أيلول بات هنا

 فيما يمثل الاحتجاج الاجتماعي المتصاعد في مركز الاهتمام العام، دحرت جانبا مسألة التصويت القريب في الامم المتحدة الداعي الى الاعتراف بالسلطة الفلسطينية كدولة سيادية هي الدولة الـ 194 في الامم المتحدة. رغم الترقب في اسرائيل في أن يمنع فيتو أمريكي في اللحظة الاخيرة في مجلس الامن هذه الخطوة، فان التوجه الفلسطيني المباشر الى الجمعية العمومية هو ذو احتمال طيب لنيل اغلبية ساحقة لاكثر من 140 دولة ستصوت في صالح الدولة.
مثل هذا الاعتراف من الامم المتحدة سيشكل تغييرا دراماتيكيا في تاريخ النزاع في المنطقة، وسيكون ذا تأثير كبير على مكانة، صورة وحرية عمل دولة اسرائيل في موضوع النزاع. في خلفية الامور من السليم أن نفحص كيف ولدت الخطوة الفلسطينية.
من العام 1993، شكل اوسلو مسارا حصريا، ومنح اسرائيل "مكانة" تسيد مقبولة من المسيرة وحلها. الفلسطينيون، بعد سنوات طويلة من محادثات القمة، المؤتمرات، الوعود والامال، فقدوا الثقة في القدرة على تحقيق تسوية في المسار المباشر وبادروا الى خطوة دولية احادية الجانب ستحقق لهم انجازا هاما في زمن قصير وعلى طبق من فضة. ما الذي أدى الى التغيير؟ فهم أبو مازن بان طريق الكفاح العنيف استنفد نفسه وأدى به الى بناء استراتيجية جديدة اساسها الرفاه الاقتصادي ونيل الشرعية الدولة الواسعة. معاني الاعتراف المرتقب يمكن تقسيمه الى ثلاثة أقسام: في القسم الاول يدور الحديث عن تعايش يومي لن يطرأ فيه أي تغيير حقيقي. التعلق المطلق للفلسطينيين باسرائيل على المستوى الاقتصادي، البنى التحتية، المالي، سوق العمل وفي الجانب الامني ايضا سيستمر في الوجود مثلما أمس وأول أمس. لا يمكن لاي انجاز سياسي ان يغير هذا الواقع الجغرافي – الاستراتيجي.
القسم الثاني يعنى بالمواضيع الجوهرية موضع الخلاف. التصويت المرتقب في الامم المتحدة لن يغير الحاجة الى حل متفق عليه في مواضيع الحدود، مسألة اللاجئين، القدس ومكانة المستوطنات. القسم الثالث هو التغييرات والمخاطر التي سيجلبها الاعتراف. الاعتراف بالدولة وفتح سفارات في العالم سيعزز جدا المكانة السياسية والدولية للفلسطينيين ومن شأنه أن يصادر بقدر كبير "ادارة النزاع" من يد اسرائيل. الانكشاف القضائي سيؤدي الى ان يتمكن الفلسطينيون من استخدام مؤسسات الامم المتحدة في كل "خرق اسرائيلي"، والمطالبة بفرض العقوبات ورفع دعاوى قضائية ضد سياسيين وضباط من الجيش الاسرائيلي ستجد اسرائيل صعوبة في الدفاع عنهم.
هذا الوضع يمكن أن يجر اسرائيل الى واقع جديد وخطير لفقدان المرونة السياسية. فما الذي يمكن بالتالي عمله؟ أمام اسرائيل توجد امكانيتان اساسيتان للتأثير على الخطوة في الزمن المتبقي؛ الاولى هي عرض حل سياسي شجاع يدفع الفلسطينيين الى تأجيل الخطوة احادية الجانب والعودة فورا الى طاولة المفاوضات. الامكانية الثانية هي خطوة مفاجئة تتمثل باستعداد اسرائيلي للتصويت الى جانب الاعتراف، في ظل الاشتراط بان يتحدث مضمون الاعلان عن دولة في حدود 67 وحل المسائل موضع الخلاف في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل في ظل الحفاظ على الوضع الراهن في المواضيع المختلفة. مثل هذه الخطوة ستفتح امام الفلسطينيين ايضا امكانية تأييد امريكي في مجلس الامن، سترفع كمية الدول المؤيدة وتنزع تهديد العقوبات الاسرائيلية احادية الجانب. اسرائيل، بالمقابل، ستستخلص هي ايضا فضائل من الخطوة: فهي ستجمع نقاط هامة في الساحة الدولية، تمنع مضمون اعلان اشكالي بالنسبة لها، تعيد الفلسطينيين الى طاولة المفاوضات في المسائل الاساس ولن تفقد السيطرة على الخطوة السياسية. على مسافة خمسة أسابيع من الموعد النهائية، فان الابداع والشجاعة هما المخرج المطلوب. 

السابق
ج! هذا هو الحل
التالي
اسرائيل احتفلت أمس بالاستقلال