حوار “الحزب الحاكم” مع نفسه

 يدور الجدل حول حوار مزمع. والارجح انه لن يتم. فلا الذين تحمسوا له هم أهل حوار طالما انهم أهل سلاح، ولا الذين تحفظوا عنه يرون فيه جدوى اذا لم يكن السلاح غير الشرعي بنده الرئيسي. ثم ان الجهة المهتمة بالدعوة الى الحوار، اي رئاسة الجمهورية، تبدو كمن فقد كل الاوراق إلا هذه، وتريد ان تلعبها، وهي تعلم ان مقومات الحوار غير متوفرة في ظل وفاق بات مفقودا.
أهم المقومات ان يكون هناك اعتراف بالمشكلة. لكن سوريا وايران و"حزب الله" تطلعت دائما الى اخراج "سلاح المقاومة" من التداول السياسي. وعندما اختلط هذا السلاح بـ"سلاح الداخل" وقع الإشكال وزالت الفوارق بينهما، علما بأن بعضا مهما من هذا السلاح ليس في يد "حزب الله" وانما في ايدي ميليشيات تناصره وتدعمها سوريا، فبات سلاحها متسترا بـ"المقاومة".
في الاصل يفترض ألا يكون هذا موضوعا للاحزاب والتيارات السياسية، لانه شأن يخص الدولة، شرط ان تكون موجودة. والدولة، ايا تكن الحكومة، هي التي يجب ان تكون معنية اولا واخيرا بازالة "السلاح غير الشرعي"، خصوصا عندما يصبح خطرا على الشعب. وكان مستغربا دائما ان لا يُسمع من الجيش اي تمييز حازم بين سلاح المقاومة والسلاح غير الشرعي، وان لا يكون لديه هاجس او خطط لانهاء الممارسات الشاذة في بيروت وطرابلس ومناطق اخرى، وهي حالات لا علاقة لها بمقاومة العدو الاسرائيلي.
مع السلاح، اصبحت هناك ايضا غطرسة السلاح، التي تتبدى في الاداء السياسي. ومع الغطرسة عدم الاكتفاء بالصمت الرزين بل مباركة القمع الدموي للسوريين والوقوف ضد انتفاضتهم المجيدة. فاصحاب السلاح اللبنانيين وحلفاؤهم الانتهازيون يعدون انفسهم لاسوأ السيناريوات للتعامل مع تطور الاحداث في سوريا. فهم مدركون ان مصير انقلابهم وحكومتهم وتخطيطهم لاختراق الوزارات ووضع اليد على مفاصل الدولة تمهيدا للانتخابات التي يريدونها كاسحة للمجلس النيابي، كل ذلك مرتبط ببقاء النظام السوري، والاهم بقاؤه قويا نافذا ومحافظا على تحالفه مع ايران، اما اذا سارت الاحوال عكس ما يشتهون فإنهم سيتجاوزون الرئاسة والحكومة والجيش بغية الاستقواء تحوطاً لاستضعافهم.
صحيح ان رئيس الجمهورية صاحب فكرة الدعوة الى الحوار، إلا ان "الحزب الحاكم"، حزب السلاح، تلقفها لاستخدامها ووضعها في سياق لعبته. ثم ان هذا الحزب تبرع بتجديد قواعدها فأفتى بأنه يمكن البحث في "الاستراتيجية الدفاعية" تقطيعا للوقت، لكن لا يمكن البحث في مسألة السلاح. اما الاجندة الخفية فتنطوي على ترحيل ملف المحكمة الدولية الى الحوار لئلا تثير تحفظات داخل الحكومة او احراجا لرئيسها، فكلمة السر التي وزعها "الحزب الحاكم" هي بذل ما امكن لانجاح نجيب ميقاتي لتمرير كل مشاريع اختراق الادارة من خلاله. اما الحوار نفسه فيراد له ان يكون على طريقة حوار النظام السوري مع نفسه. 

السابق
14 آذار بين الخشية من «حزب الله».. والخشية عليه!
التالي
قراءة عربية – إسلامية للمجزرة النروجية···!