تعقل اسرائيلي!

بعد دقائق على حادثة الوزاني صباح امس، سارع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى الاعلان عن ان حكومته غير راغبة بتصعيد الاوضاع على الحدود مع لبنان، وقال إنه أبلغ الجهات المعنية بهذا الموقف، الذي يقفل ملفا طارئا بدل ان يفتح حربا يزداد الحديث عن احتمال نشوبها، برغم ان مبرراتها غير متاحة، لأن كل ما يجري في اسرائيل ولبنان وسوريا يستبعدها، بل ينفيها تماما.

ربما كانت مسارعة نتنياهو الى التهدئة هي من نوع القول، إن الوقت لم يحن بعد للخروج الى حرب على لبنان، لا يمكن ان تندلع نتيجة اطلاق نار عابر بين الجيشين اللبناني والاسرائيلي، اللذين لا يحتاجان الى مثل هذا الحادث لاختبار قدرتهما وجهوزيتهما… لكن السؤال الذي طرح في بيروت وتل ابيب بعد ذلك الحادث العادي، أوحى بأن الجميع يفترض ضمنا ان موعد الحرب يقترب، لا سيما في ضوء الاعتداء الاخير على قوات اليونيفيل، الذي جاء في سياق معروف غايته التذكير بان ثمة جهة واحدة كانت ولا تزال تتمتع بالقدرة على اشعال الجبهة اللبنانية في اي وقت تشاء.

الازمة الاقتصادية التي تواجهها اسرائيل تكبر يوما بعد يوم. وهي أشبه بصدى للازمات التي تعيشها الدول الغربية الممولة والراعية والحامية للاقتصاد الاسرائيلي، الذي لا يمكن ان يظل معافى فيما تقف اميركا واوروبا الغربية على حافة الافلاس، على الرغم من المكانة الخاصة التي تحتلها الدولة اليهودية في الخطط والحسابات الاستراتيجية الغربية والتي تحول دون انهيارها، مهما زادت معدلات الفقر في الغرب.

هذه الازمة التي تهدد استقرار حكومة نتنياهو وربما استمرارها هي مانع حقيقي امام خروج اسرائيل الى حرب جديدة، يضاف الى الموانع المعروفة والمبنية على اساس ان اميركا التي تعطي في العادة الضوء الاخضر لمثل هذه الحرب، لا يمكن ان تنصح بخوضها في الوقت الذي تنهمك في تدبير مستقبل علاقتها مع العراق ومواجهتها مع ايران وتورطها في افغانستان… لا سيما ان التقدير العام الذي لا يشذ عنه احد في العالم كله، هو ان اي اشتباك حدودي، حتى ولو كان في غزه، يمكن ان يتحول بسرعة الى حريق اقليمي هائل نتيجة التربص الذي يحكم جميع الدول والقوى في ظل تحولات عربية داخلية لم يتوقعها احد، ولا يدرك احد محصلتها النهائية.

يضع الاسرائيليون في حسابهم انه عندما يقترب موعد سقوط النظام في سوريا، فانه يمكن ان يلجأ الى عمل انتحاري جديد على الحدود اللبنانية والسورية. لكنهم يميلون الى الاعتقاد ان القوى الرئيسية المتحالفة معه، اللبنانية والفلسطينية خاصة، لن تستجيب لمثل هذا الخيار النهائي، لانه غير مجد ابدا. والاعتداء على اليونيفيل مؤشر واضح في هذا الاطار، برغم انه يمكن ان ينسب الى اجتهاد محلي لبناني او فلسطيني، لا الى تعليمات مباشرة من دمشق.

سؤال الحرب مطروح اكثر من أي وقت مضى، لكنه هذه المرة ليس سؤالا اسرائيليا يندرج في سياق ما يبديه نتنياهو من تعقل مفاجئ وغير مقنع.

السابق
سوريا الأسد: انتهت
التالي
حوار الدبابات في نفق طويل