المجتمع المدني اللبناني والبيان الوزاري: تكرار المكرّر.. حدّ التراجع عن بعضه!

 انعكست مرحلة تصريف أعمال الحكومة السابقة، هدوءاً على نشاط المجتمع المدني ومؤسساته وجمعياته، التي أسست لحراك مطلبي – قانوني في العام 2010، مهدّدة بالتصعيد حتى إقرار ما بات يعرف بـ"حقوق ممنوعة"، تبدأ من حقّ المرأة بإعطاء جنسيتها لزوجها وأولادها الأجانب، وتصل إلى قضية المفقودين والمخطوفين، مروراً بحقوق اللاجئين الفلسطينيين وغير الفلسطينيين والعمال الأجانب وذوي الاحتياجات الخاصة. انتظر الناشطون تشكيل الحكومة للانطلاق بحراكٍ جديد، وقد أولوا بيانها الوزاري انتباهاً شديداً علّه يحمل إليهم ما هو أكثر واقعية من الوعود التي خبروها في البيانات السابقة. فإذا به يهمل الكثير من الحقوق، ويعد بالقليل، مستخدماً أسلوباً مبهماً في الصياغة. وقد تجلّى ذلك في معالجة الحكومة للدور المقرر أن تؤديّه تجاه مطالب المرأة، فاختارت عبارات مكررة كـ"تعزيز دور المرأة"، واعدة إشراكها في الحياة السياسية لا سيما في المواقع القيادية (!). وفي الحصيلة، تناولت الحكومة الجديدة أربعة عناوين مدنية، هي قضايا المفقودين، واللاجئين الفلسطينيين، وذوي الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى المرأة. وقد تجاهلت الإشارة إلى عناوين المطالب النسائية، وقضية العمال المنزليين، واللاجئين غير الفلسطينيين، … فأجمع الناشطون على أن البيان الوزاري الجديد لم يحمل جديداً، وأنه يتضمن بعض الوعود، التي كانوا قد تلقوها في بيانات سابقة، لكن أحداً لم يسع إلى تنفيذها.(انتهت المقدمة) مادونا سمعان "المفقودون": سقوط من التجربة الأولى يعتبر رئيس "لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين – سوليد" غازي عاد، أن الحكومة الجديدة سقطت في الامتحان الأول لها، أي في امتحان منطقة الشبانية، حيث وجد أحد العاملين على جرّافة في "مار افرام الرغم" بقايا جثث بأكياس نايلون. فما كان من الدولة إلا أن ختمت الملف بالشمع الأحمر، من دون أن تكبد نفسها عناء التأكد من أن البقايا تعود إلى جثث إنسانية، وليست حيوانية. فأكد عاد أنه كان لا بدّ من معاينتها فعلياً، "لأن هذا ما تقوم به الدول المتقدمة التي تحترم شعوبها". وبرأيه، فإن حادثة الشبانية هي تكرار لحادثتي حالات وعنجر، علماً أنه تمت صبغ حادثة الشبانية، بطبعٍ طائفيّ يُضاف إلى طابعها السياسي. ولفت إلى أن "ما من مرجعية في الدولة اللبنانية موكلة بمهمة البت أو الفصل بكل ما يتعلّق بموضوع المفقودين.. من هنا تأتي مطالبتنا بهيئة وطنية مختصة. لكن الحكومة لم تعد بتنفيذ الموضوع، بل أشارت بطريقة غامضة ومبهمة إلى أنها ستنظر في إنشاء هيئة وطنية تعنى بقضية ضحايا الاختفاء القسري من جوانبها كافة، ما يعني عدم تأكيدها على إنشاء تلك الهيئة". في مقابل الغموض المشار إليه، أكدت الحكومة على عزمها متابعة ملف المفقودين والمعتقلين اللبنانيين، سياسياً وقانونياً مع الحكومة السورية، "وذلك لجلاء مصيرهم والوصول إلى نتائج تنهي هذه القضية الإنسانية بامتياز وتضع حدّاً لمعاناة ذويهم"، وفق البيان الوزاري الجديد ذي النص المنقول عن سابقه بطريقة شبه حرفية. غير أن "القضية الإنسانية بامتياز"، لا يبدو أنها تؤخذ على محمل الجدّ، ولو أن الحكومة الجديدة كررت ما وعدت به سابقتها لجهة الانضمام إلى "معاهدة حماية الاشخاص من الاختفاء القسري" التي أقرّتها الأمم المتحدة. ولأنه خبر "ممارسات الحكومات وتبنيّها لخطاب يتكرر في بيانات لا يتغيّر فيها إلا تواقيع الوزراء"، يؤكد عاد أن "المجتمع المدني لن ييأس من النضال إلى حين معرفة مصير حوالي سبعة عشر ألف مفقود ومعتقل، ومن أهم مطالبهم إنشاء هيئة وطنية لمتابعة الملف". الفلسطينيون: راوح مكانك يبدو أن أنظار المؤسسات والجمعيات المدنية التي تعنى بالشأن الفلسطيني في لبنان، موجّهة حصرياً نحو مراقبة أسلوب عمل "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا". إذ خفت الصوت المطالب بإقرار الحقوق الاجتماعية والمدنية بالمقارنة مع الحراك التي شهدته الساحة اللبنانية قبل إقرار مجلس النواب في العام 2010 لمشروعي قانون، لم يعرف بعد كيف يطبقان ومتى ينفّذان، وما إذا كانا سيفضيان إلى نتائج إيجابية. وعلى الرغم من الانتقادات التي جوبهت بها خطوة المجلس النيابي اللبناني، يبدو المجتمع الفلسطيني اليوم مستسلماً أو "غير متأمل" بأكثر مما قدّم له، فلا الجمعيات تناقش ما أقرّ من قوانين ولا المنابر تطالب بأكثر مما تتضمنه. لعلّه استسلام يريح الحكومة اللبنانية التي وعدت في بيانها الوزاري بما وفت به الحكومة السابقة على هذا الصعيد، فهي "ستعمل على توفير الحقوق الإنسانية والاجتماعية للفلسطينيين المقيمين على الأراضي اللبنانية، وتطبيق القوانين التي أقرها المجلس النيابي، والاهتمام بالمخيمات ولا سيما مخيم نهر البارد لاستكمال اعادة بنائه بعد توفير المال اللازم لذلك من المساهمات العربية والدولية. وستطلب الحكومة تعزيز موازنة وكالة غوث اللاجئين وتشغيلهم – الاونروا، لتمكينها من آداء دورها الإنساني تجاه الشعب الفلسطيني كما كان في السابق". ذوو الاحتياجات الخاصة: قانونٌ.. ومنحدر! منذ العام 2000، يقبع القانون 220 في أدراج الوزارات المختصة، بانتظار إقرار مراسيمه التطبيقية! هكذا، انقضى أكثر من عقد من الزمن على نسبة تقارب العشرة في المئة من الشعب اللبناني (بحسب تقديرات "إتحاد المقعدين")، تنتظر من يفرض تطبيق "كوتا" العمل والبيئة الدامجة وغيرها من البنود الحياتية التي يفرضها القانون. لم تنجز الحكومات السابقة على المستوى المذكور إلا منحدراً واحداً أمام وزارة العمل، "انزلقت" عليه "كوتا" العاملين من الأشخاص المعوّقين، المفروضة على المؤسسات العامة والخاصة، فأهملت إهمالاً تاماً. في المقابل، لم تكتف المؤسسات والجمعيات المدنية المعنية بالمطالبة بحقوقها فحسب، بل عمدت إلى إطلاق الدراسات والخطط التطبيقية. فقدّم "اتحاد المقعدين" دراسة حول كيفية تحويل المدارس الحكومية إلى مدارس دامجة. كما ساهم في حثّ التنظيم المدني على إصدار قرار يمنع الترخيص عن بناء مكان عام في حال عدم احترامه للمعايير الدامجة. وكان وزير الداخلية السابق زياد بارود قد أصدر قراراً سهّل فيه مشاركة ذوي الاحتياجات الخاصة في العملية الانتخابية. وهي خطوة خجولة بالمقارنة مع العمل المفروض القيام به لتسهيل حياة تلك الشريحة من اللبنانيين. حالياً، لا يستفيد ذوو الاحتياجات الخاصة في لبنان إلا من قرار التنظيم المدني، ومن وعد جديد حملته أيضاً الحكومة الجديدة في بيانها الوزاري، يؤكد على سعيها لإصدار المراسيم التطبيقية للقانون 220، وأكثر، "التأكد من تطبيقه في كل مجالاته وتصديق لبنان على المعاهدة الدولية للأشخاص ذوي الإعاقات". المرأة: وعد بتعزيز دورها… كامرأة؟ إذا كان النساء بشكل عام، أو بعضهن، يعتبرن في إقرار حق الحضانة لصالح الأم حتى سن الثانية عشرة لدى الطائفة السنية، إنجازاً أو خطوة لا بأس بها، نظراً أيضاً لكونه يضمن المفعول الرجعي.. فإن درب المعنيين المدنيين ما زال طويلاً، إذا ما أرادوا إنصاف النساء في جميع الطوائف في لبنان. وإن سجّل للطائفتين الأرثوذكسية والإنجيلية قبل السنيّة رفع سن الحضانة لصالحها، فقد وقعت المرأة في شرك الطوائف، حين رفعت الصوت عالياً وطالبت بقانون يحميها من العنف الأسري. فإذا بالمجلس النيابي يشكّل لجنة خاصة لتدارس القانون، تدعو بدورها رجال دين للوقوف على رأيهم. فتواجه الجمعيات المعنية عوائق مختلفة منها مثلاً عدم الاعتراف باغتصاب الزوجة، واعتبار الضرب وسيلة تأديب أسري، فيما يطالب دارسو القانون بتحويل هدفه من حماية المرأة إلى حماية أفراد العائلة "احتراماً لمبدأ المساواة". ولكن، يتناسى المجلس النيابي مبدأ المساواة ذاته، عند مطالبة ناشطات وناشطين آخرين بمنح الجنسية اللبنانية لزوج وأولاد المرأة الأجانب. وقد طال نضال هؤلاء وتشعّب، حتى تمخضت الجهود عن إقرار وزير الداخلية، بمرسوم صادر عنه، حق أولاد اللبنانية بالحصول على إقامة مجاملة مجانية، لثلاث سنوات، من دون شرط منع العمل. ومع أنه صادر عن وزير الداخلية، لم تر الجهات الأمنية المعنية نفسها ملزمة به، لأنها حتى الساعة تمارس الاستنساب في تطبيقه، بحسب ناشطة في حملة "جنسيتي". تعد النساء بأنهن سيستمررن في النضال من أجل إحقاق الحق، بما يتطلّب تعديلاً بسيطاً للمادة الاولى من قانون 1925 لتصبح "يعدّ لبنانياً كل شخص مولود من أب ومن أم لبنانية"، لضمانة المساواة التي يضمنها الدستور، والتي يطالب بها النواب الدارسون لقانون حماية النساء من العنف الأسري. من خلال البيان الوزاري، لا تظهر الحكومة حماسةً تجاه أي من المطالب النسائية، فما تعد المرأة به لا يتعدى "تعزيز دورها"، لا سيما على المستوى السياسي، وحضورها في المؤسسات والإدارات الرسمية، وذلك انطلاقاً من مضامين الاتفاقات الدولية، وتحديداً "اتفاقية القضاء على جميع أنواع التمييز ضدّ المرأة" (السيداو)، التي يتحفظ لبنان على بنود منها. اللاجئون والعمال المنزليون… إلى عهد آخر؟ لا ذكر للاجئين غير الفلسطينيين أو العمال المنزليين في البيان الحكومي الأخير. فحتى الساعة، لا يعرف الناشطون في المجال إن كان المقصود الاستمرار في تجاهل الممارسات اللبنانية تجاه هاتين الفئتين من الأجانب، أم إنه ناتج عن سهو، ربما يقوم بمعالجته الوزراء، كل تبعاً لاختصاصه. على صعيد العمال المنزليين، كان وزير العمل السابق بطرس حرب قد أنجز مشروع قانون، وبدأ بعرضه على الجهات الحكومية والمدنية المختصة، مطالباً بإقراره "لأنه أفضل ما يمكن التوصل إليه"، بحسب ما بشّر حينها. وهو مشروع قانون لم تحدد الحكومة الجديدة موقفها منه بعد. ولا يزال اللاجئون غير الفلسطينيين يعانون من الاحتجاز التعسفي والمطوّل، إذ لم تثمر الورقة الخلفية التي تدرسها لجنة حقوق الإنسان ضمن مشروع حقوق الإنسان البرلماني الذي يرعاه "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي". بينما يؤكد الحراك الدولي، لا سيما بالنسبة إلى القيّّمين على "المفوضية العليا لشؤون اللاجئين"، السعي إلى إبرام اتفاقية جديدة مع لبنان، توقّع من قبل الحكومة اللبنانية، وليس من قبل الأمن العام على غرار الاتفاقية الحالية. أما النظارة الجديدة المعروفة بـ"مركز الأجانب" والتي استملكت الدولة لأجلها عقاراً، فستشيّد بتمويل أميركي، بعدما موّل الدراسة الخاصة بها "الاتحاد الأوروبي".
 

السابق
حادثة «اليونيفيل»: الجيش يوقف نحو 25 شخصاً
التالي
شبعا: البلدية مستمرة في أشغالها علـى نبـع الجـوز