الفريز الجنوبي «تقتله» الشائعات وضعف التسويق

 منذ ثلاث سنوات، بدأت زراعة الفريز تحجز مكاناً لها في الروزنامة الزراعية الجنوبية. فقد انتشرت مجموعة من الخيم البلاستيكية في سهل الميذنة القريب من النبطية، لتنتج عشرات الأطنان من الثمرة الحمراء التي تواجه اليوم صعوبات في التسويق والأسعار

في مشتل زراعي بلاستيكي يقع غربي بلدة الجرمق وشرقي كفررمان والنبطية، جنوبي سهل الميذنة، يغريك أحمر الفريز القاني. مشتل «على مدّ العين والنظر»، هو الأول من نوعه في الجنوب من حيث المساحة والزراعة… والنوعية، وخصوصاً أنه بات ينتج حبات يفوق وزنها ثمانين غراماً. غير أن هذه الثمار، بدلاً من أن تغري المتسوقين والباعة، باتت اليوم تمثّل عبئاً على أصحابها الذين يعانون صعوبات في تسويقها.
هكذا، وبعدما كان يظن صاحب المشتل مارسيل عون، الرئيس السابق لبلدية العيشية، أنه حقق إنجازاً في إيجاد هذا المشتل في «منطقة عانت طويلاً من الاحتلال الإسرائيلي وجفاف التربة بسبب قلة الأعمال الزراعية في حينها»، بات اليوم على يقين بأن «لا شيء ماشي». والسبب؟ التسويق. وهنا، يقول عون: «نواجه صعوبة في التسويق بسبب شائعة سرت في البلد تقول بأن الثمرة الكبيرة من الفريز هي نتيجة حقنها بالهرمونات، فتراجعت الأسعار كثيراً وخف الطلب على الحبة ذات الوزن الجيد».
لكن كل هذه الخيبة لم تمنع الرجل من الاهتمام بـ«مشروع العمر»، وهو الباحث عن زراعة بديلة جيدة. وبما أنه يملك 45 دونماً من الأرض الخصبة في الجرمق، آثر إنتاج الفريز هنا كزراعة بديلة، وقد سرّ جداً بنجاح هذه الزراعة وبنوعية الفريز، «حيث يصل وزن غالبية الثمار إلى حدود ثمانين غراماً للثمرة الواحدة، وما بقي يراوح وزنه ما بين عشرين وخمسين غراماً». وبسبب هذه النوعية الناجحة، «عم تعطينا الشتلة الواحدة كيلوغراماً، وهي كمية صحيحة لزراعة ناجحة».
لكن، كم هو سعر الشتلة في الأساس؟ نسأل. يجيب عون: «قبل غرسها، يبلغ سعرها نحو 750 ليرة، وهي مستوردة من أوروبا، لكنها لا تصلح إلا لموسم واحد من الإنتاج، ثم تقلع لتستبدل بأخرى». أما لماذا من أوروبا؟ «فلأنها ذات نوعية جيدة»، ويتابع: «كان يمكن أن تؤصَّل هذه الشتول في لبنان، لكنها تحتاج إلى مناطق مرتفعة لتنبت وتنمو في جو بارد، وقد جرت محاولات في منطقة بعلبك، بيد أن هذه التجارب لم تعط حبات كبيرة تسهم في تغطية التكلفة، وبالتالي في زراعتها نوع من المغامرة؛ لأن إنتاجها في موسمها لن يصل مثل الأوروبية إلى حدود كيلوغرام». ينتقل عون بعدها للحديث عن زراعتها، فيقول: «نزرعها بين تشرين الأول وتشرين الثاني، ومن ثم نرعاها ونرويها ثمانين يوماً، وننتظرها حتى تنضج ومن ثم نقطفها». ما إن ينتهي القطاف، حتى ينتهي موسم العسل، وتبدأ معاناة عون مع التسويق الذي بات عبئاً «بعدما سرت في السنوات الأخيرة شائعات تتحدث عن أن بعض الفريز ينمو ويكبر من خلال استخدام الهرمونات». وقد كان من نتائج هذه الشائعات «تدني سعر الكيلوغرام الواحد إلى نحو 1500 أو ألفي ليرة لبنانية للنوع الجيد، بحيث أصبحنا أمام خيار صعب، إما إتلاف الكميات التي نقطفها أو بيعها بأسعار متدنية».
لكن، بما أن خيار الإتلاف غير وارد، يضطر عون إلى بيعه بالسعر الذي يعرضه التجار «لتغطية نفقات اليد العاملة»، التي هي في غالبيتها من التابعية السورية، وخصوصاً بعد «فقدان اليد العاملة اللبنانية، بسبب سنوات الاحتلال الطويلة التي أفرغت سهل الميذنة من المزارعين، وخصوصاً مزارعي كفررمان والجرمق». وبسبب هذا، «ارتفعت أجرة اليد العاملة السورية؛ إذ يتقاضى الآن العامل السوري نحو 500 دولار أميركي شهرياً، أما المياوم فلا يقبل بأقل من ثلاثين ألف ليرة لبنانية في اليوم الواحد»، يقول عون، مرجحاً «ارتفاع التكلفة أكثر مما هي عليه في السنوات المقبلة». ومع ذلك، ينتج مشروع عون نصف طن كل يوم.
بين زهوه بما تنتجه أرض الجرمق من الفريز، وشعوره بالغبن في التسويق والأسعار، يؤكد عون استمراره في هذه الزراعة التي بدأها منذ سنوات طويلة، حيث كان يزرعها في شرقي بيروت. يقول متذكراً: «كانت وقتها أسعار الشتول متدنية جداً، ونستوردها من إسبانيا؛ إذ كانت أصنافه تتفوق على الصنف الفرنسي، وكانت تصل إلى لبنان بأوعية بلاستيكية صغيرة وبحالة نمو متقدمة». في حينها «كنا نبيع في بعض الأحيان الكيلوغرام الواحد منها بنحو 17 ألف ليرة لبنانية». وحتى بعدما تراجعت «كنا نحسها منيحة، يعني في الأعوام الأخيرة السابقة، كانت بعض الأسعار تصل إلى ما بين 7 آلاف و8 آلاف ليرة». أما اليوم، فيتحسر عون على أسعار الماضي «التي كانت تشعرنا بجدوى ما نقوم به، في حين أننا الآن بالكاد يكفي إنتاج خيمة يكفي لسدّ تكلفة اليد العاملة وتكلفة الخيمة الواحدة التي تفوق 4 آلاف دولار». 

السابق
حبيب: حزب الله حوّل «لاسا» إلى قاعدة عسكرية
التالي
فضل الله: الإثنين 1 آب أول أيام رمضان