ج! هذا هو الحل

 مجلس "يشع" نشر بالبريد الالكتروني رابطا لاقوال الصحفية ايلانا دايان في "صحيح حتى الان" في صوت الجيش الاسرائيلي يوم الخميس الماضي. دايان تثني على حركة الخيام الجديدة لما "كشفته هذا الصيف"، على حد تعبيرها: "مسموح النهوض والصراخ وتغيير القواعد من الاساس"، ومسموح ايضا تغيير الرأي والخطأ والاعتراف بالخطأ، و "بالذات لهذا السبب"، تواصل القول، "أردت أن أقول شيئا لبعض الراكبين بالمجان على هذه الموجة، ووجدوا نيابة عنكم العدو الكبير – العدو الذي يسمى المستوطنين.
"هم لا يعرفون ما هو غلاء المعيشة، هكذا يقولون لكم، هم يتدللون في بحر من الامتيازات"، يضيفون القول ويخيل لي ان من يكتب هكذا لم يكن منذ زمن بعيد في غوش عصيون أو في عالية أو في هار براخا، ولم يرَ ازواجا شابة مثل شباب روتشيلد، بدون ماكنة الاسبرسو وبدون الوجبات الجاهزة، ومع تمسكٍ بالطريق ومخاطرة بالحياة وروح تضحية، نعم مثل تلك التي تغمر تل أبيب الان. يمكن الجدال مع المستوطنين، يمكن التفكير خلافا لتفكيرهم، بل ومشاجرتهم على سلم الاولويات. ولكن من يريد هنا مجتمعا قيميا، تكافليا، يمكنه أيضا أن يتعلم منهم شيئا ما ، أو على الاقل يحاول التعرف عليهم".
أقوال دايان هي درس جيد للمطالبين بالعدالة الاجتماعية: لا تنشغلوا بالامور الشخصية مثل حجم الكرفان والفيللا للمستوطنين أو بلطفهم. ركزوا على سياسة تسمح بنصب الكرفانات وتبني بيوتا من طابق واحد واحياء لليهود وتسمح بمزارع للافراد وعلى مترين من قربها تهدم أكواخا، خياما ومنازل دائمة للفلسطينيين. على جانبي الخط الاخضر، ولكن لقصر اليراع، سنتحدث عن جانبه الشرقي.
في الاشهر الستة الاولى من العام 2011 دمرت هذه السياسة مساكن 656 فلسطينيا في المنطقة "ج" التي في الضفة الغربية حيث يسكن 351 طفلا. هذا ما يتبين من حساب أجراه مكتب تنسيق الامم المتحدة للشؤون الانسانية "OCHA". نعم، ذات "ج" التي يحاول مجلس "يشع" ان يغري بها نزلاء الخيام ويقول ان هنا يكمن حل السكن لاسرائيل. يدور الحديث عن 342 مبنى فلسطيني، بينها 125 مبنى سكن (الاغلبية الساحقة هي خيام واكواخ). ارتفاع بخمسة اضعاف في حجم الهدم وحجم الاشخاص الذين فقدوا بيوتهم مقابل الفترة الموازية من العام الماضي – تقرر "OCHA" في تموز اضيف الى هذه الاحصاءات نحو مائة فلسطيني آخر، هدمت منازلهم.
حتى بدون الهدم، كما يجد التقرير، يوجد في أوساط الفلسطينيين في المنطقة "ج" ظاهرة نقل مكان السكن بغير طواعية. والسبب السائد هو ان اسرائيل تمنعهم من البناء في المنطقة التي تحت سيطرتها الكاملة، والتي هي نحو ثلثي الضفة. بلغة مغسولة تجيب فيها الادارة المدنية فتقول: لا يوجد مخطط هيكلي. اما بلغة البشر: فلا يوجد للفلسطينيين، اما لليهود فيوجد. والمخططات الهيكلية، كما هو معروف، ليس من الباري تبارك اسمه او من الله.
ولراحة المعنيين والمعنيات، فان النتائج تقدم في تقرير جديد لـ "OCHA" عن الاقتلاع القصري، الذي نشر الاسبوع الماضي. لا جديد كثير فيه، صحيح. بالاجمال يتطرق التقرير الى مرض عضال عادي تتسلل شظايا منه احيانا الى وسائل الاعلام الاسرائيلية. لراحة المستخدم/ة الذي ذاكرته/ها القصيرة، يوجد أيضا تذكير بالتمييز في الخدمات، بما فيها حق الوصول الى مصادر المياه. من جهة اخرى، التقرير الحالي يعفي القراء من تفاصيل مضنية عن تاريخ السيطرة الاسرائيلية – سواء على الاراضي الخاصة او الاراضي العامة – ونقلها لرفاه من وعدنا الا نتحدث عنهم شخصيا.
الباحثون الميدانيون العاملون في "OCHA" زاروا نموذجا من 13 مجتمع فلسطيني في المنطقة "ج" وفحصوا كم راسخة التقديرات والشائعات عن ميل سكانها لمغادرتها. ويتبين أن هذه راسخة.
والتاركون هم أساسا ازواج شابة. في 10 من البلدات بلغ عن انتقال عقب منع البناء؛ في 11 من البلدات بلغ عن تآكل لمصادر المعيشة فيها (الرزق من الرعي او الزراعة)، والتي تسببها مباشرة قيود اسرائيلية على استخدام الفلسطينيين للارض والماء وعلى حرية الحركة. 10 من البلدات أشارت الى النشاط الاستيطاني الذي يسبب مصاعب يومية، و 6 بلغت عن تنكيلات وعنف جسدي من جانب المستوطنين (الجانب الاخر من "خطر الحياة وروح التضحية"). في معظم المجتمعات التي اجريت اللقاءات فيها شدد الناس على أن حياتهم اليومية تدهورت بالقياس الى الجيل السابق من حيث الامن الشخصي، حرية الحركة والوصول الى مصادر الرزق والخدمات، بما فيها التعليم.
ربما قبل جيل كان الوضع أقل صعوبة. ولكن في المنطقة "ج" – الاحتياطي الاكبر الوحيد من الاراضي للفلسطينيين في الضفة الغربية – يعيش نحو 150 الف فلسطيني فقط. لماذا هذا العدد القليل جدا؟ لان القيود الاسرائيلية على التنمية الفلسطينية في تلك المناطق كانت سارية المفعول منذ بداية السبعينيات، قبل وقت طويل من "أوسلو" ومناوراته. هكذا مُنع النمو السكاني المحتمل. ها هو "التمسك بالطريق" لمقرري السياسة الاسرائيلية.
يمكن تجاهل تحذير "OCHA" من أن استمرار السياسة الاسرائيلية سيؤدي ببعض من المجتمعات الفلسطينية في المنطقة "ج" الى "التبدد والاختفاء التام في الجيل القادم، ان لم يكن قبل ذلك". بلغة حذرة جدا، يمكن أيضا تجاهلها، كُتب ان "OCHA" تخشى من "تغييرات ديمغرافية، وتعديلات في التركيبة العرقية للضفة الغربية".
يمكن تجاهل وكالة الغوث ايضا، والتي دفعتها اللغة الحذرة جدا لـ "OCHA" الى اصدار بيان للصحافة لتقول انه من حيث الدقة الزمنية فاننا بتنا هناك. وان السياسة الاسرائيلية في "ج" منذ الان "تدمر نسيج تلك المجتمعات وفي نهاية المطاف تساهم في الانعطافة الديمغرافية التي تغير التركيبة العرقية للضفة الغربية". اكثر قربا لهذا من الاحتجاج (مهما كان عديم الاسنان) عن التطهير العرقي – لا يوجد.
قانونيون اسرائيليون أقدم من ايلانا دايان يعارضون تفسير الامم المتحدة وجمعية حقوق المواطن بان الضفة الغربية كلها، بما فيها "ج" هي أرض محتلة لا يجب نقل سكان دولة الاحتلال اليها. ولكن هل، الى جانب وثائق العقارات على البلاد باسرها، والتي تلقيناها مباشرة من الباري تبارك اسمه، تلقينا ايضا فريضة التمييز بين الدم والدم، الشعب والشعب، الطفل والطفل. 

السابق
أردوغان يترأس اجتماعاً لمجلس الأمن الخارجي التركي لبحث الوضع في سوريا
التالي
أيلول بات هنا