إرباكات للحكومة من داخلها في فترة قياسية

 منذ انطلاقتها قبل نحو ثلاثة اسابيع بعد نيلها الثقة في مجلس النواب في 7 تموز الجاري، واجهت الحكومة مجموعة من التحديات عبر ابرز مكوناتها من الافرقاء السياسيين، علما ان هذه التحديات يحجبها نسبيا موضوع التعامل مع مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الدولية اقله في المرحلة الراهنة فضلا عن مسائل اخرى بحيث بدأت تطرح علامات استفهام جدية في هذه الفترة القصيرة عن اهلية الحكومة على رغم المصلحة الاقليمية في إبقائها قدر الامكان. فمواقف "حزب الله" في شكل اساسي لم يكن وقعها سهلا على الحكومة بدءا من الموقف المعلن من التعامل مع مذكرات التوقيف على نحو احرجها قبل انطلاقتها وتسبب بضيق الهامش أمامها وصولا الى موضوع ترسيم الحدود البحرية الذي تسبب موقف الحزب منه بأزمة فعلية امكن معالجتها بصعوبة. اذ ان الموقف الذي اعلنه الحزب من موضوع ترسيم الحدود البحرية، والذي حمّل بموجبه "الحكومات المتعاقبة مسؤولية المماطلة التي جعلت اسرائيل سباقة في اكتشاف حقول النفط" مبديا الاستعداد لمواجهة ذلك "في اطار معادلة الشعب والجيش والمقاومة"، يوحي بفتح الباب امام قيام مزارع شبعا بَحرِيّه، ما اثار مخاوف حلفائه الذين اعلنوا تباعا تراجعهم عن موافقتهم السابقة على الحدود البحرية التي كان وافق عليها لبنان في جلستين لمجلس الوزراء شارك فيهما الحزب مع حلفائه بالثلث المعطل ولم يعطل اقرار هذه الحدود. وهو موقف اربك ايضا لجنة الاشغال العامة التي انجرّت الى رد فعل بناء على الموقف المعلن للحزب من ذلك. واثار الموضوع مشكلة حقيقية بين اركان الحكومة الى ان اتى الموقف من الامم المتحدة حول الحدود البحرية والذي اعطى لبنان صدقية في شأن ما اقامه على هذا الصعيد مما ادى الى تدافع القوى نفسها من اجل ان تحظى بالفضل في ما انجز علما ان خلافات قامت على اثر استعانة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بفريق من الجيش اللبناني من اجل شرح موضوع ترسيم الحدود في حين ان لجنة مختصة مكلفة من مجلس الوزراء برئاسة المدير العام لوزارة الاشغال عبد الحفيظ القيسي هي القيّمة على هذا الشأن. وتطور هذا الخلاف الى حين طرحه على مجلس الوزراء واقرار مشروع القانون فيه وفق ما وضعته اللجنة تمهيدا لاقراره في مجلس النواب في جلسته المقبلة في حين خرج وزراء "حزب الله" من الجلسة ليعلنوا موقفا اكثر مسؤولية في هذا الشأن على رغم استمرار التصريحات العلنية لبعض نوابه التي تصب الزيت على النار.
الامر الآخر المحرج للحكومة هو المدى الذي يذهب به نواب الحزب في الدفاع عمن تشملهم مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الدولية والوصف الذي يعطى لهم على نحو لا يرتب على الحزب مسؤولية ازاء الحكومة فحسب بل ايضا مسؤولية في استفزاز الحساسيات السياسية والمذهبية، علما ان ثمة مواقف مماثلة محرجة على غرار تلك التي اطلقها الشيخ عبد الاميرقبلان من موضوع الخلاف في لاسا. ويضاف الى الثغر التي تتراكم في هذا الاطار الموقف من طاولة الحوار والرافض لاي تناول لموضوع سلاح الحزب في وقت لا يؤيد الحزب الحوار، بحسب مصادر سياسية معنية، الا لان تيار المستقبل يرفضه في حين ان أحد وزراءه كفيصل كرامي مثلا يتساءل بدوره عن الجدوى من الحوار، في موقف يبدو متناقضا ومن دون تنسيق مع الحزب ويكشف مدى التعثر في المواقف.
وليس بعيدا من هذه التطورات برز موضوع اعطاء السائقين العموميين تعويضات نتيجة ارتفاع سعر البنزين والذي كان دافع عنه بشراسة نواب الحزب و"تكتل التغيير والاصلاح" الى حد المطالبة باعطاء السائقين العموميين ما يوازي كلفة 25 تنكة بنزين صار التوافق على اثرها لاعطائهم نصف هذه الكمية بتوقيع من رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الاعمال اضافة الى رئيس الوزراء المكلف. في حين ان هؤلاء النواب انفسهم يتصدون اليوم للموضوع تحت عنوان انه يحتاج الى قانون وان هذا الامر مخالف له بحيث يبدو ان ايجاد حل له ان يدفع للسائقين عبر سلفات على ان يقر القانون في الجلسة المقبلة لمجلس النواب في 2 آب وعلى نحو يظهر مدى الكيدية التي كان يتعامل بها هذا الفريق ولو بتجاوز النواب القوانين الذين يقولون انهم سيحاسبون راهنا ومستقبلا على اساسها.
وهذه الامور هي في التفاصيل اليومية التي استقبلت الحكومة في ما يفترض ان تكون فترة سماح لها لدى بدئها عملها في حين انها قد تكون الامور نفسها التي حتمت اجازة مبكرة لها غير مبررة في هذا الوقت. علما انه اذا اخذ موضوع اطلاق الاستونيين السبعة والذي حصل من دون علم الحكومة اضافة الى الاعتداء قبل يومين على افراد من الكتيبة الفرنسية العاملة في القوة الدولية في حين سجل اول تحرك للرئيس ميقاتي بعد نيل الحكومة الثقة في اتجاه التزام تنفيذ القرار 1701 وتعهد حكومته التزام لبنان كليا حماية مندرجاته في رسالة تصيبه ايضا بمقدار ما تصيب سواه، فانه يمكن ادراك مأزق هذه الحكومة على نحو مبكر. 

السابق
الغاز: وعد صادق؟
التالي
“الفرنكوفونية” العسكرية