«شيخ شعراء جبل عامل» السيّد محمد نجيب فضل الله (1908ـ 1990)

 ساهمت عيناثا بإغناء الحركة الأدبية والعلمية في جبل عامل، خصوصا أن تاريخها الثقافي عريق في هذا المجال، وبرز من الشعراء فيها الشاعر السيد محمد نجيب فضل الله الذي اشتهر بقصائده السياسية والاجتماعية الناقدة واللاذعة التي نشر العديد منها في مجلة «العرفان» و«الرفيق» وفي «أعيان الشيعة».
لقّب محمد نجيب فضل الله بـ«شيخ شعراء جبل عامل» وله ديوان شعر غير منشور، وقد كان لعمه السيد محمد رضا فضل الله الذي ترك بصماته في النجف الأشرف والمدارس العراقية، الأثر الكبير في تكوين شخصيته الأدبية ومن ثم التنقل بين الدواوين والقصائد راثيا في تلك القرية ومبجلا في بيت كبار القوم، صورته مثل صورة ثلة كبيرة من الشعراء العامليين الذين كانوا يسدون رمق حياتهم بالقصيدة والحبر والورق.
في مقابلة مع «الكفاح العربي» في العام، 1984 يقول السيد محمد نجيب انه وغيره من الشعراء تباروا في مرحلة الثورة الشعبية ضد الانتداب الفرنسي في العشرينيات على تحدي الاستعمار بالقصائد الممزوجة بقهر التخلف السياسي والاقتصادي والاجتماعي في جبل عامل.
وبمنطق التحدي نفسه، واجه محمد نجيب كل الأحداث العربية الكبرى وله منها تلك القصيدة التي نظمها في العام 1956 مع تأميم قناة السويس وصارت نشيدا للمحتفين بذلك الحدث الذي أعلنه الزعيم العربي الكبير جمال عبد الناصر. ويقول فيها:
باسمك اللهم.. عونا واتكالا / لك كبـَّرنا وأمّمنـا القــنالا
ومشينا.. أمة واحدة / نرفع العزة للدنيا مثالا
باسمك اللهم واحكم بيننا / فعلى الهيجاء بايعنا جمالا
بطل الصحراء دوّى صوته / فإذا الأجيال تهتز اختيالا
وأفاق الغرب من حيرته / بالعمى يمسح جفنيه اكتحالا
نفض الشرق جناحي اجدل / ماردا صلصل في الجو وصالا
وأطل الفجر وهّاج السنا / في الضحى يحتضن النيل احتفالا
فعصا موسى… جمال ألقها / تلقف السحر عصياً وحبالا
وبسيف العرب فاضرب انه / فتح الدنيا يمينا وشمالا
زمن الظلم تلاشى وانطوى / في حنايا الدهر وهماً وخيالا
شرفا «بور سعيد» أصبحت / مثلا في العز قولاً وفعالا

(كادر)
وكان المنتدى الفكري لإحياء التراث العاملي في بلدة عيناثا قد نظّم في 13-8-2007، وضمن فعاليات المهرجان الادبي الشعري العربي السادس،تكريما للشاعرالعاملي الراحل السيد محمد نجيب فضل الله، بحضور ممثل رئيس الجمهورية العماد اميل لحود الوزير المستقيل يعقوب الصراف، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب علي بزي، ممثل الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله النائب حسن فضل الله، بالاضافة الى الوزير المستقيل محمد فنيش والنائب أمين شري وممثلين عن القوى الامنية، ونخبة من الشعراء اللبنانيين والعرب وحشد من العلماء والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية والادبية ورؤساء بلديات ومخاتير المنطقة ومهتمين.
قلّد الوزير الصراف، باسم رئيس الجمهورية العماد لحود، المحتفى به وسام الاستحقاق الفضي ذا السعفة الفضيه وألقيت في الحفل كلمة السادة ممثلي الرؤساء.

مع أمير قطر
وفي سنة 1950 كان السيد محمد نجيب فضل الله في مجلس حاكم قطر آنذاك المغفور له الشيخ علي آل ثاني وكان المجلس حافلاً بأمراء البحرين ودبي وبعض شيوخ الخليج وكانوا يقرأون الشعر فطلب الشيخ معارضة قصيدة لأبي تمام من السيد فضل الله الذي وافق على الفور. وبعد أيام انعقد المجلس وحضرت القصيدة المعارضة التي نظّمها السيّد ومنها:
نشطت إليك ويممتك غياثا وجناء تدخل في السُّرى – احثاثا
قد جاوزت أعلى فريز وجانيت في وخدها الوهدات من عيناثا
كنا نقول بأن حاتم وحده فوق الرّجال فواهبا وتراثا
حتى إذا ازدلف ابن ثاني بالندى خلنا الكرام السابقين إناثا
أما قصيدة أبي تمام فكان مطلعها:
قف بالطلول الدارسات علاثا أضحت جبال قطينهن علاثا
لولا اعتماد كنت في مزدوجة عن برّ قعيد وأرض يا عيناثا
بلد الفلاحة لو أتاها جرول أعني الحطيئة لاعتدى حرّاثا

مجلس شاي
وبينما كان السيد محمد نجيب فضل الله ذات يوم يدخل إلى منزل السيد عبد الرؤوف فضل الله، سمع حركة الشاي فارتجل بصوت عال ليسمعه السيد:
ألا هاتوا لنا الشاي فقد حان لنا وقته
فكم في الناس ممقوت يزول بشربه مقته
كأني حين أشربه مليك تحته يخته
وإذا بالسيد يأتي بالشاي ويقول تفضّل وكان الشاي قد جُهِّز. وعندما التقى السيد محمد نجيب فضل الله بالشاعر العراقي أحمد السماوي في مجلس الشيخ محمد حسين شرارة في بنت جبيل، قال السماوي مادحاً السيد:
نور النبوّة من جبينك يوقد إن لم تكن طه فأنت محمّد
فأجابه السيد:
قالوا بأنك للعقول مداوي فأجبتهم لا غروَ فهو سماوي

مع موسى الزين شرارة
وكان السيد فضل الله شاعرنا قد أرسل إلى صديقه الشاعر موسى الزين شرارة عام 1940 أبيات ملاطفة فيها مديح وإشادة بوطنيته هو وصنوه الشاعر عبد الحسين عبد الله:
دع لموسى الزين وابن الخيم صنعة الشعر وبالريش أسلم
ثائران ارتدياها حلّة بعدما أن صبغاها بالدّم
سائل "الطاغوت" عن شعريهما فهو في حوزته كالرزم
كلّما اشتاق إلى أمجاده ورآها قال يا رب ارحم
فأجابه الشاعر موسى الزين شرارة بهذه الأبيات:
يا ابن فضل الله يا ابن الآلى شهد النور بهم كلّ عمِ
لك كلّ الشكر من شعرٍ غدا غنوة العزّ على كلّ فم
وظهيراً وحساماً باتراً لسليب الحقّ والمهتضمِ
وغدا في كل نادٍ منبراً لخطيب وأديب ملتهمِ
ولحرّ ثائر يدعو إلى يقظة الشّعب وحطم الصّنم
أمّا أشهر بيت شعر نطق به السيد محمد نجيب فضل الله وما زالت ألسن أهالي الجنوب العامليين تلهج به حتى يومنا هذا حاسدة عيناثا على من توجّها يوماً مليكة للحبّ والجمال والعيون التي تروي الظامئين والعاشقين معاً:
على عين عيناثا عبرنا عشيّة عليها عيون العاشقين عواكف!
 

السابق
السيد محمد حسين فضل الله أترع كأساً من نور ومضى وحيداً
التالي
محمد علي الحوماني في النجف زائراً حَدَثٌ وحَديثٌ تاريخيّان*