نفط لبنان (2): القصة بدأت في الجنوب… وقد تنتهي هناك

 في الجزء الثاني من هذا التحقيق، نستكمل عرض الحديث الخاص لـ"جنوبية" مع الدكتور عطا الياس، أحد أهم الجيولوجيين اللبنانيين، الذي أشار إلى أنه "يجب كخطوة أولى إقرار قانون للتنقيب عن النفط واستخراجه والمراسيم المرافقة له، ما يحدد عمل هذه الشركات وحقوقها، ثانيا على الحكومة اللبنانية الإعلان عن نيتها في استكشاف النفط واستخراجه، والاعلان عن مواعيد لاستقبال عروض هذه الشركات المختصة"، وتابع: "ستحدد الدولة المناطق التي سيُعمل فيها، كذلك الرقعة البحرية تبعاً لمسح الحدود البحرية، ثم تحدد عملها في بلوكات وضمن بضعة كيلومترات."
ورداً على سؤال قال الدكتور الياس: "عدم توافر شركات نفط في لبنان يؤثر بالطبع على الارباح، فلو كان في لبنان شركات مماثلة لصبت الارباح جميعها في الخزينة اللبنانية، وكانت ستستثمر في لبنان وليس في الخارج ما سينعكس إيجاباً على الاقتصاد اللبناني". واستطرد قائلاً: "ما يؤثر هي القدرة التقنية للشركة لأن المياه اللبنانية عميقة وبالتالي ليس في مقدور شركة عادية أن تقوم بالتنقيب بل نحتاج إلى شركة متخصصة مما يزيد من كلفة الاستخراج،إلى جانب تملـّك الشركات الكبيرة أسواقاً كبيرة تمكنها من بيع المواد النفطية بسهولة أكبر وبأسعار أفضل".

وعن تحديد المناطق الاقتصادية البحرية اللبنانية، أوضح أن هناك قواعد علمية تحدد المناطق الخاصة للبلد: "في هذا الموضوع ميزان القوى يلعب دوره في ظل عدم وضوح هذه المناطق، ونحن لدينا ميزان سياسي "طابش من ميل"، لكن نملك قوانين واضحة ومحددة، وصاحب الحق عليه أن يطالب بحقه دون خوف من العدو المفترس".

وأضاف: "بعث الاسرائيليون، خلال احتلال لبنان في العام 1982، مراكب مسح زلزالي للاراضي اللبنانية، ما شكل خرقا واضحا لسيادة لبنان على ثرواته، وأظهر في المقابل تلكؤ واستهتار المعنيين بثرواتنا، إذ لا أحد من المسؤولين كلف خاطره للاستعلام ومتابعة الموضوع حينذاك".

وعن مخاطر استخراج النفط والغاز، لفت الدكتور إلى أنّه "للنفط مخاطر أكبر من ناحية استخراجه ونقله على حاملات النفط، ومع التطور التكنولوجي الحوادث أصبحت أقل، أما الخطر المتعلق بالغاز يتمثل فقط باحتمال انفجار الانابيب الناقلة لا غير".

وختم الياس: "في الحقيقة موضوع التنقيب عن النفط بدأ من أيام الحرب الأخيرة وحصل على الدعم بعد العام 2006، وبالرغم من الاضطرابات التي مر بها، فهو الامر الوحيد الذي أجمع اللبنانيين كافة على ضرورة متابعته، وأظن ان الخلافات السياسية لن تعيق عمل هذا الملف".

وفي مجلس النواب خبير بترولي معروف أكثر بانتمائه السياسي الى "حزب البعث"، هو النائب الدكتور عاصم قانصو، الذي طالب "بضرورة استحداث وزارة نفط، كتلك التي تم الغاؤها أيام الوزير سليمان الطرابلسي، لأن لبنان سيصبح بلدا نفطيا قريبا جدا"، وأضاف: "لا يوجد لدينا وزارة للبترول تشرف على عملية استخراجه، لكن هناك هيئة عملها لن يكون بالطبع كما لو كانت وزارة".

ورداً على سؤال، قال قانصو: "علينا ان نستعين بشركات الدول الخارجية للاستفادة من النفط الموجود في أراضينا"، مفضلاً "الشركات الروسية لانها تملك قواعد بحرية في البحر المتوسط تستطيع من خلالها ان تحمي المنصات"، ولفت إلى أن "الشركات الصغيرة لا تستطيع ان تحمي بترولنا كما واننا لا نستطيع ان نراقب عملية الاستخراج ولا البيع بسبب عدم وجود فريق متكامل".

وكرر قانصو مطالبته "بإنشاء وزارة نفط بكل تقسيماتها لتعمل ضمن سياسة نفطية متكاملة"، مشيراً إلى "ضرورة إصلاح وترميم مصافي الزهراني وطرابلس". ورأى قانصو أن "لبنان، من الناحية الاقتصادية، مقبل على اقتصاد كبير سيساعدنا على تسديد ديون وعجز الخزينة". وختم: "وجود المقاومة الوطنية والقومية في لبنان كرادع، ضرورة لحماية ثروتنا ومنشآتنا النفطية".

الجميع تحدث إذا عن "مقاومة"، إذ يقارب موضوع النفط من زاوية إسرائيلية في أكثر الأحيان، لولا أنّ النائب قانصو أشار إلى همية هذا الملف في "سدّ ديون لبنان"، وهي زاوية سلبية أيضا من ناحية أنّ لبنان "مديون" وهذا النفط "فرصة لسدّ الدين".

لم يتحدث أحد عن "ازدهار". كما لو أنّ الجميع، غير قاصدين ربما، لا يرون في "النفط الموعود" إمكانية ازدهار لبناني أو "عزّ بعد فاقة"، على ما كتب الأمير اللبنانية "لاقة" ذات يوم على قطع النقد التي صكّها.

وفي البال أيضا "النزاعات الداخلية"، أو "السرقة" التي سيتعرّض لها هذا النفط أو "الخزينة" التي ستجمع أمواله. والجميع يذكرون خلاف النواب، قبل نحو عام، على "الصندوق" قبل استخراج النفط.

هناك سؤال غير مدعو مبأدلّة لكنّ كثيرين يطرحونه: هل كان الدافع الرئيسي لمجيء السفن الأميركية إلى شواطئ البحر المتوسط، وخصوصاً قبالة الشواطئ اللبنانية في العام 2009، هو انتشال جثث ركاب الطائرة الاثيوبية المنكوبة، ام كان لإجراء مسح بحري لمعرفة ما إذا كان النفط موجود؟

بوكس:

لمحة تاريخية:

في العام 1953 قامت الشركة الأميركية US pacific Western CO. بمشاركة الشركة اللبنانية للبترول Compagne Libanaise des Petroles بحفر بئر في بلدة يحمر الجنوبية وتبين وجود مادة الغاز على عمق 700م ومادة الاسفلت من عمق 650م إلى 1134م.

وفي عام 1995 قام العالم الفرنسي جورج رينوار بدراسة، أكد من خلالها على وجود مادة الإسفلت السميك في سحمر وتربل واسفلت سائل في حاصبيا، هذا بالإضافة إلى اسفلت جامد في متريت ويحمر وتراكمات اسفلتية صغيرة في البقاع الجنوبي والساحل اللبناني وشقوق محملة بالاسفلت على طول البقاع الجنوبي، كما أشار إلى وجود غاز في يحمر وغاز كبريتي هيدروجيني في منجم في حاصبيا.

هذه الدلائل ثم تحليلها من قبل المختبر الجـيوكيـمائي للمؤســسة الفرنـسية لــلــبترول Laboratoire de Geochimie de lصlnstitut Francais du Petrole فأظهرت النتائج حركة تغير ملحوظة في هذه المواد باستثناء المواد الموجودة في حاصبيا والتي يبدو أنها في المرحلة الأولى من التطور.

وفي عام 1979 وبعد دراسة للعالم اللبناني زياد بيضون التي أشارت إلى وجود مادة النفط على الأراضي اللبنانية، وخصوصاً على الشواطئ اللبنانية، وهذا سببه وجود النفط على السطح الخارجي والباطني في سوريا والأردن، فتعزز، بحسب بيضون، أرجحية وجود هذه المادة في لبنان.

وفي عام 2002 تم الانتهاء من المسح الزلزالي الجديد الذي تبنته وزارة الطاقة والمياه وخرجت النتائج لتعطي انطباعاً ايجابياً حول وجود النفط في البنى المكتشفة.

وفي عام 2006 قامت شركة Spectrum البريطانية بعمليات تنقيب واسعة عن البترول وختمت أعمالها دون تزويد الدولة اللبنانية والوزارة المعنية بالتقرير النهائي لأعمالها.

هذا وقدمت شركة PGS النروجية، تقريراً اعدته في العام 2008 أشارت فيه الى أن الشاطئ اللبناني يمثل قاعدة للموارد النفطية التي لم يتم اكتشافها بعد.

وأخيراً، نشر المعهد الجيولوجي الأميركي (USGS) في آذار 2010، نتائج استطلاع يتعلق بحجم احتياطي النفط والغاز الطبيعي الموجود في منطقة الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط التي تضم سوريا ولبنان وإسرائيل، وقدر فيه وجود نحو 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي و1.7 مليار برميل من النفط غير المكتشف.
وقال معدو الاستطلاع إن احتياطي الغاز الطبيعي يعتبر الأكبر في العالم كافة، وقدروا قيمته الإجمالية بحوالىي 700 مليار دولار.
وتبين أن الاستطلاع يشمل فرضية فحواها أن إسرائيل تبسط سيادتها الإقليمية على 40 بالمئة من هذه المنطقة، وبالتالي فإن قيمة الغاز الطبيعي الذي يعود إليها تبلغ حوالى 300 مليار دولار، هذا ما أكدته لاحقاً شركة "نوبل إنرجي"، التي تشترك في أعمال التنقيب في الحقول الاسرائيلية كلها.

وتجدر الاشارة الى أن صحيفة "ذا اكونومست" البريطانية أوردت في موقعها على الانترنت في 16 تشرين الثاني 2010، انه يمكن إنتاج الغاز الطبيعي من حقلي "تمار" و"لفيتان" اللذين للبنان حقوق فيهما بقيمة أربعة مليارات دولار سنويا.

 

السابق
إرهابي أم مسيحي متطرف هل هنالك من فرق؟!
التالي
المعارضة تبقى استعراضات إذا كانت تُدار من يخت في عرض البحر