قراءة عربية – إسلامية للمجزرة النروجية···!

 مجزرة أوسلو البشعة التي هزّت النروج، واهتز معها الأمن الأوروبي برمته، ليست حدثاً عادياً تقف تداعياته السلبية عند انتهاء ساعة حصوله، بقدر ما كانت أشبه بجرس إنذار لخطورة المواجهات الدموية المحتمل وقوعها بين اليمين المتطرّف في أكثر من بلد أوروبي والجاليات العربية والأفريقية، وخاصة الإسلامية، المهاجرة إلى البلدان الأوروبية·
ومما يزيد من مخاطر المرحلة المقبلة، وجود ذلك الانطباع السائد لدى النخب الحاكمة وإعلامها، كما لدى الأحزاب الأوروبية المعارضة وإعلامها، بأن أي <تفجير إرهابي> هو من صناعة <القاعدة> أو منظمات عنفية أخرى، غالباً ما تولد من رحم أجهزة المخابرات الأميركية والغربية الأخرى·

وهذا ما حدث في جريمتي أوسلو، فقبل أن تبدأ عمليات إغاثة الضحايا والمصابين، وإطفاء النيران في المباني الحكومية المحترقة، وقبل إنقاذ الشباب والشابات الناجين من مجزرة المخيم الشبابي في جزيرة أوتويا، كانت تصريحات بعض المسؤولين، وتكهنات أجهزة الإعلام تُوجه أصابع الاتهام إلى <التطرف الإسلامي>، تصريحاً وتركيزاً على <القاعدة>، وإيحاء وتلميحاً الى <طالبان>، بحجة مشاركة النروج في عمليات الأطلسي في افغانستان!·

* * * ويبدو أن القيادات والأحزاب العلمانية أو الاشتراكية، أو حتى الديمقراطية المسيحية وأحزاب الوسط الأخرى في أوروبا، ما زالت لاهية عن الصعود المتنامي لظاهرة اليمين المتطرّف، والذي أصبحت أحزابه وتياراته تشكّل قوة ضاغطة في الميزان الانتخابي، سواء على المستوى الوطني، أم على المستوى الاتحادي·

ولعل التقدم المتسارع الذي حققته <الجبهة الوطنية> اليمينية في فرنسا في الانتخابات الاخيرة، يصح اعتباره نموذجاً عن مدى توسع انتشار التطرف اليميني في فكر الشباب الأوروبي الصاعد، والذي باتت جماعات عديدة في صفوفه تُمجّد المبادئ النازية، وترفض الاعتراف بالآخر، سواء أكان من جنس آخر أو ديانة أخرى، أم صاحب فكر أو رأي سياسي مختلف·

والخطورة في الفكر اليميني المتطرّف في أوروبا وأميركا، انه لا يكتفي بالممارسة الديمقراطية المشروعة للتعبير عن مواقفه، وفي السعي لتحقيق أهدافه، بل غالباً ما يجنح إلى العنف كوسيلة لا غنى عنها لبلوغ الهدف المنشود·

هذا ما حصل اليوم مع الشاب النروجي المهووس اندرس بريفيك، الذي جهّز سيّارة التفجير في أهم شوارع أوسلو بأطنان من المتفجرات، أطاحت بزجاج الأبنية في دائرة وصلت إلى 800 متر، ووصل صداها إلى مسافة ثلاثة كيلومترات، ثم ذهب إلى مخيم الشباب مسلحاً ببندقية أوتوماتيكية وبمسدس حربي وعدة مماشط، حيث راح <يصطاد> ضحاياه من الفتيان والفتيات بكل دم بارد، ويلاحقهم بوحشية فظة إلى البحر ليقضي على الهاربين من رصاصه على أرض المخيم·

جريمة النروجي اليميني المتطرّف بأبعادها وأهدافها، لا تختلف كثيراً عن جريمة الجندي الأميركي تيموثي ماكفاي الذي فجّر شاحنة ملغومة عند مبنى اتحادي في <أوكلاهوما سيتي> عام 1995، وأدى إلى مقتل 168 شخصاً·

ومجزرة بريفيك الحقود لا تختلف بنتائجها وصورها، عن المجازر التي ارتكبها الجيش الجمهوري الايرلندي في لندن وفي دبلن، حيث كان يزرع المتفجرات في الشوارع والساحات العامة، ويتسبب بمقتل المئات·

وايضاً هذه العملية لا تختلف في عنفها وتطرفها، عن العمليات التي كانت تنفذها منظمة <إيتا> لفصل إقليم الباسك عن الوطن الأم إسبانيا·

هذا، طبعاً إلى عشرات الحوادث اليومية التي تقع مع المهاجرين العرب والمسلمين في البلدان الأوروبية، والتي تجسّد مشاعر الحقد والكراهية، وأساليب العنف والتطرف بأبشع صورها·

مما يعني أن الجاليات العربية والأفريقية، وخاصة الإسلامية، ستكون هدفاً لسياسة التمييز العنصري والديني، بحجة التصدّي والحد من موجات الهجرة المتدفقة إلى أوروبا، وسعياً لتحقيق الشعار الأوروبي اليميني المتطرف: الحفاظ على <نقاوة> المجتمعات الأوروبية من العنصريات والأديان الأخرى!·

* * *

إن جريمة التفجير، وما تلاها من مجزرة مستنكرة في مخيم الشباب، تفرض على المجتمع الغربي، وليس النروجي أو الأوروبي فقط، إعادة قراءة وتقييم لسياسات هذه الدول مع العالمين العربي والإسلامي من جهة، بعد وصمه الأعمى بالإرهاب، فضلاً عن إبداء الجدية اللازمة بمكافحة الفكر اليميني المتطرّف، الذي تتعارض توجهاته مع أبسط المبادئ الديمقراطية التي تتشدق بها الحكومات الغربية ليل نهار· وبعيداً عن سياسة التشفي، يمكن اختصار القراءة العربية لمجزرة أوسلو بالنقاط التالية:

1 – ثمة تعاطف عربي واضح مع الشعب النروجي في محنته·

2 – لا بدّ من اعتراف أوروبي، وبالتالي دولي، بأن العنف والإرهاب ليسا سمتا الدين الإسلامي أو الهوية العربية· وأن اللجوء إلى هذه الأساليب القسرية والهمجية هو تقليد مشترك بين الفئات المتطرفة، أو المهمّشة، مهما كانت جنسيتها، أو ديانتها، أو إيديولوجيتها·

3 – إن العرب والمسلمين لا يحتكرون وحدهم القيام بمثل هذه العمليات العنفية ضد أعدائهم الأجانب، فثمة منظمات أوروبية مارست أساليب العنف والإرهاب ضد مواطنيها مباشرة، كما ذكرنا سابقاً· فضلاً عن تكرار ظاهرة القتل العمد في المجتمع الأميركي، والتي كان من ضحاياها العام الفائت تلاميذ إحدى المدارس المنكوبة بتصرّفات أميركي متطرف مهووس من شاكلة النروجي بريفيك·

4 – إن التصدّي لموجات التعسف والتمييز العنصري والديني التي يتعرّض لها العرب والمسلمون في المجتمعات الأوروبية، يكون بمزيد من الإلتحام في البيئة الإجتماعية، والتزام العمل بالقوانين والأنظمة المرعية الإجراء في كل بلد، والابتعاد عن مظاهر الاستفزاز والاحتكاك، وتجنب توفير المبررات لأصحاب الفكر المتطرف في تحقيق أهدافهم المسعورة·

* * *

لا أحد ينكر بروز ظاهرة العنف والإرهاب في المجتمعات العربية والإسلامية في العقود الأخيرة، ولكن ظروف النشأة وأسباب الانتشار، على محدوديتها، تختلف جذرياً عن الظروف والأسباب التي يستغلها الفكر المتطرّف في أوروبا هذه الأيام، ولا مجال للخوض في المقارنة الآن·

إلا أن كل ذلك يجب أن يُشكّل حافزاً دائماً لاعتماد حوار الأديان والثقافات··· قبل أن نصل إلى مرحلة الصدام الحتمي، كما يتمناه أدعياء الدفاع عن الحضارات··!·
 

السابق
حوار “الحزب الحاكم” مع نفسه
التالي
الموقف الغربي من ليبيا وسورية