الولايات المتحدة: اوباما ضعف أولا

 رغم ان من السابق أوانه حتى الان ان نقدر كامل معاني وتأثيرات أزمة سقف الدين، التي عرضت مكانة الولايات المتحدة المالية والاقتصادية والسياسية لتهديد شديد مباشر، فان استنتاجا واحدا اصبح واضحا وهو ان اوباما قد فشل في امتحان الزعامة طوال الازمة كلها التي بلغت الى نهاية عميقة داخل زمن الجروح وقبل لحظة من ان تصبح القوة العظمى عاجزة عن قضاء ديونها.
ان الرئيس قد امتنع من أن يلقي في المعركة بكامل وزنه ومن أن يعرض مبادرات واجراءات تخترق طريقا، اذا استثنينا خطبه للامة وعددا من اللقاءات التي اجراها مع القيادة الجمهورية في مجلس النواب. قد يكون الخوف من الخوف كبل يديه لكن السلبية والابتعاد اللذين أظهرهما أوحيا بالضعف. وبالقياس بالمشاركة النشيطة لرؤساء سابقين مثل فرنكلين روزفلت وهاري ترومان وليندون جونسون الذين لم يحجموا عن استعمال ادوات التأثير والضغط زمن نضالهم لمجلس النواب الجمهوري في قضايا مشابهة، تصرف اوباما تصرفا مختلفا. وقد ترك في الحلبة قائد كتلة الاكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ هاري رد (ونائب الرئيس بايدن في مرحلة المساومة الاخيرة) وامتنع عن التشمير وعن أن يدخل بنفسه الحمام السياسي الساخن. وقد اظهر هذا الانقطاع حذرا زائدا حتى بازاء كارثة آخر الزمان التي على الابواب.
والى ذلك فان الاستعداد الذي أظهره اوباما قبل نشوب الازمة بكامل شدتها، للمس بخطط رفاهة وصحة مركزية، ومنها خطة التأمين الطبي للشيوخ، باعتبار ذلك جزءا من مخطط حل مشكلة الدين الوطني – لم يسهم في تليين مواقف خصومه الجمهوريين. بالعكس، فان هذه المرونة الزائدة التي اشتقت من طموحه الى أن يفوز بجزء كبير من اصوات المستقلين الذين غادروا حزبه في الانتخابات الوسطى في 2010 بجماعاتهم – أسهمت في تشدد آخر لتوجه مؤيدي حركة حفل الشاي. وعلى أثر ذلك تضاءل هامش المناورة الداخلية للقيادة الجمهورية البرغماتية في مجلسي النواب في مقابل تحدي "حفل الشاي". وهكذا وعلى نحو تناقضي، فتحت جبهة ثانية في الازمة صعبت تسويتها أكثر وهي الجبهة بين الجناح العقائدي المقاتل من كتلة الاكثرية الجمهورية وبين المعسكر الجمهوري الذي هو اكثر اعتدالا والذي نجحت قيادته في ان تصوغ في آخر لحظة صيغة التسوية المخلصة.
ثمّ آخر الامر احراز اتفاق. وهو في واقع الامر وثيقة استسلام ديمقراطية. وبرغم أن الكابوس الرئاسي لازمة اخرى في سنة الانتخابات القادمة قد اُبعد عن اوباما فقد اضطر حزبه الى ان يطوي رايته الاجتماعية في خزي. لانه لا يوجد في الاتفاق الذي تم احرازه تناول مباشر لرفع الضرائب على العشريات العليا. ودفعت القضية كلها الى هامش الامور باعتبارها جزءا من خطة مستقبل غير محددة بقدر كاف (اصلاح النظام الضريبي". في مقابل هذا سيكون الاضرار بطائفة كبيرة من البرامج والافضالات الاجتماعية محسوسا وفي الامد القصير (بدءا من 2012). ويعرف لاظهار الضعف من قبل من يجلس في الغرفة البيضوية اهمية عالمية لا داخلية فقط. ففي هذا ما يثير تساؤلا عن منعة العملاق الامريكي المتعثر، واستقراره وصدقه. ففضلا عن ان التنفيذ بخفض تدريج اعتماد الولايات المتحدة لم يزل بعد، بدأت الان تزداد الشكوك في قدرة الادارة – الغارقة في ازماتها، وصعابها في الداخل – على اظهار زعامة في الساحة الخارجية وقيادة حليفاتها بيد واثقة الى مجابهة التحديات والخطر على الاستقرار الدولي (ويشمل هذا بالطبع منطقة الشرق الاوسط).
تستعد الولايات المتحدة لسنة الانتخابات التي قد تغرقها في نفسها أكثر. والسؤال الذي يُسأل هو: هل العالم – الذي لا يتوقع من أمريكا الزعامة بل تعميق مشاركتها السياسية والاقتصادية في ميادين الازمات المختلفة – يستطيع أن ينتظر بصبر انتعاشها المأمول. ستساعد الشهور القريبة على توضيح هل سيستغل ضعف القيادة الذي اظهره البيت الابيض خلال الازمة، حتى النهاية في المعركة الانتخابية. والى الان لم يرتفع الى أعلى مرشح جمهوري يثير الانطباع بقدر كاف ويكون قادرا على انشاء تحالف غالب ويحرر نفسه في اثناء ذلك من قبضة حركة حفل الشاي. وعلى هذه الخلفية سيكون من المثير للاهتمام ان نرى هل ستكون سنة 2012 سنة الفرصة الضائعة لهذا الحزب. 

السابق
لن تقع حرب 1948
التالي
معركة مبارك الأخيرة