حزب الله: القلعة.. والمهزوم المخيف

البلد-الاثنين 25 تموز 2011
"القلعة" هو عنوان الاستراتيجية التي قرر حزب الله اعتمادها والسير بها بعدما ايقن ان احوال النظام السوري تسير القهقرى، وبعدما ادرك ان مستقبل هذا النظام صار وراءه. فالتطورات السورية انتقلت من مستوى الاحتجاج والمطالبة باصلاح النظام، الى الثورة الممتدة في معظم الاراضي السورية، والمطالبة باسقاطه. وهذا الانتقال لا يؤشر بشكل حاسم الى سقوط سريع للنظام، بقدر ما ينذر بقدرته على الاستمرار لكن بتراجع قوته وبمزيد من الضعف. لذا بدأ بتشجيع الاقليات على التسلح ولاسيما الدروز منهم في حوران، وبحسب معلومات مؤكدة فإن القلق يتفشى في اوساط الدروز من الضغط الذي يتعرضون له لجرهم إلى التسلح من قبل اجهزة النظام تحت عنوان الحراسة والحماية.
لهذا ولغيره من الاسباب تنطلق استراتيجية "القلعة" بحسب اوساط متابعة ومتتبعة لموقع حزب الله ودوره، من قناعة لديه ان سورية تتجه الى حالة من الفوضى، والاقتتال الداخلي لن يحول في المدى المتوسط دون قدرة حزب الله على الاستمرار في الاستفادة من هذا العمق الجغرافي والشريان الحيوي له، وايا كانت ظروف النظام السياسية اليوم، فهو قادر على حماية خطوط الامداد انطلاقا من الجذور التي رسخها على هذا الصعيد في السنوات السابقة، إن على مستوى العلاقات الامنية مع اجهزة النظام وضباطه، او على صعيد الحدود البرية ومعابرها التي يخضع جزء من الناشطين على خطوط التهريب فيها لمراقبته وسيطرته.
الدخول في الفوضى إذا هو المحور الذي يبني حزب الله على منطقه وايقاعه البدائل العملية للمرحلة السابقة في سورية، وهذا ما جعله لا يبالي باتخاذ اي موقف حيادي مما يجري في سورية، لا بل احرق كل السفن التي قد تصله بمن هم في مواجهة النظام في سورية. وهو ما يفسر الاستمرار، وبقوة، في تحصين الساحة الداخلية من الزاوية الامنية والسياسية، عبر الامساك بما يعنيه من مفاصل السلطة اللبنانية. اذ تشير الاوساط نفسها الى ان حزب الله الذي كان يمارس دوره السياسي باعتباره مقاومة تتحصن شيعيا، بات اليوم يمتد جغرافيا وامنيا ليتترس او يتحصن بالكيان اللبناني وبالحكومة وبكل مؤسسات الدولة. فحزب الله يدرك ان المواجهة التي يخوضها او تستهدفه في الأت من الايام، باتت تتطلب تجاوزا لكل الاعتبارات والاعراف، لأن مصيره على المحك ولن يتساهل في مسألة يعتبرها وجودية.
من هنا استراتيجية القلعة، التي تتنزل عبر الامساك بمفاصل السياسة الخارجية، وضبط ايقاع التعامل مع المحكمة الخاصة بلبنان والقرار الاتهامي، بما يضمن تحييد الحكومة والمؤسسات الدستورية والقانونية اللبنانية عن اي اجراء ينال منه. والى جانب ذلك القبض على ما تبقى من مفاصل امنية. وهنا لا يضير حزب الله استمرار بعض الامنيين في مواقعهم لاسباب اقليمية و"ميقاتية" في الوقت الراهن، لكنه في المقابل لن يتهاون في القبض على المفاصل في هذه الاجهزة بما يجعلها تحت نظره ومتابعته ورهن حساباته الدقيقة. وهو منذ قبل ان تتشكل الحكومة الاخيرة وبعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، انجز الكثير على هذا الصعيد، ويتعامل برحابة صدر مع الكثير من الذين تلوا فعل الندامة امنيا وسياسيا.
واذا كان تعيين اللواء عباس ابراهيم مديرا عاما للامن العام اثار اعتراضا لدى خصوم حزب الله، فان الاستقبال الاحتفالي للواء ابراهيم بعد تعيينه، وغير المسبوق لاي صاحب مركز امني او اداري او حتى وزاري، ذاك الذي شهدته منطقتا الزهراني والنبطية، اظهر ان ثمة اصرارا على اعطاء هذا التعيين بعدا سياسيا لا لبس فيه… ويشير ذلك الى ان ملف التعيينات في المرحلة المقبلة، لا سيما الامنية والعسكرية ومن ضمنها التشكيلات، سيتخذ بعدا سياسيا معياره الولاء لمشروع "القلعة" الذي يتوقع اصحابه ان يحمي لبنان ومقاومته.
هذا ولم يعد غير خطوات لكي يتربع حزب الله على قمة لبنان، والجالس على القمة يرى المنحدر، وتحديد حين يصير في ذروة القوة المحلية، اذا ما قيست القوة بالامساك بمفاصل السلطة والدولة. انه حصن الموالاة والنظام اليوم والقلعة، كل ذلك يتم وسط ازدياد التشويه لصورته العربية والاسلامية… وهي خطوات نحو القمة ونحو القلعة بمواكبة دعوات متزايدة في قرى البقاع والجنوب للتسلح، الى حدود الافتاء المنبري من قبل بعض المشايخ بأن شراء السلاح واجب لمن يملك ثمنه اليوم. في ذروة القوة هذه يبدو المهزوم مخيفا الى هذا الحدّ، رغم خوفه.

السابق
مولدات الطاقة الكهربائية اولى صادرات الجنوب
التالي
السفير : ميقاتي يلتقي نظيره القطري في فرنسا