الحياة تدبّ في البرلمان

بين جلسة الثقة قبل أسبوعين والجلسة التشريعية العامة يومي الأربعاء والخميس المقبلين، تختبر مكاتب المجلس النيابي تجربة جديدة، أبطالها ثمانون متدرباً من كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية يساعدون نواب الأمة، بغير القهوة وطباعة البيانات

ينهي النائبان فادي الأعور وعلي عمار على عجل غداءهما ليعودا إلى المجلس. في مكتب عضو كتلة القوات اللبنانية شانت جنجنيان لغة فارسية، لكن لا، ليس شانت من يتعلم الفارسية ليهاجم «حزب ولاية الفقيه» بلغة الولاية، بل هما دبلوماسيان من السفارة يتبادلان الأفكار مع النائب الزحلاوي. يدخل النائب نعمة الله أبي نصر وزميلته الكسروانية في «التغيير والإصلاح» جيلبرت زوين في المصعد أملاً بالصعود، ثم يفاجآن بالمصعد يصعد إلى آخر الطبقات في مكاتب المجلس (السابعة) بدل أن ينزل. يضحك هو لقول أحدهم إن الست اعتقدت أنهما سيكونان وحيدين في المصعد فكبست الزر السابع، أما هي فتعتب بعينيها.
لكن هؤلاء وطرائفهم الكثيرة ليسوا من يملأون مكاتب المجلس حياةً هذه الأيام. فالأبواب مفتوحة هنا منذ 20 يوماً لثمانين متدرباً من طلاب كلية الحقوق (باللغة الفرنسية) في الجامعة اللبنانية.
يمكن أن يشعر أيّ كان بهؤلاء في المقاهي المحيطة بالمجلس، التي نادراً ما يؤمّها شباب لبنانيون خلال النهار. قبالة المبنى الخاص بمكاتب النواب تراهم مجموعات يناقشون موضوعاً هنا وآخر هناك، تعجز كاميرات الإعلاميين عن التقاط كادر لنائب من دونهم. قاسم هاشم «الحاضر ناضر» دائماً في المجلس وجد أخيراً جمهوراً يحاول إقناعه بالانضمام إلى حزب البعث. باسم الشاب يراقب المشهد «متعجّباً» (كالعادة). النائب غازي زعيتر يمازح الطلاب وزميلَه غسان مخيبر قائلاً إن على نواب الأمة التناوب على دعوة طلابها إلى الغداء. يكاد أحمد فتفت أن يأتي إلى المجلس بثياب رياضية. غسان مخيبر يتنقل ـــــ طائراً من الفرح ـــــ بين مكتبة المجلس ومكتبه مروراً باللجان المشتركة. سمير الجسر يضحك من قلبه. روبير غانم يقف بين الشباب. ألان عون لم يعد وحيداً، هناك في المجلس أخيراً من يشاركه الأفكار الشبابية. ليس فقط مكتب الرئيس فؤاد السنيورة مفتوح. المعجزة هي باب مكتب النائب سعد الحريري المفتوح. تشجع أجواء المجلس الجديدة حكمت ديب على فكّ ربطة العنق كما فعل زميله ميشال الحلو.
الظاهرة بدأت بلقاء تعرف خلاله الطلاب إلى عمل النواب. ولاحقاً طلب مخيبر من الكلية نفسها متدربين، ففوجئ بثمانين اسماً، واستكملت المفاجأة بإظهار هؤلاء استعداداً لهذه التجربة التطوعية. بدل أن يمضي الشباب صيفهم على البحر أو في إحدى البلدات الجبلية أو بين «المولات»، تراهم هنا، موزعين ثلاث مجموعات: واحدة تواكب عمل اللجان، واحدة تواكب بعض النواب وواحدة تعدّ ملفات خاصة مع النائب مخيبر. حنان قنديل التي أنهت قبل أشهر سنتها الجامعية الرابعة ترى أن الخبرة ضرورية لطلاب الحقوق في هذا المكان، حيث يمكنهم اكتساب الخبرة إذا حظوا بوظيفة في المجلس أو فازوا مستقبلاً بكرسي نيابي. هنا تكتشف، تقول قنديل، من هو المشرّع وكيف يشرّعون القوانين. سمح النائب غانم للطلاب بحضور جلسة للجنة الإدارة والعدل، رغم إلزام القانون النواب بسرية المداولات. نقاشات تفصيلية تحصل في الداخل، بحسب قنديل، توصل إلى القانون في صيغته النهائية. سمير الجسر رفض حضورهم جلسة للجنة الدفاع، أما إبراهيم كنعان فسُرّ بهم. بداية أربعة نواب فقط ردوا على رسالة مخيبر الذي أنبأ المئة وسبعة وعشرين نائباً (استثنى رئيس المجلس فقط) باتفاقه مع الجامعة اللبنانية، أوّلهم النائب أحمد فتفت. لاحقاً، حين شاهد النواب الزحمة الطالبية في أروقة المجلس تحمّسوا: «رأينا نديم الجميّل مرة واحدة، أما سامي الجميّل فطلب مجموعة متدرّجين، التقى بنا وكلّف مكتبه بالمتابعة معنا لإعداد دراسة عن قانون الانتخاب»، تقول طالبة. «لاحظنا أن بعض النواب لا يحضرون أبداً إلى المجلس، وبعضهم لم نره سابقاً»، تقول أخرى، مشيرة إلى استعانة الطلاب غالباً بابنة شقيق الرئيس حسين الحسيني لتعريفهم إلى النواب. المحامي نادر النقيب اتصل من مكتب الرئيسين السنيورة والحريري ليطلب 10 متدرّجين. «محمد قباني طبيعياً هو غيره تلفزيونياً»، تقول إحدى المتدرّجات. «العونيون متحمّسون جداً لكنهم متطلّبون جداً»، يقول متدرّج، ليضيف آخر: «الله يعين الذي يعمل معهم». حتى غازي زعيتر طلب مجموعة تعاونه بدءاً من الأسبوع المقبل. واكتشافات الطلاب لا تنتهي: «النائب أنطوان زهرا مثلاً لا يحتاج إلى مساعدة في «الملفات» التي يُعدّها، ولا النائب إيلي ماروني. الاكتفاء الذاتي يشمل أيضاً نواب حزب الله وبدر ونوس ويوسف خليل وهنري حلو وكثيرين آخرين».
المهم أن أمينة المكتبة في المجلس النيابي رأت أخيراً زائراً في مكتبتها يطلب كتاباً ويقضي ساعات في مطالعته. هي وفّرت لهم أخيراً الكراسي ومياهاً للشرب وماكينة لتصوير المستندات. صحيح أن بعض أمناء السر أبدوا امتعاضهم من هؤلاء الذي يحضرون في التاسعة صباحاً، ولا يغادرون أبداً قبل الواحدة ظهراً، إلا أن أمناء سر آخرين تحمّسهم التجربة. والتجربة تظهر جدياً حاجة النائب الراغب في ممارسة عمل تشريعي حقيقي إلى فريق عمل. والجدير ذكره أن الاتفاق بين المجلس النيابي وكلية الحقوق شمل تأكيداً أن عمل الطلاب سيكون بحثياً بامتياز، ولا علاقة له بإعداد القهوة أو تصوير الملفات. غسان مخيبر نفسه لا يصدق الضوء الأخضر الذي أتاه من رئيس المجلس: أخيراً سمحوا له بأن يحقق أحد أحلامه.

السابق
ثروة قاتلة
التالي
المسيحيون وسورية