فضل الله دعا الى لقاء جامع في رمضان: لتدارس كيفية حماية لبنان

 ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته السياسية: "في اللحظة السياسية التي تعيش فيها المنطقة وسط ضباب التحركات والثورات العربية التي لا يبدو لها نهاية واضحة على المدى القريب، لا تزال الإدارة الأميركية تحاول احتواء هذه الثورات، فيما تترك الأبواب مشرعة أمام كيان العدو لمواصلة حصار غزة والاعتداء على الفلسطينيين في الضفة والقدس".

أضاف: "إننا في الوقت الذي نتطلع باعتزاز إلى سعي الشعوب العربية للتخلص من جلاديها ومن الديكتاتوريات المدعومة غربيا وأميركيا، ندعوها مجددا لفهم اللعبة التي تريد إجهاض طهارة منطلقاتها، ولقطع الطريق على محاولة تشويه حركتها باعتماد أوصياء دوليين أو إقليميين كانوا هم السبب في مأساتها ومعاناتها قبل غيرهم، وعدم الوقوع في فخ الفوضى الذي يراد للعالم العربي أن يغرق فيه خدمة للمشاريع الصهيونية والاستكبارية".

وتابع: "في موازاة ذلك، لا بد للمسلمين والعرب من الالتفات إلى حجم الهجمة الكبرى التي لا تستهدف كياناتهم وثرواتهم فحسب، بل تستهدف إسلامهم وانتماءهم الديني وجالياتهم وانتشارهم العالمي، وليست الجريمة الوحشية التي ارتكبت في النروج وذهب ضحيتها العشرات، والتي أعلن مرتكبها وبكل صراحة أنه يستهدف الإسلام والمسلمين ومن يدافع عنهم، إلا صورة من هذه الصور التي يراد لها أن تتعمق في الوجدان الغربي وفي الموقف العام من المسلمين. ومع أن هذا السفاح الذي ارتكب هذه الجريمة، يعلن صراحة عن ولائه للصهيونية وعشقه لكيان العدو، ويتحدث عن "وحشية الإسلام وأحقية الحرب الصليبية"، إلا أننا نرى إصرارا من الإدارات الغربية على عدم معالجة هذه الظاهرة، وعلى إدارة الظهر للحالات المتفشية في المجتمعات الغربية التي تعتمد فيها سياسة التمييز العنصري ضد المسلمين".

ورأى "أن الحرب التي أعلنت في دوائر الغرب على الإسلام، واتهامه بالإرهاب، والإساءة إلى رموزه الأساسية، وعلى رأسها ما تعرض له رسول الإسلام من تشويه صورته، هذا إلى جانب ما روج له الإعلام الغربي، عبر تصويره الكيان الصهيوني بأنه ضحية الإرهاب العربي والإسلامي، وعدم تقديم الحقيقة في هذا المجال، وتوجيه الأنظار الدائم إلى خطر الجاليات الإسلامية على الواقع الديموغرافي للغرب وعلى مستقبله على المستوى الديني، إننا نعتقد أن لهذا دورا في بروز ظاهرة التطرف اليميني في الغرب وتقويته".

وقال: "لذلك، نحن ندعو دوائر الغرب ومواقعه السياسية والإعلامية، إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه الإسلام والمسلمين، وتبيان الفارق ما بين الإسلام والإرهاب، كما بين الإرهاب ومقاومة العدو الصهيوني، فمقاومة الشعب الفلسطيني أو اللبناني للكيان الغاصب أرضه، ليست اعتداء على هذا الكيان، بل هي مقاومة لاستعادة الحقوق المغتصبة، كذلك ندعو إلى اعتبار وجود الجاليات العربية والإسلامية في الغرب مظهرا لتنوع إيجابي لا سلبي، وخصوصا أن الدور الذي تقوم به هذه الجاليات، يقدم خدمات كبيرة للمجتمع الغربي، بالقدر نفسه الذي يستفيدون منه، وإذا كان من ممارسات يقوم بها البعض ممن يسيئون إلى أمن تلك الدول ومصالحها، فليس الأمر قاعدة، بل استثناء، وهو لا يمت إلى قيم الدين الإسلامي بصلة، في الوقت الذي نستغرب بشدة، أنه بمجرد أن يقع حدث إرهابي، توجه الصورة إلى الإسلام والمسلمين، كما حصل في الحادثة الأخيرة".

أضاف: "في الوقت نفسه، نؤكد ان على الجاليات الإسلامية في الغرب تدارس الأسلوب الأمثل لمواجهة هذه الظاهرة، لتقوية مواقع وجودهم في الغرب من خلال عملهم، ليكونوا شركاء حقيقيين في تلك البلاد، لا ضيوفا طارئين عليها، بحيث يشاركون في قضاياه السياسية والاجتماعية، مع ارتباطهم بقضاياهم على مستوى بلدانهم أو قضايا المسلمين، وأن يقدموا من خلال سلوكهم وتعاملهم صورة الإسلام، وقيمه وأخلاقه، في مقابل كل الصورة السلبية التي رسمت في أذهان الغربيين، وفتح سبل الحوار المطلوب بين الشرق والغرب، وبين الغرب والإسلام، لجعل الغرب يفهم الإسلام على حقيقته، ويعي عدالة قضايا المسلمين، وبذلك نفهم العالم العربي والإسلامي واقع الغرب، ويتم التفريق بين السياسات التي تتبعها الإدارة الغربية والشعوب".

وأشار الى "المأساة الكبرى المتمثلة في المجاعة التي تطال القرن الأفريقي، وخصوصا الصومال، والتي تتهدد أرواح الملايين بفعل الجفاف والأسباب الطبيعية من جهة، ومن خلال سياسة الهيمنة الدولية التي عملت على إفقار هذه الشعوب ونهب ثرواتها.. من جهة ثانية"، وقال: "نستغرب صمت العالم الإسلامي والدول الإسلامية والعربية التي تدفع مئات المليارات من الدولارات للادارات الغربية في صفقات السلاح الكبرى وغيرها، بينما لا تتحمل هذه الدول مسؤولياتها كاملة أمام النتائج المؤلمة التي تتسبب فيها هذه المجاعة، والتي يسقط فيها الناس يوميا، دونما التفاتة إلى كلام رسول الله: "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم"، "ليس منا من بات شبعان وجاره جائع"… ونحن نتساءل: لو لم يكن هؤلاء من المسلمين ومن مستضعفي العالم الثالث، فهل كانت النظرة إليهم هي هذه، أو أن العالم كان سيتداعى لتوفير كل سبل الحماية لهم؟!".

وتابع: "أخيرا، إننا في لبنان، الذي نختلف فيه على جنس الملائكة، وعلى السلاح الذي لا ينفي أحد أنه شكل مشكلة للعدو لا يزال يعاني من نتائجها، لا نزال نستمع إلى تهديدات قادة العدو بتدمير لبنان تدميرا كاملا في أي حرب مقبلة، ونراقب سعي العدو لوضع اليد على ثروتنا النفطية، الأمر الذي يوجب نسيان خلافاتنا الداخلية، والقفز فوق ركام السجالات المتواصلة، لنكون في موقع الوحدة القادرة على مواجهة كل التحديات الخارجية، وخصوصا التحدي الصهيوني في القضية الأمنية والسياسية، كما في القضية الاقتصادية المستجدة الآن".

وقال: "إننا ندعو اللبنانيين، ولا سيما المسلمين، إلى لقاء جامع في ظلال شهر رمضان المبارك، بكل ما يمثل من معاني روحية وإيمانية وتربوية، لتدارس كيفية حماية لبنان من التطورات المعقدة في المنطقة، ومن هجمات الخارج الذي يوجه سهامه إلى الوحدة الداخلية تحت عناوين ولافتات مختلفة، وأن يخرجوا لبنان من أن يكون ساحة لتجاذب الآخرين على أرضه، ولتوجيه الرسائل من خلاله. كما ندعو إلى أن يكون الخطاب في حفلات الإفطار التي تقيمها المواقع السياسية والاجتماعية والدينية، مناسبا وموجها لتقوية الساحة الداخلية واستقرارها، لا لإثارة التعقيدات فيها، ولتمييز العدو من الصديق، لا أن يصبح العدو صديقا والصديق عدوا، ومن أجل تأكيد أن الحوار الموضوعي هو السبيل لحل كل القضايا العالقة، بدلا من كل أجواء التشنج والتراشق الكلامي، أن يكون الخطاب منطلقا من معنى هذا الشهر ولحسابه لا على حسابه".

وأكد "ان علينا الحرص على جعل رمضان شهر التسامح والمحبة، لا شهر التحاقد والتباغض، وأن يكون شهر التواصل لا شهر التباعد، وأن يكون شهر تجاوز الذات لحساب الآخر، لا أن يكون شهر تأكيد الذات والعصبيات الطائفية والمذهبية والسياسية، أن يكون شهر الخروج من واقع الضعف إلى واقع القوة".

وختم: "أيها اللبنانيون، إن المرحلة صعبة، وقد دخلت المنطقة في أشهر اللهيب التي تختلط فيها حرارة الصيف بحرارة الوضع السياسي المعقد، ولا شيء يحمي هذا البلد إلا الحوار الهادئ، والتلاقي على الثوابت الوطنية، وعلى استراتيجية مستقبلية راسخة.
وكفانا إثارة للحساسيات الطائفية في هذه القضية أو تلك، أو في هذا الموقع أو ذاك، لأن الحريق الطائفي أو المذهبي إن هو انطلق، سيكون أشد حرا من حر الصيف الذي نخشى في هذا الجو أن لا يحرق الأخضر واليابس، بل أن يحرق البلد كله.. كفوا عن اللعب، وأخلصوا لبلدكم ولمستقبل أجيالكم". 

السابق
جعجع: نصرالله يعتبر نفسه صاحب الولاية الفعلية في لبنان
التالي
إيران: الرجل الثاني يصبح الرجل الصفر