ماذا يريدون؟

  بعد لحظة ايلول، وبعد لحظة سيستأنف وابل الكلام وتيارات التحذير، وجلد اليسار واليمين، ومن كل صوب نسمع ماذا نريد، أو نحتاج، وما نحتاج لأن نريده، وهل بات متأخرا، أم لا زال مبكرا. ولكن لا يزال، لا يصدق في واقع الحال، لا يزال لم نطرح السؤال: ماذا يريدون. هم، بمعنى الطرف المقابل، الفلسطينيين. ماذا يريدون حقا، وما نحن نعرف عن ارادتهم؛ لا عن ارادتنا، بل عن ارادتهم. فهل سألنا ذات مرة، هل أنصتنا ذات مرة. هل أخرجنا ذات مرة للحظة أنفسنا من الصورة (فقط للحظة، رجاء اهدأوا!)، كي ننصت لهم.
لي، بشكل شخصي، كانت في السنوات الاخيرة فرصة ذهبية، قد لا تتكرر، للاستماع لهم في لقاءات دائمة استهدفت التفكير المشترك في ما يسمى "حلول من خارج العلبة"، أي غير مقبولة، أو عمليا "خيالية". في هذه اللقاءات، التي عقدت على مدى السنين، جلسنا مع مفكرين وشخصيات بارزة في المجتمع الفلسطيني، في اطار شكله سويديون خبراء ومجربون ذوو نية طيبة. بين الاسرائيليين كان رجال يسار، يمين ووسط، بل ومستوطنون بارزون.
كان بيننا من ثابر على مدى كل الطريق، انطلاقا من الايمان، "هرتسيلي"، كما يمكن أن نسميه، بأن المتعذر هو ممكن، شريطة أن ننصت حقا للأماني العميقة للطرفين؛ شريطة ألا نكون محامين، بل بشر ليس رغبتهم الأساس الغاء الطرف المقابل. الاختراع الذي حققناه ثوري، وهو يسمى "مشروع الدولة الموازية". وهو يقترح، باختصار نشط، دولتين متوازيتين على كل المنطقة، من البحر حتى النهر. كل واحدة من هاتين الدولتين يحق لها الاعلان عن أن "كله لي" ومواطنو الدولتين يحققون بأجسادهم سيادتهم. سيحملون معهم سيادتهم لكل مكان يتحركون باتجاهه داخل هذه الحدود. بمعنى، السيادة تتقرر حسب المواطن، وليس حسب الارض. هذا يعني، أن كل واحد من مواطني الدولتين يمكنه أن يعيش أينما يريد بين النهر والبحر، يعيش في كل مكان، ولكن كمواطن في دولته؛ التصويت لمؤسسات حكم دولته، وأن يحاكم حسب قوانينها.
وقد نشأت الخطة انطلاقا من اعتراف واضح بأنه لا يمكن تقسيم بلاد اسرائيل ولا يمكن تقسيم فلسطين، لا ماديا ولا نفسيا. الدولة الموازية هي حل وسط بين المفهوم السائد للدولتين للشعبين وبين الدولة ثنائية القومية. يدور الحديث، عمليا، عن "حق عودة" شامل للشعبين، عن سيادة مزدوجة من البحر حتى النهر دون أن تكون ملاصقة للارض، وعن انهاء النزاع عبر العودة الى بدايته.
واضح أن هذا يبدو هاذيا، ولكن ليس فقط لانه يجب حل عدد لا يحصى من المشاكل على الارض – قانونية، اقتصادية وبالأساس أمنية، عملت أفضل العقول من الطرفين لسنوات لاعطائها جواب معقول. الخطة لا تزال في مجال العلم الخيالي، لأن أيا من الطرفين ليس ناضجا بعد ليرى الوضع في نظر غيره، انطلاقا من الانفتاح والانصات الحقيقي لاحتياجاته وتطلعاته. في نهاية المطاف يتبين لك بأن شركائك في المسيرة سيصفون نصف حقيقتهم ولن يتناولوا نصف حقيقتك. نحن سنواصل الحديث عن الضحية اليهودية وهم سيواصلون الحديث عن الضحية الفلسطينية. الى أن نعترف بضرورة الاقتسام وليس التقسيم – فقد نصل الى البئر، ولكننا أبدا لن نشرب منها. 

السابق
مسعود الاشقر: لتثبيت حق لبنان في ثرواته الطبيعية
التالي
المعنى السياسي للخيام