من الخيارات الضيقة الى خيار مغلق؟

 ليس قدرا لا يرد ان يسير الفلسطينيون على طريق الاخطاء المغرية. لكن بعض هذا، مع الاسف، ما حدث في الماضي ويحدث اليوم ويبدو مرشحا للحدوث في المستقبل. فما قاد اليه اغراء القرار المستقل هو التسليم بلعبة خطرة عنوانها التخفف من المسؤوليات العربية عن الاساس القومي للصراع العربي – الاسرائيلي لمصلحة الفروع القطرية اذ صار لكل بلد قضية يتمسك بها وحده ويفاوض عليها واصبح ما يسمى النزاع الفلسطيني – الاسرائيلي هو الملف على الطاولة او على الارض وما قاد اليه اغراء السلطة ليس فقط الذهاب المنفرد لمنظمة التحرير الى اتفاق اوسلو بل ايضا الانفصال السياسي والعسكري بين الضفة الغربية وغزة بعد سنوات من اوسلو، وهو الان من الاسباب التي يتعثر بها تطبيق المصالحة الفلسطينية بين فتح وحماس.

وليس غريبا في نقل هذه الحال ان تصبح الخيارات ضيقة امام الفلسطينيين، سواء في رام الله او غزة او بالنسبة اليهما معا. الغريب هو الوصول الى مرحلة الخيارات المغلقة او اقله التصرف على هذا الاساس. فالخلاف بين فتح وحماس على رئيس الحكومة الانتقالية التي تمهد للانتخابات التشريعية والرئاسية يغلق طريق المصالحة في وسطها. والخلاصة التي توصلت اليها السلطة هي، كما يقول الدكتور نبيل شعث، ان المفاوضات عبثية والمقاومة مستحيلة، وخيارنا الذهاب الى الامم المتحدة. ولا مجال للشك في ان المفاوضات عبثية، وان كانت الاراء مختلفة حول كون المقاومة مستحيلة او ممكنة. فرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يعلن ان الصراع غير قابل للحل. ورئيس الدولة شمعون بيريس يحذر من التسليم باستحالة الحل قائلا: نحن على وشك الاصطدام بالجدار والركض بقوة نحو وضع نخسر فيه وجود اسرائيل كدولة يهودية. والاخطر هو ان الرئيس باراك اوباما الذي راهن الفلسطينيون والعرب على دوره في تسوية تحدث عنها غير مرة واعتبرها مصلحة حيوية اميركية واسرائيلية وعربية يكاد ينفض يده من مساعي التسوية بعد اصدامه بنتنياهو والتراجع امامه والاجتماع الاخير للرباعية الدولية، انتهى حتى من دون تغطية العجز ببيان من ورق. لا بل ان السفير الاميركي سابقا في اسرائيل دانيال كيرنزر يسأل

ببساطة: ماذا يفعل رئيس اميركا القوة العظمى عندما يقول له رئيس وزراء اسرائيل: لا؟ ويجيب بوضوح: لا شيء. يسكت ويغير الموضوع.

لكن ما تسميه السلطة الفلسطينية خيار ايلول مهدد أيضا بأن يصل الى طريق مسدود. فالذهاب الى الجمعية العمومية بمشروع الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس والمطالبة بقبولها عضواً كامل العضوية في الامم المتحدة يحتاج الى قطع ممر اجباري في مجلس الأمن. وفي ممر المجلس الذي يوصي او لا يوصي بقبول العضوية جدار الفيتو الاميركي.
ولا شيء يشير حتى الآن الى امكان ان تنجح الجهود في زحزحة الجدار. فالرئيس اوباما مُصرّ على ممارسة الفيتو، بحجة ان الذهاب الى الامم المتحدة يغلق الفرص الممكنة لمعاودة التفاوض بين الفلسطينيين واسرائىل باشراف اميركا. لا اعتراف ١٣٠ دولة بالدولة الفلسطينية حتى الآن يغير موقفه. ولا استطلاع الرأي الذي اكدت خلاله الاكثرية من الاميركيين الذين انتخبوه رئيساً تأييد خيار الدولة. وحسب استطلاع الرأي الذي كشف ارقامه جون زغبي مدير مؤسسة زغبي للابحاث، فان ٥٠% من ناخبي اوباما يرون ان مصالح اميركا واسرائىل ليست متطابقة، و٧٣% منهم يريدون اتخاذ مسار وسطي بين اسرائىل والفلسطينيين مقابل ١٠% يؤيدون الانحياز الكامل لاسرائىل و٦% يؤيدون الانحياز الكامل للفلسطينيين. حتى المصالحة بين فتح وحماس والتي هاجمتها اسرائىل ولم تتحمس لها اميركا، فان ٦٧% من ناخبي اوباما قالوا انهم يؤيدونها.

والسؤال بالطبع هو: ما العمل؟ هل تصر السلطة على الذهاب الى الامم المتحدة ومواجهة الفيتو الاميركي ام تبحث عن مخرج للنزول من على الشجرة العالية بسبب الحاجة الى اميركا ودورها؟ الجواب حتى الآن هو الاصرار على خيار ايلول. لكن كشف الموقف الاميركي، على اهميته، شيء وتحقيق انتصار عملي، لا رمزي، شيء آخر.
فلا بد من مراجعة المواقف، اولا لجهة العودة الى جوهر الصراع العربي – الاسرائىلي واطاره الواسع. وثانيا لجهة البحث في خيار المقاومة من ضمن استراتيجية جديدة قد تصبح متاحة في الربيع العربي الجديد. وثالثا لجهة الضغوط على اميركا بدل الخضوع لضغوطها.
والفارق كبير بين ان تكون الخيارات ضيقة وان تكون في طرق مسدودة. 

السابق
رسائل نصر الله… وعود بالثراء النفطي لتغطية الإفلاس السياسي
التالي
«قبل الشاه وبعده» لا فرق.. «قبل صدام وبعده» لا فرق