فضل الله:البلاد تحتاج إلى تغييرات جذرية

 ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما قال في خطبته السياسية:

"يطل شهر رمضان المبارك بكل ما يحمله من معاني الرحمة والاطمئنان والسلام.. والأمة لا تزال تعاني أقسى الظروف والتعقيدات، وتواجه أصعب التحديات، حيث الانقسام الذي يهدد عناصر القوة فيها، والفوضى العارمة التي نخشى أن تهز الكثير من مواقعها، في حركة العنف الدامي المتنقل بين مناطقها، كما تعيش رحاب ثورة جنينية لا يزال المستقبل أمامها واعدا، ولكنه طويل.. وبين هذه الانقسامات والتحركات والانتفاضات، يشهر العدو سيف حقده على الفلسطينيين، ويبعث رسائل التهديد والوعيد في كل اتجاه.. لا يريد لهم أن يطالبوا بأبسط حقوقهم.. بأن تكون لهم بقعة في أرضهم يملكون فيها سيادتهم بعد أن اغتصب العدو كل الأرض".

اضاف: "كل ذلك يجري في ظل صمت الأمم المتحدة وأمينها العام، وسكوت دول العالم حيال عمليات العدوان المتنقلة التي يمارسها العدو في فلسطين المحتلة قتلا واعتقالا، وغارات على قطاع غزة، ومواصلة الزحف الاستيطاني لتغيير الوقائع ميدانيا في الضفة الغربية. ولذلك، فنحن ندعو الفلسطينيين إلى عدم المراهنة على المفاوضات مع العدو الصهيوني، التي أكدت التجارب السابقة أنها لن توصل إلى نتيجة، بل سوف تنقلهم من تمييع إلى تمييع، ومن إهدار للوقت إلى إهدار، ومن فرصة للعدو إلى فرصة أخرى تمكنه من أن يزداد قوة وأن يحصل على مواقع جديدة".

وتابع:" كما نؤكد على الشعوب العربية، ألا تتناسى الشعب الفلسطيني وقضيته، وأن تعمل ما باستطاعتها لجعل فلسطين في صلب اهتماماتها، وفي قلب حركتها، لترفع شعاراتها، وتقود مسألة الدفاع عنها وعن أهلها في كل الساحات.. لأننا نخشى أن تتحول هذه القضية إلى هامش اهتمامات الشعوب العربية، وأن يتم التعامل معها باعتبارها عبئا عليها. وفي هذا الجو، نأمل خيرا في كل ما تثيره حركة الحرية عند الشعوب العربية التي بدأت تهز عروش الطغاة، على الرغم من الأثمان الباهظة التي تدفعها هذه الشعوب، وعلى الرغم من محاولات الالتفاف الدولية على حركتها، وسعي الكثيرين لتحويل مسار هذه النهضة إلى صراعات داخلية يختلط فيها الجانب العشائري والقبلي بالمسألة المذهبية، وسط تدخلات غربية عسكرية وسياسية سعت لتمييع الأحداث واستغلالها سياسيا واقتصاديا".

وأكد أهمية بقاء هذه الثورات على الخط الذي رسمته لنفسها، في أن تعود إليها حريتها وإنسانيتها، وأن تخرج من حالة الاستعمار والقهر، بأن تحمي مسارها، وأن لا تقبل بالتغيير الشكلي الذي يطاول الديكور فقط، فيما تبقى الأمور على واقعها وأوضاعها السابقة".

ولفت الى ان "المشهد الذي رأيناه في مصر، في وقوف رئيس أكبر دولة في المنطقة وراء قضبان محكمة الشعب، الذي قرر أن يتابع ثورته إلى النهاية، ورفض قبول الأمر الواقع والتغييرات الشكلية في الحكم والسياسة، وإصراره على التعبير عن مواقفه.. إن هذا يحسب أولا وآخرا للشعب المصري وحده".

واوضح " إننا في الوقت الذي نحيي الشعب العربي ونشد على أيديه ليتابع حركته.. ندعو كل الحكام العرب الذين يظلمون شعوبهم ويضطهدونهم ويتلاعبون بمستقبلهم ومستقبل أولادهم، أن تكون صورة الرئيس المصري خلف القضبان عبرة وموعظة لهم، لكي يعيدوا النظر في حساباتهم. فشعوبكم لا تريد منكم إلا عدالة وحرية، وموقفا حاسما تجاه سياسات الاستكبار والكيان الصهيوني. وعند ذلك، سترتاحون وتريحون.. وستجدون أن هذه الشعوب ستكون وفية للذين يكونون أوفياء لها.. ومعها، ستستطيعون أن تواجهوا كل الضغوط، فهذه الشعوب التي تصوم لله، هي مستعدة أن تصوم عن حاجاتها عندما تواجهها الضغوط، لأجل أن تبقى عزيزة حرة كريمة.. فلا تستهينوا بهذه الشعوب.. ولا تبخلوا بالعمل لأجلها".

وتابع:" إننا وأمام ذلك كله، وفي شهر رمضان الذي يمثل قمة التفاعل مع قضايا الإنسان وحاجاته، علينا أن لا نتناسى هذا الزحف المتصاعد لحالات المجاعة في عدد من البلدان الإسلامية، وخصوصا في شرق إفريقيا، ولا سيما في الصومال، حيث تواصل وسائل الإعلام إبراز مشاهد الأجساد الخاوية الهزيلة، وترتفع فيها أصوات الاستغاثة، بينما تغط الدول العربية والإسلامية في سبات عميق، وتتجاهل أكثر هذه الدول القيام بواجبها الإسلامي والإنساني".

ورأى أن "مسؤوليات الشعوب العربية والإسلامية، ولا سيما الغنية، في هذا المجال كبيرة، ولا بد لها من أن تستجيب لكل نداءات الاستغاثة التي لا يمكن أن تصم لها آذان إنسان عربي وإنسان مسلم". ودعا "الغرب إلى أن يرفع القيود التي فرضها على المؤسسات والجمعيات الإسلامية الخيرية تحت عنوان واهن، وهو مكافحة الإرهاب، والتي كانت تلعب أدوارا كبيرة في سد حاجات الجائعين في م0ثل هذه الظروف".

واشار الى ان المسؤولية في شهر رمضان، شهر المواساة، كبيرة على تلك الشعوب، لأنه لا يكفي أن نتحسس آلام الجياع من خلال الصوم، بل أن نتحرك لسد جوع الجائعين..
ولنتذكر كلام رسول الله(ص): "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع"، و"من سمع رجلا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم".

وتحدث عن لبنان وقال "أما في لبنان، فقد كان العدو أبلغ في توجيه الرسالة إلى الداخل، في اعتداءاته واختراقاته العلنية في الوزاني وميس الجبل، قافزا فوق الكلام الداخلي حول السلاح، ومتماديا على كل السجالات الداخلية، ومحاولا توجيه الرسائل في كل الاتجاهات، ليشير إلى أنه يمثل الحقيقة في كل هذه العراضة العسكرية العدوانية التي تقود إلى الحرب خلال ساعات، كما قال الممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة (مايكل ويليامز).إننا وسط هذه الأجواء المقلقة، ندعو إلى وعي الخطر الأساسي الذي يتهدد واقع البلد في الأمن والاقتصاد والسياسة، وتكثيف الجهود لتقوية عناصر القوة فيه، بتقوية الجيش ودعمه، هذا الجيش الذي نقدر وقفته الشجاعة، وكذلك دعم المقاومة وتقوية صمود هذ الشعب".

ودعا إلى تثبيت الأرض من خلال مشاريع حوار حقيقية، حتى لا يستغل العدو كل هذه السجالات والانقسامات، ليستبيح البلد المهدد مجددا"، كما دعا الحكومة التي أطلقت البشرى منذ انطلاقتها بتغيير الواقع الاجتماعي والاقتصادي والخدماتي، إلى القيام بخطوات ملموسة في هذا الجانب، ولا سيما في هذا الشهر المبارك، حيث ترتفع أسعار الحاجات الأساسية من دون رقابة واهتمام من الدولة"، ودعا إلى متابعة جادة لقضية الكهرباء، ولا سيما في ظل الصيف الحار اللاهب، والإسراع في تحريك المشاريع المطروحة والمساعدات المقدمة لحل هذه المشكلة، والالتفات إلى مطالب القطاعات العمالية والنقابية والتربوية والشعبية، لجهة رفع الأجور، وتحريك عجلة الاقتصاد تحريكا جديا، لأن البلاد تحتاج إلى تغييرات جذرية حاسمة، لا إلى تغييرات شكلية تبقى في دائرة تعيين مدراء عامين، كما تحتاج إلى ملء الشواغر في كل المطالب الشعبية، لا إلى ملء الشواغر في الإدارات وفق سياسة تقاسم الجبنة التي كانت ولا تزال الشغل الشاغل للمسؤولين والمتنفذين".

وختم:" إننا نؤكد على المسؤولين العمل لتحصين البلد، الذي يراد له أن يكون مشرعا على كل ما يحدث من حوله، وإخراجه من كل ذلك بمزيد من العمل، من أجل ترسيخ الوحدة الداخلية.. وتعميق الحوار، ودراسة الموقف، كي لا تتخذ المواقف الارتجالية.. ولا القرارات غير المدروسة.. ولا نبقى خاضعين لسياسات دولية لا تريد خيرا بهذا البلد".

السابق
صيدا زينت شوارعها استعدادا لاستقبال الراعي
التالي
القادري: لا خلاف بين اللبنانيين على استثمار الثروات النفطية والغازية