الرئيس الأسد ماضٍِ في وقف النزف ودفع المطالب الإصلاحية

 إذا كان التعاطف مشروعًا إلى جانب المطالب التي تطرحها شعوب المنطقة، لتحسين أوضاعها الإنسانية والاقتصادية، فإن بقاء التظاهرات في المراوحة القاتلة، هو انتحار لكل هذه التحرّكات والعناوين التي رفعتها من أجل إحداث تغيير في حياتها.
وفي سورية، التي تعنينا في تواصلها التاريخي والجغرافي والمصالح المشتركة، فقد فتح الرئيس بشار الأسد الباب أمام المعارضة الإيجابية، التي تتوخّى الإصلاح من داخل الرغبة الرئاسية، التي طرحت الإصلاح منهجًا وطريقًا لحكمها منذ مجيء الرئيس الأسد إلى الحكم عام 2000، وشروعه بسلسلة تغييرات في النظام الاقتصادي، لفتح الأبواب أمام رياح العصرنة والمكننة، التي تساعد سورية في الاندماج ضمن الثورة التكنولوجية.
ولولا الظروف والأحداث الخطيرة التي حدثت في العراق عام 2003، وفي لبنان عام 2005، لكان الرئيس الأسد قد قطع شوطًا بعيدًا في المضي بهذه الإصلاحات حتى النهايات التي أرادها لشعبه ولمصلحة حقوقه بجني ثمارها.
لقد تحوّلت التظاهرات اليومية، التي انحرفت عن مسار اللقاء التشاوري وبرمجة الحلول، وفق سلّم أولويات قصير الأمد، إلى عملية عبثية، لا تخدم المصالح السورية الداخلية، بل تساعد الأجندات الخارجية في التسلل ومحاولة النيل من هذا النظام الذي استعصى على الشروط والإملاءات منذ حرب الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش على العراق عام 2003، بحجة وجود أسلحة دمار شامل، سوّقها وزير خارجيته كولن باول بما يشبه "الفضيحة" أمام الأمم المتحدة.
وتبيّن سريعًا أن لا وجود لمثل هذه الأسلحة، إلاّ في مخيّلة أصحابها وصنّاعها، لتغيير خريطة الشرق الأوسط، والقبض على عنق أنظمته وثرواته، وتحقيق الأمن "الإسرائيلي" كأولوية مطلقة!
وبرغم الشراسة التي استهدفت حكم الرئيس بشار الأسد، لفك ارتباطه بقوى الممانعة والتصدّي للكيان "الإسرائيلي" من قوى الغرب، لا يزال هذا الحكم ممسكًا بزمام أموره ولم يفت في عضده وسنده للمقاومة اللبنانية أو الفلسطينية التي تحول دون سيطرة "إسرائيل" على معظم المنظومة العربية السابقة المنقادة في اتجاه سلام استسلامي لا يخدم مصالح شعوبها ولا قضية فلسطين التي استنزفت حروبًا وتهرّبًا، إلى أن جاءت المقاومة اللبنانية ووضعت حدًا لهذا التمادي في انتهاك الحقوق العربية في حرب تموز عام 2006، وحرب غزة عام 2008، عندما عجز النظام العسكري المدجّج بكل أنواع السلاح الضارب عن أن يسجّل انتصارًا أو يغيّر معادلة، بل بات عاجزًا عن أي حل عسكري في وجه قبضة الحق المنتصرة في وجه الظلم.
إن ما يجري اليوم من تظاهرات مستمرة هو استنزاف لسورية، ما دام الرئيس الدكتور بشار الأسد قد باشر بوضع إجراءات التغيير المطالَب بها موضع التنفيذ، ولاسيما تشريع التعددية الحزبية والإعلامية وقانون انتخابات تشريعية ومحلية، بمراقبة المرشّحين، على طريق إصلاح شامل لا يستثني أي مفصل من مفاصل الدولة.
وإذا كانت القوى الأمنية من جيش وشرطة تحاول أن تضبط الأوضاع سريعاً، لوضع حد لهذا النزف، فمن منطلق الحرص والحيطة ومنع الانزلاقات الطائفية التي تسعى إليها قوى خارجية لضرب مناعة الوحدة الداخلية المتماسكة، نتيجة الثقة التي تمنحها لرئيسها وتعوّل عليها للخروج من هذه الأزمة، وهي حتمًا ستعيد الأمن إلى نصابه، رغم الخروق التي يتسلّل منها متمرّدون مسلّحون بدفع خارجي لا علاقة لشعب سورية بأهدافه التي لا تخدم إلاّ الكيان العبري الذي يريد دولاً ضعيفة من حوله، خاضعة لشروطه، وللإملاءات الخارجية المتحكّمة بمصيره.
ولئن تطلّب الحفاظ على السلم الأهلي هذه الجهود المضنية من قوى الجيش والأمن، وبعض الشدة في ملاحقة المرتكبين والخارجين عن مسار المطالب الشعبية، إلاّ أنه في النهاية لا بدّ أن يضبط الأوضاع ويعيدها إلى مسارها الصحيح في الحوار الوطني خلال آب المقبل، لاستكمال البحث مع المعارضة البنّاءة من أجل تأمين مستلزمات تحسين ظروف حياة السوريين.
يخطئ مَن يعتقد أن المراهنة على تغيير موقف سورية الوطني والقومي هو نتيجة حتمية لمثل هذه التحرّكات التي خرجت عن مسارها السلمي، كما حصل في سكة الحديد وحادثة القطار الآتي من حلب إلى دمشق، لأن حكم الرئيس الأسد أصلب عودًا وأقوى عزمًا للمضي في قناعاته الوطنية والقومية، التي حقّقها وسوف يحقّقها لسورية. 

السابق
دراكولا العربي
التالي
اللواء : الأمن يخرق ملفات آب ··· والموالاة تهدّد بالشارع!