لبنان.. غياب مؤقت

تغطي أحداث صيف العالم العربي الملتهب في أكثر من قطر, والكامنة نيرانه تحت الرماد في أقطار أخرى على ما يجري في وطن الأرز الذي اعتدناه شاغلاً للناس, حتى أن معظم المواطنين العرب يعرفون أين يسكن قادته باعتبار أن الاعلام اللبناني النشط والفاعل ظل يردد على أسماعنا أسماء فرن الشباك وقريطم والمختاره وما إلى هناك من أسماء, لكن هذا الغياب القسري لايعني بحال أن الأمور هناك هادئة ومستقرة, ولعل دليل ذلك أن صيف لبنان السياحي الذي كان مأمولاً أن ينهض باقتصاده كان باهتاً, وغاب عن شواطئه وجباله السواح الذين اعتادوا قضاء صيفهم هناك في كل عام.

نحن ننظر اليوم إلى بلد احتاج فيه رئيس الوزراء المكلف إلى خمسة أشهر ليتمكن من إعلان تشكيل حكومته, مع أنه مدعوم من أكثرية نيابية ناجمة عن انسحاب السياسي الاشكالي وليد جنبلاط من كتلة المستقبل ما أفقد حكومة الحريري الابن ثقة المجلس النيابي, وبالرغم من أن حكومة ميقاتي توصف بأنها حكومة اللون الواحد فان التباينات داخل بيت هذا اللون أخرت التشكيلة الحكومية وظل البلد طوال خمسة شهور صعبة يعيش في ظل حكومة تصريف أعمال لاتملك من أمرها شيئاً وبحيث مارس رئيسها دوراً لايزيد عن دور أي رئيس بلدية في وقت كان عليه اتخاذ قرارات سياسية مهمة ومصيرية.

اليوم يأخذ رئيس الحكومة إجازة بعد إرهاقه في عملية التشكيل, بينما هو مطالب بدراسة موقع حكومته على الخارطة الاقليمية والدولية خصوصاً وأن لبنان معروف بتأثره العميق بما يجري حوله وفي مرحلة تجبره على التعاطي مع المجتمع الدولي على خلفية المحكمة الخاصة باغتيال رفيق الحريري, وهو هنا أمام موضوع شائك بالغ التعقيد لجهة أن المتهمين بالضلوع في جريمة الاغتيال ينتمون لحزب الله وهو الداعم الرئيس لحكومة ميقاتي الثانيه, وعليه التفكير بجدية في وسيلة للخروج من هذا المأزق بحيث لايبدو لبنان دولة مارقة تتمرد على الشرعية الدولية وفي الوقت نفسه لايعادي الجهة الرئيسة الداعمة له والتي أتت به إلى السراي الحكومي.

في لبنان اليوم يتعذر البدء بحوار وطني يصر عليه رئيسا الجمهورية والحكومة, وترفضه كتلة المستقبل على أساس أنه سيكون بدون جدوى ما دام السلاح بيد حزب الله هو سيد الموقف، ويخشى كثيرون أن تكون هيئة الحوار الوطني غير دستورية لانها ستسحب الكثير من سلطات الحكومة ولأنها ستضم ممثلين لكل الأطراف اللبنانيين مما يجعلها اما غير منتجة وإما مُشعِلة لفتيل انفجار داخلي كبير على خلفية التباين الرئيس في وجهات النظر إزاء مفهوم الدولة اللبنانية التي يريدها البعض مستقلة بالفعل وليس بمجرد الكلام, بينما يريدها آخرون جزءا من منظومة إقليمية تتحرك على وقع مصالحها مجتمعة وليس على وقع المصلحة اللبنانية أولاً وأخيراً.

بالطبع يبدو صعباً شطب إسرائيل من المعادلة اللبنانية, وليس بعيداً نشوب حرب جديدة على غرار حرب تموز نتيجة خطأ هنا أو تجاوز هناك, وحزب الله الذي يقود الدولة اللبنانية اليوم على طريق الممانعة لايستبعد ذلك, وهو يعد نفسه لمواجهة نتائج تلك الحرب, كما أن إسرائيل قد تلجأ لذلك الخيار للخروج من أية أزمة قد تعصف بحكومة نتنياهو التي تنتظر خريفاً ساخناً في أيلول إن نجحت خطة الفلسطينيين في الحصول على اعتراف أممي بدولتهم على حدود 67 بما في ذلك القدس وبما يحيل موضوع الاشتباك مع الفلسطينيين إلى النزاع على أراض محتلة وليس كما هو الواقع اليوم الذي يحصرها في أراض متنازع عليها.

في لبنان.. وإن غاب عن ساحة الاعلام كل ما يلزم لعودته بقوة ليحتل الواجهة وسيكون ذلك قريباً وقريباً جداً.

 

السابق
الأمين: «حزب الله» يزرع في ذهن مناصريه فكرة معاداة الدولة ليهيمن على كل شيء في لبنان ويمنع قيام الدولة
التالي
سليمان يؤكد الالتزام بالقرار 1701 ويدين ما تعرضت له اليونيفل