لبنان متروك لحساباته بميزان قوى مختل

 انحسرت الى حد كبير في الاونة الاخيرة المواقف السياسية اللبنانية في شأن ما يجري من تطورات في الدول العربية المجاورة وان لم يكن اي من الافرقاء السياسيين بدل رأيه في هذه التطورات. وما خلا بعض المواقف التي تخرج عن هذا الاستثناء على غرار الجدل الذي تثيره مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في هذا الشأن، فان الانشداد الى تسارع التطورات وخصوصا في سوريا باعتبارها الجارة الاقرب والاكثر تأثيرا وسط مخاوف من التداعيات يجمد الى حد كبير وتيرة الصراع السياسي وان كان لا يزيله وسط تضارب ظاهري وعلني في تقويم ما يجري بين تأكيد على تماسك النظام واستمرار قدرته على الحسم ومعلومات تتحدث عن تطورات ميدانية تفيد بعدم امكان العودة الى الوراء. لكن التقويم الفعلي للجميع يبدو واحدا في ظل تغيرات يعرف مطلعون من كل الافرقاء تفاصيلها ولكنها لا تجد مكانا لها لدى السياسيين اللبنانيين علنا او في الاعلام نتيجة اعتبارات عدة ولن تحيد في اي من الاحوال عن الصمت الرسمي الذي تتبعه الدول العربية في موضوع سوريا. وهذا التقويم يؤدي الى خلاصات جديدة لا يجاهر كثر بها علنا، لكن مع اختلاف الوضع في سوريا وتطوره على نحو لم يكن متوقعا فان تحديثا دخل على هذه المواقف في ضوء رسائل بدأت تبدو اكثر وضوحا من الداخل السوري ويبدو ان المراجع الدولية المعنية على علم بها واطلاع مباشر. ولكن السؤال الذي يطرح هل ان لدى المسؤولين اللبنانيين الجرأة لطرح مقاربة جديدة لخلافاتهم في ضوء هذه التطورات ام ان الوقت لم ينضج بعد لذلك في ظل حرص على عدم اظهار اي تأثر بالتغيرات الجديدة حتى الان وبقاء كل في موقعه في انتظار بروز نتائج هذه التطورات واي ميزان قوى اقليمي يمكن ان ينجم عنها؟
هذا هو الاستنتاج الرئيسي من حيث عدم نضوج فكرة الحوار مجددا وامكان حصوله في المدى المنظور في ظل اعتقاد انه لا يمكن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الا ان يدعو الى الحوار علما ان الظروف ليست سانحة لذلك على المستوى الاقليمي ولا هي كذلك على المستوى الداخلي وان كان الحوار واجب الوجود من حيث المبدأ. لكن المسألة ستكون كارثية في حال عدم توافر الظروف لرئيس الجمهورية كما للجميع لان لبنان لا يستطيع تحمل مراوحة لا معنى لها في ظل عدم التوافق.
فالحكومة التي نشأت بدفع سوري كان لا يزال ممكنا الى حد ما قبل اسابيع تثير تساؤلات كبيرة حول قدرتها على ان تقلع بميزان داخلي يقوم على خلل كبير على رغم ان لافرقاء هذه الحكومة مشروعهم في السلطة وفي التحكم بالمؤسسات بناء على الغطاء والدعم الاقليميين اللذين كانت ولا تزال تستند اليهما نظريا حتى الان. يفسر هذا الامر بالنسبة الى مراقبين سياسيين كثر تأني الحكومة في القيام بخطوات كبيرة وقد اقتطعت لنفسها عطلة اسبوعين بعد فترة عمل مماثلة اذا صح التعبير منذ حصولها على الثقة في مجلس النواب في حين ان لبنان من دون حكومة عمليا لما يزيد على سنة بعد تعطيل قوى 8 اذار الحكومة السابقة بذريعة موضوع الشهود الزور ومن ثم استغراق تأليف الحكومة ونيلها الثقة ستة اشهر تقريبا، بحيث خيل للبنانيين ان الحكومة ستنكب في جلسات متلاحقة على استلحاق ما غاب من ادارة شؤون اللبنانيين. ومع ان افرقاء 8 اذار استعجلوا تأليف الحكومة بعد مدة تردد طويلة ربطا بالرغبة في تكريس المواقع الجديدة وتثبيتها للمرحلة المقبلة وحماية المكتسبات في معزل عما يمكن ان تتطور الامور في سوريا من حيث المبدأ، فان مصادر ديبلوماسية عربية تقول ان التطورات اللبنانية تركت لان تاخذ مجراها نتيجة متابعة اكثر اهمية تتصل بما يجري في سوريا وترك الامور في لبنان لان تكون هادئة في هذه الفترة قدر المستطاع من دون تعليق اهمية كبيرة على حسابات الربح والخسارة في الداخل والتي ستكون مرتبطة بموازين قوى اقليمية غالبا ما كانت تتحكم بلبنان. فضلا عن ان الرقابة الجيدة على الحكومة من المعارضة من شأنها ان تضبط عملها الذي بدأ ينضح بسجالات غير مريحة لا تخرج الى العلن كون فريق الحكومة من لون واحد ليس من مصلحته اظهار خلافاته وتقديم ورقة اضافية الى المعارضة. يضاف الى ذلك الضوابط الخارجية التي بدت من خلالها الحكومة تسير وفق مسار حكومة متعددة الطرف وليس حكومة من لون واحد في مسعاها للحصول على القبول والصدقية من الخارج.
والمعارضة التي تتطلع كما يتطلع افرقاء الحكومة الى التطورات في سوريا لم تخف في مرحلة تأليف الحكومة تطلعها الى الوضع الموقت للحكومة على اساس ارتباطها بالوضع السوري وخصوصا في ظل الربط الذي يجريه المسؤولون بين الوضعين اللبناني والسوري. لكن ذلك لا يعفيها من تطوير مشروع للدولة او تعديل مشروعها في ضوء مراجعة ما حصل لئلا تكون من دون مشروع او مع مشروع عام في مقابل مشروع افرقاء 8 ذار.
 

السابق
عندما يصبح «الحوار حول الحوار»… أقصى الممكن
التالي
التغيير لمنع الفتنة