النهار : أمن “اليونيفيل” ومشاورات بعبدا تبرز استبعاد الحوار قريباً

 ظلّل التفجير الذي استهدف مساء الثلثاء في صيدا الكتيبة الفرنسية العاملة في "اليونيفيل" المشهد الداخلي المأزوم، نظراً الى خطورة أبعاده في ضوء التعاقب السريع للضربات التي تستهدف القوة الموقتة للامم المتحدة في لبنان وخصوصاً الكتيبتين الايطالية والفرنسية اللتين تشكلان عمودها الفقري.
واذ بدت النتيجة الفورية لهذا التطوّر تعجيل ايطاليا في قرار سحب 700 جندي من 1700 هم عديد جنودها في "اليونيفيل"، أبلغت مصادر معنية بالاتصالات الديبلوماسية التي اعقبت عملية التفجير الاخير في صيدا "النهار" ان فرنسا لم تلمح الى اي اجراء محتمل بعد استهداف كتيبتها، لكنها بدت حازمة جداً في طلبها كشف الجهة او الجهات المتورطة في الاعتداء على جنودها في اقصى سرعة، وان يتحمل لبنان مسؤولياته الكاملة في حماية القوة الدولية واظهار جديته وقدرته على وضع حد لمسلسل استهدافها من طريق اجراءات قضائية وأمنية فعالة.
وقالت المصادر إنه، الى التحقيقات التي تجري في التفجير، طرح امس في اجتماع لبناني – دولي انعقد في سرايا صيدا موضوع امن "اليونيفيل" خارج مناطق انتشارها في جنوب الليطاني وخصوصاً في ضوء ظاهرة تكرار استهداف وحدات منها في صيدا، الامر الذي ترافق مع معلومات عن قرار ظرفي اتخذته قيادة هذه القوة بوقف موقت لرحلات وحداتها خارج بقعة عملياتها وانتشارها. واضافت ان قيادة "اليونيفيل" تعمل بالتشاور مع قيادة الجيش على تحديث خططها من اجل مواجهة خطر القيام بعمليات مماثلة ضدها.
وتواصلت في غضون ذلك التحقيقات الاولية في حادث التفجير وكلّف مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية صقر صقر الشرطة العسكرية ومخابرات الجيش اجراء هذه التحقيقات. وتسلّم صقر تقريراً اولياً من الخبير العسكري يفيد ان زنة العبوة التي استهدفت آليات عسكرية للكتيبة الفرنسية اربعة كيلوغرمات ونصف كيلوغرام من مادة "تي ان تي" زرعت في الارض الترابية وكانت موصولة الى شريط تفجير قالت مصادر التحقيق ان طوله بلغ 120 متراً. واوضحت ان اشخاصاً كانوا في محيط مكان الانفجار لدى حصوله يخضعون للتحقيق في اطار جمع المعلومات، مشيرة الى ان احداً لم يوقف بعد.
وفيما اثار الحادث مزيداً من التنديد الدولي امس، حذّر رئيس الجمهورية ميشال سليمان من ان "تكرار مثل هذه الاعتداءات لا يصب في مصلحة لبنان وصورته الخارجية". وقال: "إن العبث بالأمن ممنوع تحت اي سبب وخصوصاً تجاه الدول الصديقة والشقيقة التي ارسلت جنودها لمساعدة الجيش اللبناني في حفظ الامن والاستقرار في الجنوب وتطبيق القرارات الدولية ولا سيما منها القرار 1701".
واعترفت أوساط وزارية لـ"النهار" بأن هذا الحادث أثقل جدول استحقاقات الحكومة وخصوصاً من الناحية الأمنية، اذ جاء بعد اسبوعين تقريباً من اطلاق الاستونيين السبعة في ظروف بالغة الالتباس والاحراج للحكومة، الامر الذي يظهر انكشاف لبنان امام محاولات العودة الى استباحته وإضعاف هيبة الدولة. وتوقعت ان يطرح هذا الموضوع في الجلسة المقبلة لمجلس الوزراء ضمن مجموعة عناوين تتقدم صدارة الاستحقاقات الراهنة، في حين تتصاعد انتقادات لأداء بعض الاجهزة والتوقيفات "الاعتباطية" التي ارتكبت أخيرا ومنها توقيف الناشط في مجال حقوق الانسان سعد الدين شاتيلا، ومن ثم توقيف الفنان زيد حمدان امس بتهمة القدح والذم برئيس الجمهورية على خلفية أغنية له، فيما تيبن ان رئيس الجمهورية لم يكن على علم بتوقيفه. وقالت إن التفرغ للاستحقاقات الكبيرة ومنها ملف المحكمة الخاصة بلبنان وموضوع ترسيم الحدود البحرية والاعتداءات على "اليونيفيل" يستلزم ضبط الاداء الداخلي للأجهزة والوزراء لئلا تساهم الاخطاء المتراكمة في توفير هدايا مجانية للمعارضة.
وكانت الامانة العامة لقوى 14 آذار أدرجت الاعتداء على الوحدة الفرنسية في "توقيت اقليمي مشبوه ولمصلحة محور اقليمي بذاته"، معتبرة ان الاعتداء "يمثل ترهيبا لأهل الجنوب خصوصا الذين وضعوا ثقتهم في ثنائية الجيش – اليونيفيل حماية لأمنهم في وجه التهديدات الاسرائيلية".
أما رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع فلاحظ أن الاعتداء جاء بعد زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي لفرنسا، مشيرا الى "أن البعض أراد القول إن الجيش والدولة والمؤسسات لا علاقة لها بشيء بل هي في الواجهة صورياً فقط، ومن له أذنان سامعتان فليسمع".
وسط هذه الاجواء استبعد مطلعون ان يتمكن رئيس الجمهورية من وضع جدول أعمال للحوار الذي يزمع الدعوة اليه خلال شهر رمضان بكامله. وقال هؤلاء إن سليمان، الذي سينتقل في الثالث من آب الى المقر الرئاسي الصيفي في بيت الدين لمدة ثلاثة أسابيع سيتابع مشاوراته خلاله مع سائر القوى السياسية وأقطابها سعيا الى وضع جدول أعمال مقبول لدى الجميع، لكن مهمته تبدو شاقة وصعبة للغاية هذه المرة، خصوصا ان المشاورات التي أجراها حتى الآن مع عدد من أقطاب الاكثرية والمعارضة أظهرت تعارضا شديدا وعميقا وتمسكا لدى كل فريق بوجهة نظره مما يصعب معه تحقيق اختراق قريب في هذا المجال.
وكان سليمان تناول هذا الموضوع أمس مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قالت اوساط قريبة منه إن رئيس الجمهورية لا يزال في مرحلة الاستماع قبل تحديد الأطر المناسبة لشكل الحوار، وإن ما لمسه من المشاورات التي أجراها يعزز اقتناعه بالحاجة الملحة الى الحوار في القضايا الخلافية، إلا أن كل فريق لا يزال متشبثا برأيه في موضوع الاستراتيجية الدفاعية.
وشدد بري بدوره في لقاء الاربعاء النيابي على أهمية الحوار، رافضا مقولة ان الحوار هو غطاء للحكومة "بل هو غطاء لكل الوطن وليس لفريق دون آخر".
 
السابق
واشنطن وطهران: تفاوض لـ “تفاهم” وإبرام “صفقة”؟
التالي
نجاح فرنسي بمال عربي