقبيل ونحن نعيش المأساة كل يوم، ونتهجّر ثم نعوّد، ثم نتهجّر».
من جهته، أكد مسؤول الكفاح المسلح الفلسطيني محمود عبد الحميد عيسى المعروف بـ«اللينو» بأن الأمن في مخيم عين الحلوة هو من مسؤولية الكفاح المسلح، مشدداً على عدم التهاون بأمن المخيم والجوار. وقال في «حال استمر الوضع على حاله سنكشف عن كل المتورطين والمجرمين في المخيم، وارتباطاتهم لاننا عزمنا على مواجهة كل عمل تخريبي يستهدف المخيم»، مشيراً إلى ان العودة الى التفجيرات الامنـية هـــدفه النيل من أمن المخيم ومن أمن شعبنا، وضرب الامن في المنطقة برمتها. وهذا لن نسمح بحصوله».
بدوره أكد قائد المقر العام في حركة فتح منير المقدح أن وقف اطلاق النار الذي تم التوافق عليه بين القوى الفلسطــينية كافة في المخيم جرى على اساس تســليم كل الــذين تسبّبوا بالاشتباكات المسلحة التي جرت، مشدداً على ان «الذي حصل في المخيم كان معيباً للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني».
وكانت قيادات لبنانية وفلسطينية قد اهتمت بوقف اطلاق النار في المخيم، ومن بينهم النائبة بهية الحريري، ورئيس التنظيم الشعبي الناصري الدكتور أسامة سعد والشيخ ماهر حمود الذي بادر الى الاتصال بالاسلاميين اضافة الى الدور الذي لعبه رئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد علي شحرور، والمسؤول السياسي للجماعة الاسلامية في الجنوب بسام حمود والدكتور عبد الرحمن البزري.
وكان رئيس التنظيم الشعبي الناصري الدكتور اسامة سعد قد وسّع مروحة اتصالاته من اجل وقف اطلاق النار واصدر نداء وصف بأنه شديد اللجهة حث فيه الجميع في المخيم على وقف اطلاق النار حرصاً على القضية الفلسطينية وعلى الامهات والاطفال والشيوخ.
ونددت النائبة بهية الحريري بالاشتباكات في المخيم واعتبرت ان الرابح الوحيد منها هو العدو الاسرائيلي والخاسر هو الشعب الفلسطيني اللاجئ في المخيم .
وندد الدكتور عبد الرحمن البزري بالأحداث الأمنية واعتبر ان ما حصل يصب في خانة من يريد التضييق على المخيمات ويعطيهم الذريعة لذلك. ولافتاً الى ان الخاسر الأكبر هو الشعب الفلسطيني.
وحذر المسؤول السياسي للجماعة الاسلامية في الجنوب الدكتور بسام حمود من ان هذه الاحداث تعيد تسليط الاضواء على المخيمات ولا سيما مخيم عين الحلوة على أنها بؤر أمنية تستدعي التعامل الأمني معها، مما يضّيع جهوداً كبيرة تبذل من اجل انصاف اهلنا المقيمين في لبنان وإعطائهم حقوقهم.
وختم اهالي مخيم عين الحلوة يومهم امس على مشهد ما بعد الاشتباكات بطرق مقطوعة واستنفار لمواجهة اي طرف يريد فتح الطريق، حتى ان عضو لجنة المتابعة الفلسطينية فؤاد عثمان طالب الأهالي بعدم فتح أي طريق الا بعد الحصول على التعويضات، داعياً اهالي المخيم الى انتفاضة عامة ضد من يستخدم السلاح في المخيم.
ونقل جرحى عين الحلوة الـ 12 الى مستشفيات الاقصى، والحكومي، والهمشري ولبيب الطـبي، وعرف من بينهم اثنان في حالة المـوت السريري، هما الطفل صلاح جورج والشاب احمد مبـارك مبارك.
وكان رئيس فرع مخابرات الجيش اللبناني في الجنوب العميد علي شحرور قد تسلم مطلق النار على أحد الفارين المتهمين بزرع العبوة التي كانت تستهدف «اللينو» ويدعى أشرف قادري، وهو محسوب على «اللينو». 

السابق
الراعي يجول من صيدا إلى جزين فالشوف.. واليوم في الإقليم
التالي
«هيئة دعم المقاومة»: «قجة» على شكل رصاصة لمساندة المقاتلين