نفط لبنان (1): مئات مليارات الدولارات مرمية في البحر

 … نفط في لبنان؟ موضوع أربك المسؤولين اللبنانيين الذين تفاجأوا بوجود كنز يدر على جيوبهم، إلى جانب سرقة المواطنين، مالاً وفيراً من دون تعب وعناء.
وفجأةً، تم مسح 1528 كيلومتراً مربعاً من البحر الاقليمي اللبناني على عمق 1200 إلى 1500 متر، من 16 كانون الثاني إلى 3 شباط 2007، كما أجريت 203888 محاولة تنقيب، ورُصدت 2880 إشارة، وسجلت 590 مليون إشارة، وكذلك تم مسح 700 كلم مربعا، على عمق 1000 إلى 1500 متر، من 4 إلى 13 آذار 2007 للتأكيد على وجود نفط في لبنان.

القصة قديمة، وهي بدأت من الجنوب، حيث "كل الجهات جنوب". بدأت القضية من بلدة يحمر الجنوبية في العام 1953… لتصب في المياه اللبنانية الاقليمية تبعاً للدراسة التي وضعها المشرف على حملة التنقيب عن النفط في لبنان مهندس "بي جي أس" هلغ سمب، والتي أشارت إلى وجود كميات من النفط في المياه الساحلية الشمالية اللبنانية الممتدة من البترون وصولاً إلى صيدا، جنوبا أيضا. لكنّ الإستفادة من هذه الثورة يحتاج إلى تكنولوجيا عالية ومكلفة، وهذا ما أكدته دراسات العالم الفرنسي جورج رينوار والعالم اللبناني زياد بيضون، ودكتور الجيولوجيا عطا الياس.

سياسيا أيقظ هذا الملف في لبنان رئيس مجلس النواب نبيه بري وعانقه الرئيس فؤاد السنيورة، أما الرئيس نجيب ميقاتي فتبناه في بيانه الوزاري.

مستشار الرئيس نبيه بري، علي حمدان، قال لـ"جنوبية" في حديث خاصّ إنّ "ريع النفط سيصل إلى الخزينة ومنها الى اللبنانيين كافة، وسيتم وضع برامج للاستفادة من الموضوع"، داعياً الجميع إلى "إنشاء شبكة وليس سلة، لكي لا يتم وضع المياه في السلة"، وأشار إلى أننا "في هذا الموضوع على تماس مع عدو خطير، والموضوع ليس بهذه البساطة". ودحضا لكل ما يقال عن أن التأخير في الملف سببه المحاصصة وإرادة الجميع تقاسم "البقرة الحلوب"، قال حمدان إن "لبنان لا يستطيع أن يذهب في الملف بهذه العقلية، لأننا سنتعاطى مع الدول ضمن إطار قانون دولي سيلتزم به لبنان بسبب العمل بالمناطق الاقتصادية في البحار الخاضعة لسلطة قانون دولي غير محلي خاضع لرغبات داخلية"، وتابع: "الشركات التي سيتم الاتفاق معها لن تدخل باستثمارات من دون مواصفات دولية". وأضاف "لبنان داخل على ميدان، مبدئياً، تأخر عليه بالاستكشاف والدراسات"، متمنياً "عدم إطالة العمل النظري والبدء بالعمل الفعلي الملموس".

ورأى حمدان أن "هذا المال الذي سينتج عن عملية استخراج النفط، لبنان في حاجة ماسة إليه لتسديد دينه وعجزه، إلى جانب حاجته للاصلاح لكي لا يتم ترك الامور "تتعبّى بالسلة"، تبعاً لما هو سائد ولتغيير المقولة السائدة في لبنان بأن كل شي خاضع للمحاصصة"، وتابع: "هذا الموضوع يمس بسمعة لبنان بالرغم من أن هناك شي من الحقيقة"، منبّهاً اللبنانيين من مخاطر هذا الأمر.

ورداً على سؤال حول "حصة المقاومة" من هذا الملف، سياسيا وعسكريا، قال أحد أقرب الرجال إلى الرئيس بري إن "المقاومة فعل وطني، وإن لم يكن هناك مقاومة فكل الناس ستصبح مقاومة للدفاع عن بلدها ورزقها"، وتابع "من استشهد من دون ماله او عرضه او ارضه كان شهيداً، فهذا رزقنا ومالنا ولن نسكت ونكتف ايدينا بوجه العدو".

أما رئيس لجنة الطاقة في مجلس النواب، عضو كتلة "المستقبل" النيابية محمد قباني، فمشغول كثيرا جدا، وكان مصرا على أنّه لن يعطي أي تصريح عن الموضوع، مكتفيا بالقول لـ"جنوبية": "سأحصر كلامي من الآن الى أسبوعين، لاننا نعمل على القانون المتعلق بالمناطق البحرية"، مؤكداً أن "العمل على الملف جدي لحماية حدود لبنان البحرية".

اما من الناحية التقنية والجيولوجية فكان لا بدّ من الذهاب إلى الدكتور عطا الياس، أحد أهمّ الخبراء الجيولوجيين في لبنان، الذي قال لـ"جنوبية" إن "عامل الصناعة النفطية أو استخراج النفط يمر في 3 مراحل، أولها عبر تعيين منطقة معينة، مؤشراتها تدل على وجود نفط في باطنها، يتم العمل على دراستها تبعاً للمعطيات الموجودة على الخرائط، بعد ذلك، يتم إرسال فرق ميدانية إلى المكان المحدد لجمع معلومات جيوفيزيائية عبر المسح الثنائي والثلاثي الابعاد، وتحليل هذه المعطيات ضروريّ للتأكد من وجود نفط أو عدمه، فإذا كانت النتائج ايجابية ندخل المرحلة الأخيرة، التي تتمثل في استئجار الأرض من قبل الدولة صاحبة الحق، التي تبعاً للمعطيات أفيد عن إحتوائها على مادة النفط، من ثم يبدأ حفر الآبار لاستخراج النفط".

ولفت الياس إلى أن "لبنان مازال في المرحلة الثانية من العملية، وهي مرحلة الاستكشاف"، وأضاف: "منذ زمن بعيد والجميع يعلم بوجود شركات تنقيب تعمل على استكشاف المنطقة جيوفيزيائياً، فمنذ سنة 2007 تسارعت الاحداث مع مجيء الشركة النروجية التي قامت بمسح ثلاثي الابعاد لبعض الامكنة في البحر اللبناني، وأكدت نتائجها أن في المنطقة آبارا للنفط والغاز يمكن استخراجها والاستفادة منها"، وشدد على أنه "وبالرغم من هذه الدلائل فإن وجود النفط في لبنان غير محتم، وحتّى الآن لم ندخل بعد في مرحلة الاتفاق مع الشركات للتنقيب عن النفط".

وعن كيفية معرفة إذا ما كانت المنطقة تخبئ في باطنها نفطا، أوضح الدكتور الياس أن "شروط توافر النفط في منطقة معينة هي: غطاء رسوبي كثيف وتنوع الغطاء الرسوبي من صخور صلبة مشققة أو ذات مسامية عالية وصخور طينية ذات وجود عضوي عال وهدوء جيولوجي لا يسمح بتغيير التوازن الهيدروليكي مما لا يحرك ولا يدع السوائل المحبوسة في الطبقات الرسوبية تهاجر أو تتسلل عبر الكسور والفوالق التي تنشأ عن الديناميكية العنيفة"، وتابع للخروج من المفردات الصعبة: "نعمل على تصوير ما يوجد في باطن الأرض، حيث تظهر علامات بالالوان محددة، في إشارات تدل على إمكانية وجود هذه المادة، كما أنّه إذا لاحظنا أن جيران لبنان في الشمال، أي سوريا، أو في الجنوب، أي في فلسطين المحتلة، هناك مناطق لديهم فيها نفط، فهذا دليل إضافي على إمكانية وجوده في لبنان".

 

السابق
البلد: حزب الله: المتهمون منا قديسون مطوّبون
التالي
«عسكر وبس!»