أوتويا تقول: لا دين للتطرّف

 اندريس بيرنغ برايفيك، أشقر الشعر، أزرق العين، مسيحي من اليمين المتطرف، يحب الصيد لكنه يكره الإسلام، ويحب ألعاب الفيديو لكنه يكره التعايش بين الثقافات المختلفة في بلاده النرويج.
قام هذا الشاب ذو الاثنين والثلاثين عاما بعملية تفجير استهدفت مباني حكومية في العاصمة النرويجية، تلتها عملية قتل مرعبة حصدت أرواح أكثر من ثمانين شابا وشابة في ربيع عمرهم كانوا يقضون أوقاتهم في مخيم صيفي نظمه الحزب الحاكم في جزيرة أوتويا ليحول بعمله «جنة أوتويا إلى جحيم».
ليس المقام في هذا المقال مناقشة التطرف والعنصرية وانتشارهما في أوروبا والغرب عموما بما فيه أميركا، وما تشهده من تنامٍ للفكر والحركات المتطرفة، والذي كان احد نتائجه حادث أريزونا في العام الماضي الذي كاد أن يودي بحياة امرأة الكونغرس الديموقراطية جبريال جيفورد بسبب فكر متطرف، لكن الحديث هنا حول استقاء العبرة من حادثة النرويج والتمعن بالنظر في التطرف الذي يدعي القيم وأحيانا الدين وهو لا دين له ولا أي قيمة أخلاقية، بل إن الديانات السماوية وما تحمل من قيم لا تنفصل عنها بكل الظروف بريئة من أي فكر متطرف.
الدروس والعبر من الحادث ليست فقط للعالم الغربي الذي سوف يشهد جدلا ونقاشا طويلا حول الحادث ودوافع التطرف والإرهاب في أوروبا الذي سلب النرويج براءتها المشهودة، ولكن الحدث المأسوي وما أوضحته الوثيقة المنشورة للإرهابي اندريس والتي نشرها قبل ساعات من جريمته، فيها الكثير من العبر أيضا للعالم والمجتمعات العربية والإسلامية.
في هذه الوثيقة التي عمل عليها أندرس لفترة طويلة والتي توضح بأنه إنسان يتصرف بكامل إرادته هاجم ما اسماه بالاستعمار الإسلامي واسلمة أوروبا الغربية وقال «لن يمكننا دحر الاسلمة ومنع الاستعمار الإسلامي لأوروبا الغربية إلا إذا أزلنا أولا كل العقائد السياسية التي تنادي بها الماركسية والحركات الداعية إلى تعدد الحضارات». هنا نمط تفكيره يمثل نمط تفكير الكثير ممن دمروا البشرية بالكراهية للتعدد، والعداء للمنافسة الثقافية الشريفة بين الحضارات والثقافات المختلفة، فوصف انتشار الإسلام الحالي في أوروبا بالاستعمار رغم الظروف والإمكانات المتواضعة للمسلمين في أوروبا، ورغم ان الإسلام في الوقت الحاضر ينتشر بأوروبا دون أي استخدام للقوة أو أي احتكار للإعلام وغيره، إلا أن أصحاب الفكر المتطرف دائما يلجؤون إلى عنصريتهم لمواجهة ضعفهم الحضاري.
ثم إن اندريس يردد في وثيقته كلاما لطالما ردده المتطرفون من أمثاله سواء كانوا بيضا أو سودا شرقيين أو غربيين، وذلك ليضفوا مسحة إنسانية مصطنعة على صنائعهم المخزية حين يقول « لا أكره المسلمين أبدا، واعترف أن هناك في أوروبا مسلمين عظماء،» ثم يردف قائلا «ولكن هذا لا يعني علي القبول بوجود إسلامي في أوروبا. علينا تسفير كل المسلمين الذين لا ينصهرون بشكل تام في المجتمع الأوروبي إلى بلدانهم الأصلية بحلول عام 2020 في حال استيلائنا على السلطة». ألا يجد القارئ تكرر هذه اللهجة والأعذار عند كل متطرف انه لا يكره الإنسان إن كان مسلما أو صاحب أي معتقد أو مذهب أو لون، ولكنه يكره فقط انتماءه وديانته وثقافته، وهو قد يكون إنسانا عظيما، ولكن لتكون عظمته محل قبول للفكر المتطرف عليه أن ينسلخ من جلده، هكذا ببساطة!
ما يخيف أن هذا الفكر الإرهابي ليس حبيس ولا وليد فكر الإرهابي النرويجي اندريس، لكنه فكر رائج تحمله جماعات وجمعيات سياسية وتكتلات كبيرة في دول العالم وأوروبا، ثم يأتي شخص يتحلى بالشجاعة أو بالخسة ويقوم بتحويل النظرية إلى تجربة على ارض الواقع. قد يصبح هذا المجرم النذل اندريس رمزا وبطلا لمن تراوده نفس الأحلام، ولعله في صراعه الى جانب إخوته في اليمين ضد التعددية الثقافية أراد استجلاب أمجاد الماضي وجولات وصولات الفايكنج عندما قادوا بحملات السلب والفتك البحرية واستعمروا شطرا من أوروبا الغربية.
عودة إلى المتطرف ونمط تفكيره فكل ما يفعله مبرر ومقبول، ولأنه عنصري وعرقي فهو لا يرى جرائم أبناء جنسه ضد الآخرين إلا حسنات، ويتضح ذلك في قوله انه استهدف حكومته لأنها وقفت ضد الصرب في قضية كوسوفو «ولم يكن للصرب من ذنب سوى محاولتهم طرد الإسلام بتسفير الألبان إلى ألبانيا».
ثم أخيرا يمكن للإرهابي المتطرف أن يضحي بنفسه وبمستقبله وحياته، فمع تدمير حياته، ينهي حياة العشرات أو المئات أو الآلاف أو أكثر من ذلك، لتحقيق أهداف يراها نبيلة ليأتي من بعده من يثني عليه وعلى شهامته وتضحيته فالغاية تبرر الوسيلة، في ذلك هو يعترف بأن ما اقترفه كان «فظيعا ووحشيا لكنه ضروري.» فهل هناك أي مبرر للوحشية لتحقيق أي هدف كان؟ هل هناك دين يقبل بانتهاك الحرمات والقيم وسفك دماء العزل من أجل تحقيق أهداف معينة؟ هنا رسالة واضحة للغرب والشرق بأن التطرف وما يتبعه من إرهاب ووحشية لا دين له.
أندريس بيرنغ برايفيك، قد يكون أول متطرف عنصري مجرم يستحق نوعا من المكافأة، لأنه نشر وثيقة ضخمة قبل إقدامه على جريمته البشعة يشرح فيها نمط تفكير التطرف والعنصرية والكراهية، ونمط تفكير أصحاب الرأي الواحد المقدس، الذي يجب أن تنحني أمامه كل الهامات مهما عظمت وشمخت وإلا قام بتحطيمها للضرورة.
 

السابق
بين السلاح والبلايين
التالي
لئلا تضيعَ الفرصة مجدّداً