رائحة الحرب تفوح في سماء لبنان

 في العام 1975، لاحت فرصة ذهبية في أفق لبنان، كادت تمكّنه من دخول نادي البلدان العربية المنتجة للنفط، لكنّ الفرصة ضاعت مع اندلاع الحرب الأهلية، وما تبعها من حروب لم يستطع البلد رفع غبارها عنه حتى يومنا هذا.

ولمن يذكر، فإنّ الرئيس الراحل سليمان فرنجية كان أول من طالب بإعداد ملف عن الواقع النفطي في لبنان، فأصدر في 31 تموز 1975 المرسوم الرقم 10537 الذي يقضي بوضع قانون معجَّل يجير الترخيص لوزارة الصناعة والنفط آنذاك إعادة النظر في الامتيازات الممنوحة للتنقيب عن النفط واستثماره لحساب الدولة، وبعد يومين… اندلعت الحرب!

وفي التسعينيات، كلّف وزير الصناعة والنفط السابق أسعد رزق شركة "شلومبرجيه" إجراء مسح زلزالي للمنطقة البحرية اللبنانية، فتبيّن أنّ النفط موجود في المياه وبكميات استهلاكية واستخراجية جيّدة، لتعود شركة "سبكتروم" البريطانية وتؤكده في العام 2002 مظهرة في دراسة أجرتها بدورها أنّ النفط موجود على مسافة قريبة من الشاطئ الشمالي، بأقلّ عمق من الشاطئ الجنوبي.

كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وخلال إحدى مجالسه الخاصة في العام 2002، يتحدث عن تفاؤل كبير بازدهار لبنان ونموّه اقتصاديا، فسأله أحدهم: علام يرتكز هذا التفاؤل؟ أجابه أن تطورا نوعيا سيشهده لبنان يحوّله دولة منتجة للغاز والنفط.

وقد اطّلع على دراسة قامت بها شركة "بي. ج. إس" النروجية التي نبّهت إلى وجود ملايين الإشارات النفطية التي تمكّن لبنان من امتلاك مخزونات تصل إلى 8 مليارات برميل، وأنّ بإمكان لبنان أن يحقّق مردودا حجمه 3 مليارات دولار سنويا لو اتخذت الدولة الإجراءات اللازمة لبدء عملية التنقيب عن النفط، كما أكد خبراء حينها للرئيس رفيق الحريري، وانه بإمكان لبنان إنتاج ما بين 70 ألف إلى 95 ألف برميل يوميا من النفط، يظهر مردودها في فترة لا تتعدى الثمانية عشر شهرا.

لكنّ الأزمة السياسية التي تفاقمت آنذاك بين الرئيس إميل لحود وبينه، لم تسمح باستثمار هذا الأمر والتوافق عليه، فجُمِّد المشروع في انتظار انتهاء عهد لحّود… ثم حصل ما حصل.

حمل رئيس مجلس النواب نبيه برّي راية مشروع التنقيب عن النفط وحماية حقوق لبنان، وراح يحثّ عليه في خُطبه ومجالسه، إلى أن أقرّ مجلس النواب القانون الذي صدّقت عليه حكومة سعد الحريري، في خطوة اعتبرت إنجازا للبنان، لكنّ الملف وقع مرّة جديدة ضحية السجالات السياسية، وخصوصا التوتر حول المحكمة الدولية وهواجس الفتنة بعد القرار الاتهامي.

وفي رأي مطلعين على بعض مجالس قوى الأكثرية، فإنّ الحديث يدور حاليا حول كيفية التصدّي للخطر الإسرائيلي الذي يتخذ في مرحلته هذه عنوان النفط؛ إذ إن إسرائيل تريد إطالة الأزمة، والولايات المتحدة تساندها في قرارها بأن لا نفط للبنان، طالما هناك 40 ألف صاروخ للمقاومة تهددها، فإسرائيل تعلم أنّ حزب الله يستطيع أن يمنعها من البدء باستخراج النفط بإطلاق صاروخين على أي منشأة نفطية تظهر في المتوسط ولا سيّما في آبار يملك لبنان القسم الأكبر منها. لذلك هي تعمل "سرّا" عبر القنوات الدولية، لجعل منطقة الجنوب خالية من السلاح، تماما كما فعلت عندما طلبت تجريد المنطقة حتى جنوب الليطاني وتمركز القوات الدولية مع الجيش. وهي تعمل لاستصدار نسخة منقّحة عن القرار 1701 (وإنّ تقرر بموجبه تحويل العمليات العسكرية إلى وقف دائم لإطلاق النار)، وتدعم الولايات المتحدة هذه النظرية، وما وصفها حكومة الرئيس ميقاتي بحكومة حزب الله، إلا إدراكا منها أنه إذا تعزز الوضع الاقتصادي بالمليارات من النفط والغاز، فإنّ مداخيل المقاومة ستزداد والنمو سيزداد في الجنوب، ما سيعزّز موقع المقاومة سياسيا واقتصاديا، وهو ولا شك بالنسبة إليها، تهديد مباشر لإسرائيل.

في العاشر من تموز الحالي، عندما أعلنت إسرائيل أنها اكتشفت احتياطات جوهرية من الغاز الطبيعي في المياه، أرسلت خرائط ترسيم حدودها إلى الأمم المتحدة، فتبيّن فيها أنّها قضمت مساحات كبيرة من حقوق لبنان بموجب قانون البحار، الذي يرسم الحدود من نقطة إلى نقطة على طول السواحل، وعلى نحو متساوي الأضلاع. وزعمت أنّ الخط اللبناني يسير على 292 درجة، أما لبنان فيؤكد أنّ اتجاه الخط يجب أن يكون 270 درجة، أي غربا على نحو مباشر، ما يعني أن إسرائيل تنصرف جديا وسريا إلى العمل على قرصنة الحقوق اللبنانية للسيطرة على ثروات تقدّر بمئات المليارات، وهي تعلم أن الدولة لم تستقدم شركات لترسم خرائط عن حقول النفط، أو تشتري صورا من أقمار صناعية تجارية، كلفتها عالية، كما أنها لن تتوانى عن القيام بكل ما تستطيع، لجعل لبنان يتلهى، بانقساماته وخلافاته، عن هذا الأمر الذي وضعته في أولويات استراتيجيتها السياسية والاقتصادية، وهي باتت تمتلك أرقاما سرية عن مخزون الغاز والنفط تجعلها تسحق المنطقة، من أجل تحقيقها، فقد أكدت شركة Mobile Energy الأميركية للطاقة، أنّ حقل Levietan البحري للغاز يحتوي على 450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، ما يمكنها من أن تصبح دولة مصدّرة للغاز، وهو أكبر من مخزون ثاني أكبر حقل للغاز الطبيعي في إسرائيل أي حقل "تامار". وهنا يبرز دور الولايات المتحدة الذي يجب أن تؤدّيه في منع تحويل هذه الثروة إلى سبب جديد يشعل الحرب بين إسرائيل ولبنان، وأن تستعمل تأثيرها للتوصّل إلى تفاهمات تسمح بالتنقيب على رغم تواصل النزاعات الحدودية.

في أيّ حال فإنّ الدولة تنتظر أن ينتهي الوزير جبران باسيل من إعداد المراسيم التنظيمية والتطبيقية للقانون، الذي لا يحتاج إلى مجلس وزراء لإقراره، بل إلى تواقيع كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزير المختص فقط، قبل أن ينشر في الجريدة الرسمية.

وقد علمت "الجمهورية" أنّ توجّها لدى الوزارة بأن ترسو المناقصات على ثلاث شركات إيرانية – صينية ونروجية، قبل اختيار واحدة من الثلاث، علما أنّ النروج هي دولة نفطية لها تجربتها وتتمتع بخبرة عالية. 

السابق
صنع الهوية
التالي
لا بد من الحوار ولو … بحوار حول جدوى الحوار !