اسرائيل احتفلت أمس بالاستقلال

 في الغد من المظاهرة الاولى قبل اسبوعين بالضبط، كتبت هنا: "أكانت هذه مظاهرة الـ 400 الألف الجديدة في اسرائيل؟ ووضعت الـ 400 الألف آنذاك بين هلالين؛ وأمس أُزيل الهلالان وحطمت معهما الارقام القياسية. فقد هددت تل ابيب بأن تنصدع بسبب متظاهريها، ولم تكن هذه أم جميع المظاهرات بل كانت جدتها. انفجرت الشوارع من جماهير الناس، بل امتلأ شارع بردتشفسكي الصغير وشارع الشاعر أفوت يشيرون الذي ضج بآلاف الناس الذين حاولوا الالتفاف على المظاهرة الكبيرة. كتب يشيرون هنا ذات مرة: "في الشارع الذي اسكنه لا استطيع تبديل الملابس الداخلية ولا استطيع خلع السراويل، وتقوية مطاط الملابس الداخلية". لو انه كان حيا لما استطاع ان يبدل أمس هنا الملابس الداخلية. فقد كان شارعه مليئا بالناس كما لم يكن مملوءا قط.
كانت تل ابيب تشبه أمس اكثر مدن المعمورة ضجيجا. فقد جرى نهر الناس من جميع الاتجاهات إما على الاقدام وإما في السيارات. وخرجت الجموع من الحافلات والقطارات، ولم ينجح الجميع حتى في الاقتراب من منطقة المظاهرة. وصرخت لافتة مدهشة في حجمها وضاجة بمضمونها، بالعبرية والعربية التي توشك ان تكف عن ان تكون لغة رسمية: "مصر هنا". هل كنتم تصدقون؟ وان الصور أمس اشبهت اكثر ليالي التحرير ضجيجا. ولم تعد المقارنة الان بثورة القاهرة هي على سبيل المبالغة أو هوى القلب. فهي الان مشابهة حقا من غير ان تشمل العنف بالطبع. وفي الحقيقة عندما يتحدث الحجم كما تحدث أمس لا يحتاج الى عنف. سيكون نظام الحكم الذي يبقى ساكنا في مواجهة هذه الاجتماعات الضخمة نظاما بليد الحس أغلف القلب سينتهي الى السقوط. والنظام الذي يتجاهل هذا الانهيار الثلجي الذي اصبحت قوته تعظم اسبوعا بعد اسبوع ويحطم جميع الحدود ويسقط جميع التنبؤات، سيسقط ويسقط. يستطيع بنيامين نتنياهو الاستمرار في التفكه مع وزرائه، لكن مصيره قد قضي. ويستطيع الساخرون الاستمرار في فرقعة ألسنتهم والحديث عن الاحتجاج "المبلبل" و"المدلل" – لكنه مع كل ذلك الاحتجاج الذي لم يكن له مثيل هنا قط. على حسب مضامينه المعلنة – لو انه كان ما يزال هنا حزب مبام لتولى أمس السلطة وانتخب يعقوب حزان لرئاسة الحكومة.
أمس احتفلت اسرائيل بيوم استقلالها. هكذا كانت تبدو ليالي الاستقلال في طفولتنا. وهكذا بدا يوم استقلال شعب خرج للحرية والنور واستيقظ من سبات شتائه وصيفه. بعد جميع سني القحط تلك جاء الطوفان. هل تحدث اهود باراك عن تسونامي في ايلول؟ لقد اصبح التسونامي هنا في بداية آب وهو يغرق من الاتجاه الذي كان الأقل توقعا. فلم تستطع المجسات والرادارات المتناوبة في برج الكرياه والتي ترى كل شيء، والتي اجتمعت الجماهير أمس عند أسفلها، لم تستطع توقع هذه الموجة.
وهكذا دون تنبه، أُجريت مظاهرة القوة هذه أمس عند أسفل واحد من رموز السلطة ومراكز قوة الدولة، أعني الكرياه. هنا وقفت القلة القليلة في الليالي اللعينة من حرب لبنان الثانية وعملية "الرصاص المصبوب" الاولى يحملون شعلا في أيديهم ولم يلتفت أحد اليهم. وأمس لم يكن من الممكن شق طريق بين الجماهير. فبين باب فكتور وباب رابين اجتمع الجمهور وصرخ: "الشعب يريد عدالة اجتماعية". وصحيح ان الصيحة لم توجه بعد الى الكرياه كما كان يجب ان تكون، فالجمهور لم يطوق بعد الابواب الحديدية لكن قد يحدث هذا.

هل سيستطيع المتظاهرون البقاء موحدين؟ تحدثوا عن هذا في الفيس بوك
لا يهدد هذا الحجم المدهش الآن سلطة نتنياهو فحسب بل، وعلى نحو ساخر، الاحتجاج نفسه. هل يمكن أن يبقى جمهور ضخم الى هذا الحد موحدا حول أهداف واضحة محددة؟ وهل يمكن أن من جاءوا للاستماع ليهوديت رابيتس وريتا وشلومو آرتسي يمكن ان تكون لهم قوة تأليبية محاربة؟ أمس توقف الغضب والحماسة اللذان ميزا المظاهرتين الضخمتين السابقتين وأخليا مكانهما لجو احتفال. لمهرجان اسرائيل، مهرجان القصبة الكبرى. قالت احدى المتظاهرات وهي مؤيدة لليبرمان كما تقول انها جاءت لتنظر الى أعجوبة وحدة اسرائيل.
حذار، خطر. قد تكون هذه هي ثقة الاحتجاج بذاته التي لم تعد تحتاج الى غضب وقد تكون علامة تنذر بالسوء. لكن عندما خطب الخطباء وفيهم حاخام ارثوذكسي، وفهد اسود متقاعد ومثقف عربي، كان واضحا انه لا يمكن وقف هذا النشيد. ربما يمضي نتنياهو وسلطان ملوك المال ايضا. لكن اكثر المتحدثين توقوا أمس، على نحو عجيب كرامة رئيس الحكومة. ربما أدهشهم الحجم. وربما أدهشتهم مناظر القفص في القاهرة وربما تكون تلك صدمة الخوف من العودة الى معسكري اليسار واليمين في المجتمع الاسرائيلي والرغبة المرجوة في احتضان الجميع. ربما يقضي عليهم هذا وربما ينتهي الامر الى البكاء. لكن النجاح لا يجادل. وكان ذلك امس نجاحا كبيرا. ومع كل ذلك ما يزال الامتحان الاكبر أمامهم وما يزال الامتحان الاكبر أمامنا. 

السابق
أيلول بات هنا
التالي
أرأيت يا نتنياهو؟