هل تشكل «النسبيّة» طريقاً لتغيير الخريطة السياسيّة اللبنانيّة؟

انطلاق النقاش حول «قانون الانتخابات» الجديد:هل تشكل «النسبيّة» طريقاً لتغيير الخريطة السياسيّة اللبنانيّة؟

انطلق النقاش بقوة في لبنان حول «قانون الانتخابات النيابية» الجديد الذي يفترض ان تجري انتخابات عام 2013 على أساسه. ورغم أن من غير المتوقع ان يتم الاتفاق على القانون الجديد واقراره بسرعة قبل وقت مناسب من اجراء الانتخابات، فإن مجرد إطلاق النقاش حول القانون يشكل فرصة هامة لفتح الحوار حول هذا الملف الحساس على الصعيد السياسي والشعبي. فالقانون الجديد سيكون له دور مهم في تحديد الخريطة السياسية المقبلة، والمجلس النيابي المنتخب عام 2013 هو الذي سيختار رئيس الجمهورية المقبل.

ومع ان لبنان يواجه العديد من القضايا والملفات التي ستؤثر على الواقع السياسي الداخلي (كالمحكمة الدولية، والوضع في سوريا، ومستقبل الصراع مع العدو الصهيوني على النفط)، فإن ذلك لا ينفي أهمية بدء النقاش حول قانون الانتخابات وامكانية اعتماد «قاعدة النسبية» بديلاً للنظام الأكثري الحالي.

وقد عقد مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية مؤتمراً خاصاً لمناقشة قانون الانتخابات وخيار النسبية وارتفعت الأصوات المطالبة بتطبيق النسبية، فيما أبدى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عدم موافقته على النسبية.

من جهته، البطريرك الماروني مار بشارة الراعي بدأ التحضير لعقد لقاء للقيادات المارونية السياسية لمناقشة قانون الانتخابات، وأبدى رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية دعمه لأي موقف يتخذه الراعي من قانون الانتخابات.

اما رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان فأعلن أكثر من موقف يرحب فيه باعتماد النسبية بعد ان شرح ابعادها وتفاصيلها.

هذا وأطلق وزير الداخلية الحالي مروان شربل سلسلة لقاءات لمناقشة مشروع قانون الانتخابات بعدما كان وزير الداخلية السابق زياد بارود قد أقام ورش عمل متعددة في الاطار نفسه.

فما هي أهمية قانون الانتخابات النيابية الجديد على صعيد الوضع اللبناني؟ وهل تشكل «النسبية (اذا اعتمدت) طريقاً أو مدخلاً لتغيير الخريطة السياسية اللبنانية؟

أهمية قانون الانتخابات

بداية لا بدّ من الحديث عن أهمية قانون «الانتخابات النيابية» الجديد ودوره في تحديد مستقبل الوضع السياسي اللبناني؟ فقد عاش لبنان خلال السنوات الأخيرة صراعاً حاداً بين القوى السياسية ولا سيما قوى 8 آذار وقوى 14 آذار، وكان هناك صراع قوي بين القوى الطائفية والمذهبية نظراً الى الالتفاف الشعبي داخل كل طائفة حول الزعامة السياسية فيها (باستثناء الطائفة المارونية المنقسمة حول عدد من الزعامات). لذلك فإن أي قانون انتخابي جديد سيكون له دور أساسي في اعادة رسم الواقع السياسي اللبناني، مع العلم بأن مجلس النواب المقبل هو الذي سينتخب رئيس الجمهورية عام 2014.

كذلك فإن أهمية قانون الانتخابات الجديد تأتي من كونه سيعبر عن التطورات السياسية التي يشهدها لبنان والمنطقة عامة وسوريا على الأخص، فأي قانون جديد سيأخذ في الاعتبار «الثورات العربية» وما أفرزته من نتائج في كل المنطقة، إضافة الى الصراع السياسي القائم اليوم بين مختلف الأطراف السياسية، ولذا فإن أي قانون جديد سيحدد خريطة المرحلة المقبلة.

النسبية وتغيير الخريطة السياسية

لكن المسألة الأهم في قانون الانتخابات الجديد هي القاعدة التي ستعتمد في القانون: هل سيظل النظام الأكثري هو القائم؟ أم ان القوى المنادية باعتماد النسبية ستنجح في العمل على تطبيقها؟

فالأنظمة الانتخابية الأكثرية السابقة أدت الى فرز سياسي قوي داخل الطوائف اللبنانية، وأصبح في كل طائفة قوة سياسية أساسية تتمركز حولها القاعدة الشعبية (باستثناء الموارنة المنقسمين الى عدة قوى ملتحقة بالطوائف الأخرى).

أما قاعدة النسبية مع اعادة تقسيم المحافظات واعتماد الدوائر الوسطى والمختلطة فإنها قد تؤدي الى بروز قوى سياسية وحزبية جديدة وتكسر عملية الفرز الحاد القائمة اليوم داخل كل طائفة، وتؤدي أيضاً الى وجود قوتين اساسيتين في لبنان تضمان شخصيات من مختلف الطوائف والاتجاهات، ما يساهم في إبعاد الصراع عن المذهبية والطائفية كما هو الأمر اليوم.

وقد نص اتفاق الطائف على اعتماد النسبية واعادة تقسيم الدوائر الى دوائر متوسطة، ولذلك فإن العودة إلى النظام الأكثري أو اعتماد الدوائر الفردية الصغيرة سيكون له نتائج سلبية لجهة تعزيز المذهبية والطائفية والمناطقية على حساب الانتماء الوطني العام.

ورغم وجود بعض الاسئلة والاشكالات حول كيفية اعتماد النسبية وعلى أي أساس سيتم اعتمادها، فإن بدء النقاش في الموضوع والاستفادة من تجربة اللجنة التي شكلت برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس قد يساهمان في معالجة الكثير من الاشكالات والرد على الاستفسارات والملاحظات في هذا الاطار.

كما يمكن الاستفادة من تجارب دول اخرى اعتمدت النسبية كالتجربة العراقية ودراسة الأخطاء والثُّغَر التي وقعت فيها من اجل تلافيها على الصعيد اللبناني.

ان الكثير من الخبراء والمختصين والسياسيين اللبنانيين يؤكدون ان اعتماد «النسبية» (مع شرحها ووضع تفاصيل دقيقة بشأنها) هو الطريق الأفضل لإعادة رسم خريطة سياسية جديدة في لبنان بعيداً عن الفرز المذهبي والطائفي والعصبية القائمة اليوم.

ورغم كثرة التطورات والمشاغل التي تواجهها الحكومة اللبنانية اليوم، فإن اطلاق ورشة النقاش الجاد والعميق حول قانون الانتخابات يشكل المدخل الصحيح والسليم لإعادة فتح الحوار السياسي بين مختلف الأطراف وذلك بدلاً من الغرق في الحملات السياسية والاعلامية التي لا فائدة لها.

ان لبنان اليوم أمام فرصة جديدة لإعادة النظر بالواقع السياسي القائم، وقانون الانتخابات هو المدخل السليم والصحيح لتغيير الخريطة السياسية. فهل تتجه الحكومة اللبنانية ومجلس النواب لبدء النقاش الجدي أم سينتظر الجميع ما ستؤول إليه التطورات في لبنان والمنطقة لتحديد الخيارات النهائية؟

 

 

السابق
سوريا والفايسبوك وأنا: هوامش على دفتر الانتفاضة السوريّة
التالي
انفجار في أكبر خط لأنابيب نقل النفط في ايران