الاحتراف الإيراني في العراق

 إيران تلعب «منفردة» في الساحة العراقية بمباركة أميركية وتجاهل عربي خالص، يساند اللاعب الإيراني «المحترف» بالكرات الهجومية لتحقيق الأهداف واشنطن وحلفاء طهران في بغداد. حكومة نوري المالكي سلبية ولا تعرف الإيجابية، ولم تعمل للمواطن العراقي في الداخل ما ينسيه دكتاتورية نظام صدام، كما أنها لم تكسب علاقات خارجية متينة مع دول المنطقة المؤثرة ما عدا مع «العم» الإيراني.

لقد تمكّنت إيران خلال السنوات الماضية من السيطرة على العراق سياسياً وأمنياً عبر الانتشار الميليشياوي والأيديولوجي التابع لها، كما أنها تسعى للسيطرة عليه اقتصادياً، بغية التوسع داخل محافظاته ثم التمدد نحو دول الجوار، وذلك بتحريك طابورها الخامس وإذكاء العاطفة الدينية والنعرة الطائفية ودعم الجماعات المتمردة باستغلال «البترو- دولار» في شراء الولاء.

عراقيون من كل الطوائف ينتقدون حكومة المالكي، ويصفونها بأنها تركت ساحة البلاد لإيران تتصرف كيفما تشاء وتفعل ما تشاء، ما جلب للداخل محاصصة طائفية أوصلت شخصيات «فاشلة» و»فاسدة» إلى مراكز صنع القرار، وهو ما تسبب في انتشار السلاح وضعف الأمن وزيادة الاغتيالات وطغيان اللغة الفئوية والطائفية.

قبل أسبوعين تقريباً انتقد نوري المالكي دعوة الانفصال التي تحدث عنها رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، قائلاً إنها ستفتح الباب أمام الاقتتال الداخلي وستصل الدماء إلى الركب، ومع اختلافي مع أية دعوات انفصالية إلا أن تصريحات النجيفي لم تخرج إلا بعد شعور السنة العرب بالإحباط والظلم من سياسة التهميش التي تتبعها حكومة المالكي. وعلى المالكي أن يدرك أن مثل هذه الدعوات ستتكرر في أقاليم عراقية أخرى إذا لم تتخل حكومته عن السلبية وتتدخل بحزم لوقف التدخلات الإيرانية والاصطفاف الطائفي، مع تدشين حزمة إصلاحات تمنح العراقيين حرية وعدالة اجتماعية.

قبل أسبوع في لندن جلست وأصدقاء عراقيون كانوا يعارضون صدام حسين، وحينما سقط نظامه عادوا سريعاً إلى بغداد من غربة طويلة يحملون في حقائب سفرهم ذكريات هجرة «قسرية» مؤلمة، على أمل أن تزيح عن كاهلهم رؤية الأهل والديار ملامح حزن السنين وتفتح في قلوبهم نافذة فرح وأمل، إلا أن كثيراً منهم ما لبثوا أن عادوا أدراجهم إلى لندن ثانية، بعد أن ضاقت عليهم بلاد الرافدين، وانقلب بعض رفقاء المنفى إلى انتهازيين وباحثين عن مكاسب شخصية أو فرصة لتصفية حسابات قديمة، متجاهلين سياسة التهميش التي تمارسها حكومة المالكي، وصامتين أمام تدخلات إيران، ومنغمسين في البحث عن مناصب، ما دعا هؤلاء إلا العودة إلى المنفى مرة أخرى، وإعلان المعارضة منه خشية التصفية والاغتيال في الداخل.

أخيراً، عقد في بغداد مؤتمر لمقاطعة المنتجات الإيرانية، نظمته حركة تحرير الجنوب، وقد حمل هذا العام شعارات جديدة مثل: لا نريد وجوداً إيرانياً على أرضنا، والعراق عربي وليس فارسياً. حظي المؤتمر بمشاركة جمهور كبير من حركات سياسية وطنية عدة، حيث دعا رئيس حركة تحرير الجنوب عوض العبدان خلال المؤتمر ايران إلى التوقف فوراً عن التدخل في شؤون العراق، وأمهلها أسبوعاً لتقديم اعتذار رسمي للشعب العراقي نتيجة لإحراق العلم العراقي في ملعب ازادي في طهران، مهدداً بأنه بعد انقضاء الأسبوع ستقوم الحركة بحرق الأعلام الإيرانية في المحافظات العراقية كافة. فيما أعلن الأمين العام لحركة ثورة العشرين الشيخ وليد العزاوي تأييده المطلق لحملة المقاطعة وتضامنه معها والعمل بها، منوهاً إلى ان التدخل الإيراني في العراق وصل الى طمس الهوية الثقافية بقوله: «لقد هدموا قبل فترة نصب ثورة العشرين في النجف، لكنهم إن استطاعوا هدم البنيان لن يستطيعوا هدم الإنسان»، واصفاً التدخلات الإيرانية في المنطقة بأنها «مخزية» تريد النيل من الدول العربية كافة. أما ضرغام الزيدي، فأكد أنه متضامن مع الحملة ويدعو ليس فقط إلى مقاطعة المنتجات الإيرانية، بل إلى حرقها في الشارع. أما الشيخ فاروق المحمداوي فإنه نقل تحيات عشائر محافظة ميسان والجنوب والفرات الأوسط لحركة تحرير الجنوب والحاضرين، وأعلن تأييده للحملة، وأكد أن الخطر الفارسي كبير، وأطماعه لن تنتهي يوماً في العراق إلا بمواجهة واضحة للمخطط الفارسي.

كل تلك الدعوات الوطنية الصادقة من رموز عراقية، لم تحرك الساكن في أوراق حكومة المالكي، إذ لا يزال يلتصق بنظام طهران ويتواطأ مع أجنداته ويصمت أمام تدخلاته، وهو يعلم أن ليس هناك بلد تأذى من التدخل في شؤونه الداخلية كما تأذى العراق من إيران، خصوصاً أنها تستغل الأوضاع الأمنية المتدهورة في بلاده لتجعل منها حلبة لإدارة صراعها مع أميركا والأسرة الدولية.

أعتقد أن لا خطر على الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً في الوقت الراهن أكبر من خطر النظام الإيراني، إذ إن سياسة «الولي الفقيه» تسعى إلى التوسع والتمدد في كل دول المنطقة لتحقيق أهدافها وعقيدتها ومصالحها، وقد وجدت مغريات تشجعها على ذلك، وتحقق لها مكاسب شتى في بلدان كالعراق ولبنان وسورية والبحرين، ما يحفزها على الاستمرار ومحاولة تصدير ثورتها بهدف التأثير على دول الجوار وزعزعة أمنها ومستقبلها، عبر استخدام أدوات فاعلة مهمتها إثارة النعرات والعصبيات وزيادة حمى المواجهات والاضطرابات في مقابل معركتها مع «الشيطان الأكبر»! 

السابق
حوار الطرشان
التالي
أوضاع مقلوبة.. في انتظار الحسن والحسين!