ماذا يريد اليمين كل قبيلة وخيمتها

  الأمر الاكثر تشويقا في احتجاج السكن هو ردود الفعل عليه. مشكوك جدا أن تكون دفني ليف ورفاقها تصوروا بأن الفعل الذي بادروا اليه سيحظى بتحليلات بعيدة الاثر بهذا القدر. هذا، أكثر من عناد الجالسين في الخيام، الداعمين لهذا الاحتجاج، الذي ليس له حتى هدف أو عنوان واضح على جدول الاعمال.
على أنه يجد الاسرائيلي نفسه متفاجئا من ردود الافعال هذه التي تنقسم حسب "اليمين" و "اليسار"، فيتساءل ما علاقة أسعار السكن بالموقف من حدود الدولة. معظمنا نعرف: خط الانكسار الاسرائيلي لا يتقرر حسب المسألة العدمية هل ستكون هناك دولة فلسطينية. "اليمين" يقرر هويته حسب الاخر، ذاك الذي برأيه يقمعه ولا يعطيه الحق في التعبير (ايضا، وربما على نحو خاص، عندما يكون اليمين السياسي في الحكم)؛ "اليسار" يشعر بانه يحرم من مواقع القوة التقليدية لديه ومن مكانته كعامود فقري للاسرائيلية، ويبكي فقدانه "لدولته".
في السنوات الاخيرة، عندما أخلى شارون مستوطنات، أعلن نتنياهو عن دولتين للشعبين، وبالمقابل – احتل معتمرو القبعات الدينية مكان الكيبوتسيين في الجيش الاسرائيلي، وتلخصت هذه المواجهة في صورة واحدة، كاذبة وزائفة: "دولة تل أبيب". وكأنه لا يعيش في تل أبيب اساسا اناس جاءوا من أماكن اخرى، وكأن طالب الدراسات الفنية من شنكين لا يعرف حقا كيف يعيش الناس في سديروت او في غولاني. معظم الاحتمالات، بالمناسبة، هي أن يكون قد ترعرع في سديروت أو كان في غولاني.
وها هي، دولة تل أبيب بالذات هذه، البلاد التي لا أكترث بها، أنتجت احتجاجا مدنيا طويلا، مخيفا للسياسيين، ناجعا رغم أنه لم يكن له هدف واضح وعنوان حقيقي. احتجاج نجح اليمين فقط في تنظيمه ضد مسيرة سياسية أو اخلاء لمستوطنات – وفشل امام قوة الدولة. لا غرو أنهم في اليمين يسارعون الى اتهام وسائل الاعلام: في البداية بتضخيم الموضوع أما الان فبالمعاملة المميزة مع احتجاجات اليمين السابقة.
كتبت في حينه غير مرة في ثناء احتجاج "هذه بلادنا" او مظاهرة كفار ميمون ضد فك الارتباط بحيث أني اسمح لنفسي القول: حقيقة أن كُتّاب اليمين (بمن فيهم صديقي المقدر ارال سيغال، الذي وصل لدرجة الاعراب عن تخوف عابث من أن تخرج من مظاهرة الخيام ثورة ماركسية عنيفة) يقفون بشكل تلقائي ضد احتجاج جادة روتشيلد – يجب أن تثير لديهم علامات استفهام، تماما مثلما يدل الرفض التلقائي لاساليب احتجاج اليمين على يسارية فارغة من المضمون.
لا غرو أن كل هذا يأتي بالذات في ولاية بنيامين نتنياهو. نتنياهو ليس "يمينيا"، ومن يؤيده لا يفعل ذلك للحفاظ على المناطق: في انتخابات 1999 قال ناطقون يمينيون غير قليلين بانهم يعتمدون على ايهود باراك في هذا المجال أكثر مما على بيبي. أكثر من أي شيء آخر، نتنياهو هو المجسد الواضح للسياسة القبلية الاسرائيلية. منذ 1996 وهو يثير عصائر "اليمين" و "اليسار" الحقيقية، تلك التي ترتبط بالهوية وبالخوف، أكثر من أي سياسي آخر.
نتنياهو رد بضغط على احتجاج الخيام، وإن كان بالتأكيد ليس مسؤولا عن الوضع ولا يمكنه اصلاحه بقوة مؤتمر صحفي. وهو يلاحظ فيه حراك الصفائح الذي أدى الى هزيمته في 1999. وهو يلاحظ بأن هذا "الملل" الجماعي يخرج من تل أبيب، هذه المرة بصفتها المكان الذي يتجمع فيه قاسم مشترك اسرائيلي واسع: مللنا الحكم الذي يرد بحركات فارغة، يثير المخاوف ولديه "سوبر تانكر" لكل شيء؛ مللنا ان يصنف كل جدال حسب مواقف أكل الدهر عليها وشرب؛ مللنا هذه الفجوة التي بين ما نحن عليه وما نريد أن نكون عليه. مللنا استغلال الاماكن التي لا نحب أن نراها كي يفرقوا بيننا ويسودون علينا. 

السابق
ضعف نتنياهو
التالي
اسرائيل وفرنسا، عودة الى الاعمال