هل تُغيِّر روسيا إيجابيتها حيال الأسد؟

لا تزال العلاقات بين سوريا بشار الاسد والولايات المتحدة قائمة. ولا يزال الاتصال بينهما مستمراً عبر بعثتيهما الديبلوماسيتين الموجودتين واحدة في واشنطن واخرى في دمشق. لكن ذلك على اهميته لم يمنع قياديين سوريين محدودي العدد، بعضهم سابق وبعضهم لا يزال في الخدمة، من محاولة احياء الخطوط غير الرسمية وربما السرية التي كانت قائمة بين الدولتين ايام الرئيس الراحل حافظ الاسد والتي انتهى بعضها بعد سنوات قليلة من خلافة نجله بشار له، والتي كان لها دور اساسي واحياناً مفصلي في الازمات الصعبة التي واجهتها سوريا مع محيطها الاقليمي. وابرز الازمات كان الذي حصل بين سوريا وتركيا والذي انتهى بعد موافقة الاسد الأب على "تسليم" الزعيم الكردي التركي الثائر عبدالله اوج ألان الى تركيا. طبعاً كان يتمنى بعض الذين تم الاتصال بهم من الاميركيين، الذين صاروا متقاعدين من دون ان يفقدوا اهتمامهم بما يجري في سوريا والمنطقة ومتابعتهم له، التجاوب على الاقل لمعرفة ماذا يجري على الارض، وما الذي يجري داخل النظام، وما هي القوى الفعلية الحاكمة داخله، ومن هم اعضاء الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس بشار، ومن هو صاحب القرار الرسمي النهائي في سوريا. لكن ترجمة التمني المذكور كانت مستحيلة لأسباب عدة منها عدم موافقة الادارة وحرصها على استعمال خط رسمي واحد مع نظام الاسد تلافيا لاعطائه آمالاً زائفة او أوهاماً  بالقدرة على اللعب على الخطوط الاميركية. ومنها ايضاً معرفة اصحاب التمني نفسه ان بعض المتصلين لإحياء "الاتصال" او "الخط" كان من المدرجة اسماؤهم على اللوائح "العقابية" الاميركية، اذا جاز التعبير على هذا النحو.

هل يعني ذلك ان سوريا الاسد محشورة وتحاول معرفة الآفاق والحلول على نحو غير مباشر قبل اتخاذ موقف نهائي ايجابي او سلبي منها؟ لا يمتلك الاميركيون المعنيون اعلاه جواباً عن ذلك. لكن احدهم الخبير جداً في هذه "السوريا" منذ تأسيسها والى ما قبل سنوات قليلة والعارف العربية على نحو جيد قال: المثل العربي يقول "إن من يفلِّس يبحث عن دفاتره العتيقة او يفتش فيها". فهل وصل النظام السوري الى حال افلاسية ام لا يزال قادراً على تعويم نفسه؟ والجواب الصادق عن ذلك هو انهم عندما تحدثوا عن الاتصالات وعندما سرد احدهم المثل المذكور، وكان ذلك في العشر الاول من شهر حزيران الماضي، كان لا يزال هناك امل في "حل سلمي" للمحنة السورية يقوم على مباشرة النظام اصلاحا فورياً وعميقاً يقنع الناس بالخروج من الشارع، اي باعطائه فرصة. اما الآن، وبعد الذي حصل قبل يومين في حماه، فان احداً لم يعد واثقاً بوجود هذا الامل.

هل يدفع ذلك المجتمع الدولي الى "إحياء" فكرة اصدار مجلس الامن قراراً ضد نظام الاسد، احبطتها في حينه اي قبل اسابيع روسيا الاتحادية والصين الشعبية رغم محاولات الاميركيين والاوروبيين اقناعهما بذلك؟
الجواب، كما يقدمه متابعون اميركيون للأوضاع في سوريا والمنطقة، يرى أملاً في توصل الروس والاميركيين الى توافق حول هذا الموضوع، اذ حصل في آخر محادثات بين الرئيسين اوباما وميدفيديف توافق على موضوع ليبيا كان جوهره ضرورة تنحّي معمر القذافي، وعلى اعطاء وقت لموسكو للعمل على هذا الامر، وعلى التصعيد ضده اذا رفض "العروض". اما في الموضوع السوري، فقد طلب ميدفيديف ابطاء حركة مجلس الامن الرامية الى نزع شرعية نظام الاسد. وابلغ الى اوباما انه على اتصال مع بشار وانه ابلغ اليه ضرورة وقف القمع والبدء في الاصلاح واجراء انتخابات. كما توافق الرئيسان على ان دور سوريا الاقليمي محوري وان انهيار نظامها سيتسبب بتداعيها وانفراطها. وهذا امر لم يحصل في مصر لأن جيشها كان محايداً ومستقلاً رغم عمله مع مبارك فأوجد مخرجاً لانتصار الثوار. اما في سوريا، فإن النظام والجيش والامن واحد، وهذا يعني عدم وجود فريق قوي "وطني" عسكري – امني قادر على قيادة مرحلة انتقالية. ويعني ايضاً ان الإنهيار والإنفراط لا بد ان يؤثرا في جوار سوريا (تركيا – لبنان – العراق – اسرائيل – ايران…). وفي الحديث الاخير المشار اليه اعلاه اتفق الزعيمان الاميركي والروسي على اعطاء الاسد وقتاً وعلى انه لا يمكن ان يكون إلا محدوداً، ذلك ان تداعيات تزايد عدد القتلى ستصعِّب موقف الحكم في تركيا وروسيا.

لكن السؤال الذي تثيره هذه المعلومات كلها هو هل انتهى "الوقت" الذي مُنِح للاسد؟ اولا، يجيب المتابعون، لا بد من التوضيح ان تاريخ المعلومات يزيد عن الشهرين.
 
وثانياً، ان الاسد تبنى خيار القمع والحسم وتخلى عن الاصلاح. وثالثا، ان المجتمع الدولي بدأ بدعوة مجلس الامن الى التحرّك، فهل يتحرّك بموافقة الخمسة الكبار؟

السابق
السوريّ يشتري وطنه، اللبنانيّ يبيعه
التالي
سوريا الأسد: انتهت