دوالي مغدوشة.. عناقيدٌ تقاوم الاهمال

 «والعناقيد تدلّت.. كثُريّات الذهب» هذه العبارة من كلمات قصيدة جبران خليل جبران «أعطني الناي وغنِّ» يمكن أن تختصر وصف دوالي بلدة مغدوشة الشهيرة، والتي استقدم أهاليها أولى شجيرات عرائشها من حيفا ـ فلسطين، وزرعوها واعتنوا بها، قبل أن تعرف في ما بعد بـ«عنب مغدوشة».
حكاية العنب في البلدة الجنوبية متأصلة في تاريخ البلدة وعراقتها، التي تشتهر أيضاً بزراعة الزيتون والـ«بو صفير» الذي يصنع منه «ماء الزهر»، كما تعتمد البلدة على السياحة، حيث يمثل مقام «سيدة المنطرة» و«البازيليك» المجاور استقطاباً لافتاً للسيّاح، من دون إغفال تنظيم مهرجانات «كروم الشمس» نسبةً إلى كروم العنب سنوياً وتحديداً في شهر أيلول.
غير أن لائحة معاناة مزارعي العنب في بلدة مغدوشة تطول ولا تنتهي، كما يؤكد المزارعون الذين عانوا طويلاً منذ بدء الحرب الأهلية اللبنانية، الإهمال الرسمي في تقديم يد العون والمساعدة للحفاظ على هذه الزراعة، مروراً بالأحداث الأمنية في «حرب المخيمات» والتي أدّت إلى إتلاف الكثير من كروم العنب وحرقها من الجهة الشمالية الغربية، بينما الكروم في الجهة الأخرى المواجهة للبحر تتعرض في بعض المواسم إلى مرض «اللفحة»، وهو مرضٌ يفتك بالدوالي بسبب الرطوبة ويجتاحها عادًة في شهري نيسان وأيار، ويؤدي إلى يباسها وموت عناقيد العنب على أمّها، فضلاً عن الارتفاع اللافت في درجات الحرارة. إلا أن عزاء أصحاب الكروم في العام الحالي أنها صمدت أمام رياح التلف وكساد الموسم بالكامل، بسبب الجهود الجبارة التي بذلوها.
ويشير أحد المواطنين من آل قسطنطين الذي يملك نحو 13 دونماً من كروم العنب المتواجدة في الجهة الجنوبية الشرقية من البلدة، إلى أن «الطقس بات العدو الأول لموسم العنب، إذ إنه متقلبٌ في لبنان ولم يعد ممكناً توصيفه بدقة، فالأمطار تهطل بشدة إلى درجة الفيضانات، ثم تنقلب في اليوم التالي لتذكِّر بحرّ الصيف».
وأضاف: «بسبب الطقس جاء الموسم هذا العام على ثلاث مراحل، الأولى مع الارتفاع اللافت في درجات الحرارة في أواسط الربيع حيث «أورقت» الدوالي قبل أوانها، ثم نبت الورق فيها من دون الحصرم، أما اليوم فالموسم العادي الذي يمتد من تموز إلى أيلول، يلاحَظ أن بعض الثمار فيه ما زالت حصرماً، أي أنها تأخرت في نضوجها».
ولا تتوقف المعاناة عند هذا الحد، إذ يشكو مزارعو العنب من الإهمال المزمن لوزارة الزراعة في مساعدتهم، سواءٌ بتنظيم ندوات التوعية أو بتوزيع الأدوية والأسمدة الضرورية، على الرغم من حضور مندوبين من الوزارة، حيث ملأوا استمارة مساعدة، إلا أن ثمار هذه الاستمارات بقيت من دون قطاف.
وفضّل أحد مالكي الكروم «تضمين» الكرم بمبلغ 30 مليون ليرة لبنانية كي يرتاح ولا يترنّح تحت وطأة الخسارة، غير أنه رفع الصوت عالياً مطالباً الدولة بالاهتمام بهذه الكروم ومساعدة أصحابها في الصمود والبقاء وعدم التحول إلى زراعةٍ أخرى».
ويشدد مالكو الكروم في البلدة على «ضرورة الحفاظ على هذه الثروة الزراعية كجزءٍ من الاقتصاد الوطني، نظراً إلى معاناة مزارعي العنب في البقاع وباقي المناطق اللبنانية الذين يشكون هذا العام من كسادٍ في الموسم، نتيجة إتلاف عناقيد العنب على دواليها، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وقبلها بسبب موجة الصقيع التي ضربت لبنان خلال فصل الشتاء».
وعن أسعارها في السوق يلفت صاحب أحد الكروم الى أن «سعر كيلوغرام العنب المغدوشي يتراوح بين 4 إلى 6 آلاف ليرة لبنانية، فهو مميزٌ في الأسواق اللبنانية ومعروفٌ بأنه حلو المذاق ولا مثيل له».
موسم القطاف
يمتد موسم قطاف العنب عادةً ثلاثة أشهر، وتحديداً من تموز إلى أيلول، تسبقه مرحلةٌ طويلة من العناية والاهتمام تمتد أشهراً، وتبدأ في كانون الاول بعملية «التشحيل» ثم رش الورق كل 15 يوماً بأدويةٍ زراعية، منعاً لفتك الأمراض والاوبئة، وعندما يظهر «الحصرم» يُرشُّّ مرة أخرى بمادة «البودرة» ثم بأدويةٍ سائلة حتى لا تَعْلَق على العنب كي يثمر الموسم.
 

السابق
الأفاعي تخرج من جحورها بسبب الحر
التالي
“أمراض الصيف”.. ندوةً في حيّ السلّم