ليس بَينكم قدّيسون!

 يَنتحلون أسماءنا تخفّيا وهوياتنا هربا، وفي ظنّهم أننا من غير عِرق ومن غير لون، ويأخذون أرضنا توسّعا ومقاعدنا تسلّطا، وفي ظنّهم أننا من غير أرض ومن غير وطن.

ينتحلون أسماءنا تَلطيا وهوياتنا تَستُرا، وفي ظنّهم أننا عملاء أو مأجورون أو مرتزقة، وأنهم من خلال أسمائنا يخدعون أميركا ومن خلال هوياتنا يضلّلون إسرائيل، وأنهم من خلال ثقافتنا يعبرون إلى الغرب من غير حواجز ومن غير شُبهات، وأنهم من خلال تاريخنا يتسلّلون إلى الدنيا من غير هواجس ومن غير تأشيرات.

ليس أقسى في الشراكة من شريك يرى فيك عميلا لا مواطنا، ويرى فيك أجيرا لا سيّدا؛ وليس أقسى من مسلّح يرى فيك ضحية لا نَدّا، ومن مغرور يظن السيوف رهبانا والقذائف قرابين. وليس أقسى في المكابرة من سلاح يطوّب من يَشاء ويكرّم من يشاء؛ وليس أقسى في التسلّط من مسلّح يظنّ الأيقونة رصاصة والصليب بندقية؛ وليس أقسى في الاستخفاف من متعجرف يأخذ من دين سواه ما لا يستوحي منه، ومن إيمان سواه ما لا يؤمن به.

ليس بينكم قديسون مرّوا على كنيسة أو دير أو مغارة أو صومعة؛ وليس بينكم مكرّمون مرّوا على تنَسّك وصوم وزهد وعفّة وانسلاخ؛ وليس بينكم رُسُل قرعوا أجراسا وحملوا صلبانا وذاقوا أسواطا فوق جلجلة؛ وليس بينكم طوباويون جرعوا علقما واعتمروا أشواكا وتحسّسوا لا رُماحا ولا مسامير.

إنّ القدّيسين عندنا، أيها السادة، لا يحملون سلاحا ولا يبشّرون بالسلاح، ولا يعرّجون على محاكم ولا يقعون في تجارب… هم يوالون الله ويبايعون السماء، فلا عاشوا من أجل طهران ولا ماتوا من أجل دمشق، ولا تنسّكوا من أجل أميركا ولا اضطهدوا من أجل إسرائيل، فلا تلوّثوا أيديهم بالدماء وهي ترشَح نورا وزيتا وبخورا.

إسمحوا لنا يا سادة… ليس بينكم قديسون أو نسّاك أو زاهدون، ولا تملكون لا سلطة التطويب ولا نعمة التكريم، فبجلوا ما شئتم من شهداء وشهود، فهذا حق نرفع له القبعات، ودَعوا قدّيسينا يستريحون، فهم ما كانوا يوما لا مقاتلين ولا مَشبوهين.

إسمحوا لنا، يا سادة، لسنا عُملاء ولا مرتزقة… إذا شئتم القتال فقاتلوا بما لديكم من رجال وعتاد؛ وإذا شئتم الترحال فارحلوا بما لديكم من أسماء وهويّات؛ وإذا شئتم التكريم فكرّموا بغير نعوت وأوصاف وطقوس، فليس بيننا قدّيس في قفص اتهام، وليس بيننا مُكرَّم هارب من وجه… العدالة. 

السابق
المعارضة تبقى استعراضات إذا كانت تُدار من يخت في عرض البحر
التالي
ابن عين المريسة سبح لينجو من «بحر الدم» وأنقذ آخرين اللبناني الناجي من مجزرة النروج: وليد جنبلاط علم بالجريمة قبل الشرطة