الثورات في الدول العربية ولا سيما في سوريا.. إلى أين ؟

 نبحث خصوصاً في مصير الثورة في سوريا للاسباب الآتية :
لأن سوريا هي الجارة الأقرب، بل هي عملياً الجارة الوحيدة للبنان، أما الجارة الأخرى فهي وإياه في حالة عداءٍ مزمن منذ نشوئها سنة 1948 .
2- لأن لبنان يشترك مع سوريا في علاقات جغرافية وتاريخية واجتماعية واقتصادية، قديمة قدم الزمن، ويفاعلان بعضهما في بعض، سلباً أم ايجاباً، شاء أحدهما أم أبى، رغم حرص كل منهما، أو على الأقل احدهما، على استقلاله الكامل .
3- لأن الشعب السوري على العموم، هو إلى الشعبين اللبناني والفلسطيني الأكثر وعياً ونضوجاً من كل الشعوب العربية، فقد صقلت الشعوب الثلاثة الحروب الطويلة والمعاناة والمصائب الأليمة التي عانوها.
ويعلّمنا التاريخ، والتاريخ لا يخطئ لأنه يسير وفقاً لقواعد منطقية واضحة وثابتة، مع أخذه في الوقت نفسه بالاعتبار الأسباب المستجدّة والمختلفة، يعلّمنا ان كل الأنظمة غير الديمقراطية على أنواعها، أكانت شمولية أم عسكرية ام مخابراتية ام ملكية مطلقة، والمتحكِّمة ظلماً واستبداداً بشعوب متخلّفة أو مغلوب على أمرها، لا تتغيّر ولا تسقط الا بطريقتين اثنتين :
الأولى، بطريقة انقلابية عسكرية وسريعة، في غفلةٍ من الحاكم المستبدّ أو استغلالاً لضعفه احياناً أو لنقمة شعبية عليه صامتة أو لغيابه في وقتٍ ما عن البلاد، وعلى أساس : "قم لأجلس مكانك".
وطبعاً، ان زعيم الانقلاب الناجح يَعِدُ الشعب بدايةً، الذي يهلّل له، بالحرية والديمقراطية وبمحو اسرائيل من الجغرافيا وبرميها في البحر، ثم لن يلبث هذا الزعيم ان يستبدّ بدوره وان يفشل في تحقيق وعوده البراّقة، إلى ان يأتي زعيم آخر يقلب هذا الحاكم بالطريقة نفسها التي سلكها قبله هذا الأخير .
وهذا ما حصل مراراً في سوريا بدءاً من حسني الزعيم سنة 1949، مروراً بالشيشكلي والحناوي والكزبري وانقلابات حزب البعث المتعاقبة وصولاً إلى حافظ الأسد سنة 1970 الذي ما زال نظامه قائماً عملياً حتى اليوم بعدما خلفه نجله الدكتور بشار، من دون ان يتغيّر شيء يُذكر، بل ان الأوضاع الداخلية والخارجية زادت تفاقماً وأدَّت الحروب مع اسرائيل إلى هزائم وخسائر فادحة، وقد حصل ما يشبهه في مصر وبعض دول الخليج والعراق وليبيا وتونس والجزائر وغيرها، وحصل مثله أيضاً وأيضاً مع بعض الفوارق، في أنحاء كثيرة من البلدان ذات الشعوب المتخلفة في أميركا اللاتينية وافريقيا والشرق الأقصى .
اما الطريقة الثانية، الوحيدة والفعّالة، لتغيير أي نظام مستبدّ، فتكمن في الانتفاضات والثورات الشعبية ضده المتلاحقة، إحداها تلي ما قبلها، تزعزع كل منها اساسه أكثر فأكثر إلى ان تصل به في النتيجة إلى اسفل الهاوية، بعد تهدّمِه جزئياً أو كلياً، حيث لا قائمة له من بعد لينهض منها .
وطبعاً، انّ هذه الطريقة تتطلّب وقتاً طويلاً لتفعل فعلها ربما امتدّ إلى سنوات، وتكلّف كثيراً من الدماء والدموع، ولكنّ الشعب، إذا ما انفجر بعد تراكم الاحقاد والآلام في قلبه، فانه لن يستطيع بالتأكيد العودة إلى الوراء مهما طال الزمن وعظمت التضحيات، والغلبة سوف تكون له في النهاية لا محال، كما كان يقوله العماد عون فيما مضى عن حق.
ومن جهة اخرى، فانّ أولياء النظام المستبد الحاكمين سعيداً والمنتفعين منه، يدركون جيداً سيكولوجيا الشعوب الثائرة، ويعلمون تماماً قواعدها ومنطقها، ولذلك لا يستطيعون بدورهم التساهل ابداً، واذا ما رخوا الحبل ولو قليلاً، فان الشعب الغاضب والثائر، لن يكتفي بهذا القليل، بل سوف يشدّهم صوبه اكثر فأكثر إلى ان يسقط النظام بكامله.
فما هو الحل ازاء هذا الوضع المستعصي؟
ان الحل الوسط صعب جداً، إن لم يكن مستحيلاً لأن الثقة حتى في أدناها، المفروض ان تكون متبادلة بين الفريقين، مفقودة كلياً، ولنا العبرة مما حصل قبلاً مثله حولنا مع بعض الفوارق في العالم في القرن الماضي :
فمن منا لا يتذكّر، أو لا يعلم، أو لم يسمع كيف ان حاكم الاتحاد السوفياتي السيد خروتشوف أمر آنذاك جيشه المرعب بالدخول إلى هنغاريا عام 1956، وبعده بريجينيف وتشيكوسلوفاكيا عام 1968 وهما كانتا تدوران في فلكه لكي يقمع بقسوة ودون رحمة الانتفاضات الشعبية التي بدأت في الظهور، فأخمدها طبعاً وقضى عليها، رغم ان أحد الشباب يان بلاخ حرق نفسه احتجاجاً في ساحة فنشسلاس في براغ، ولكن، كيف ان الدم المهرق وحب الحياة الحرة والكريمة انتصرا بالنتيجة على الحديد والنار، وإن بعد سنوات طوال، ما اضطر السيد غورباتشوف، الرئيس الذي جاء من بعد، إلى التساهل وتحقيق بعض الاصلاحات، سمّيت " بالبريسترويكا"، الا ان ذلك لم يمنع غورباتشوف نفسه من السقوط فيما بعد، فحلّ محله بوريس يلتسين ومن ثم فلاديمير بوتين وكان ان انبثق 15 دولة عن الاتحاد السوفياتي السابق .
فحذارِ ان يحصل الشيء نفسه في سوريا، بل ما هو أسوأ بكثير، ولنوقن ان النظام السوري ليس أقوى مما كان النظام السوفياتي، وانه إذا ما استمرت الانتفاضات والثورات الشعبية سنوات وتفاقمت، فانّ الطائفية سوف تذرّ بقرنها، وقد بدأت وكالات الإعلام تنبئنا عن حوادث من هذا النوع.
وحذارِ أيضاً ان يربط اي امرئٍ مصيره بالنظام السوري الذي، اذا ما هوى، جرف معه بالتأكيد كل ما ارتبط به، فأخو الرشد من صحا من غفلة الجهل قبل فوات الاوان وفكّر مليّاً وأدرك انه كلما أمكن الاتفاق بسرعة على أي حلّ، وإن هو مشوب بكثير من التساهل، كلما كانت الخسائر اقل بنتيجتها.
 

السابق
أوسكار نفطية للنواب !
التالي
الصواريخ الى «إيلات»!!