الحبّ الأوّل… أو رفيق العمر!

 منهم من يعيشون على وقع ذكراه ويقدّمون كلّ أنواع التضحيات في سبيله. آخرون يحاولون الاحتيال على مشاعرهم قائلين: "صفحة وانطوت". إنه الحبّ الأوّل الذي لا يعرف موسما أو فصلا عند الشباب وكلّما توالت عليهم السنوات، يتساءلون هل نحن في الحقيقة أو في الخيال؟

يوم انفصلت سيلفي عن ابن جيرانها وهي في الرابعة عشرة، لم تكن تدرك أنّ مشاعرها ستبقى متعلقة به، فتقول: "كنّا نترافق يوميّا إلى المدرسة ذهابا وإيابا، وبعد الظهر نخرج لنتنزه في سوق جبيل". توالت السنوات وأجبرت سيلفي على النزول إلى العاصمة بيروت لمتابعة المرحلة الثانوية، في حين قرّر جورج السفر إلى كندا حيث تقطن خالته، للعمل والدرس في آن.

طوال هذه المدّة عجزت سيلفي (28 عاما) عن بناء أيّ علاقة جدّية، إلّا أنّها سمعت قلبها مرارا يهمس لها بأنها ستعود وتلتقي جورج. بعد مرور 14 عاما، قرّرت وأهلَها زيارة والد جورج للاطمئنان إليه بعد تعرّضه لوعكة صحّية، فتقول: "قمنا بواجباتنا، وبينما نهمّ بتوديع العائلة، رنّ جرس هاتف المنزل، وشاءت الصدف أن يكون جورج المتّصل ليطمئن بدوره عن والده، وما إن عرفت بالأمر حتى تسارعت دقّات قلبي، لا سيّما بعدما عرف بوجودي وطلب محادثتي".

إنتهت الزيارة وعادت سيلفي أدراجها، إلّا أنّ صفحة جديدة فتحتها مع جورج وهي في مرحلة التحضير لزفافهما، بعدما قرّرا العيش معا في كندا. بِغصّة يملأها الفرح تقول سيلفي: "لا أريد التفكير هل حظي جورج بعلاقات سابقة، يكفيني أنّه حبّي الأوّل، وأنّني حبّه الأخير".

تعرّف طارق (29 عاما) إلى فتاة أحلامه خلال مخيّم صيفي، غير أنّ أحواله المادية لم تكن ترضي أهل ماري، لذا قرّرت الانفصال عنه، نزولا عند رغبة ذويها. ويوضح طارق: "لم أتخيّل يوما أن أصل إلى هذه الحال، أو العيش رهينة هذه العلاقة، لا سيّما أنّني على ثقة بأنّها تبادلني المشاعر نفسها، فقد حلمنا معا بالأسرة التي سنكوّنها". بشيء لا يخلو من الحسرة، يروي طارق نهاية علاقة دامت 7 سنوات، "لم تعد في اليد حيلة سوى النسيان، إلّا أنّ ذلك من سابع المستحيلات، قد أتفهم انصياعها لمشيئة أهلها، إلّا أنّني لا أتصوّر نفسي مع شريكة أخرى".

بين الحبّ والعادة

"لم يكن من داع حقيقي لافتراقنا". بِغصّة تروي ميليسا قصة انفصالها عن حبيبها الذي لم يعد يميّز هل يَكنّ لها المشاعر الحارّة أو أنه اعتاد على صداقته لها، فتقول: "لو كان حبّه حقيقيّا لكنت إلى جانبه الآن، فهو لا يدري هل أحبَّني أو اعتاد وجودي قربه". ما يزيد من حرقة ميليسا أنّها ساندت توفيق في أحلك الظروف، إلّا أنها لم تعد تقوى على تقديم التضحيات، بعدما شعرت بأنّه يتلاعب بمشاعرها، "لم أعد ألمح أيّ أمل في علاقتنا، لا سيّما بعدما اعترف بشكّه في مشاعره".

تعتبر ميليسا أنّ الفشل في أوّل علاقة عاطفية جدّية لا يمكن تقدير حجم الخسارة، "يختبر المرء حالا من الضياع، ومن وقت إلى آخر شيئا من الحنين يشدّه إلى الوراء". وتضيف: "إلّا أنّني قسوت على نفسي وتركت الأمر لعقلي لا لقلبي".

مع مرور الوقت، تعترف ميليسا بأنّها غير نادمة على الوقت الذي أعطته لهذه العلاقة، إلّا أنّها خرجت من هذه التجربة بعبرة أساسية، فتقول: "لست مستعدّة للارتباط من جديد في الوقت الراهن، لذا قرّرت التسلّح بالنسيان"، معتبرة أنّ أصعب العلاقات الإنسانية، "هو الحبّ من طرف واحد".

من جهتها، تعتبر باميلا (22 عاما) "أنّ الخيانة سوسة تفسد أيّ علاقة إنسانية، فكيف بالحري إذا كانت علاقة عاطفيّة بين متحابّين؟"، وعلى حدّ تعبيرها، "من خان مرّة، لا شيء يردعه عن تكرارها". بعد علاقة دامت أكثر من 5 سنوات، عاشتها باميلا أقرب إلى الحلم من الواقع، تشبّه نفسها لفريسة وقعت في شباك الصيّاد، "علّمني أن أحبّه على طريقته، ولم يجد أيّ صعوبة من التحرّر من مشاعره".

رأي علم النفس

من جهته، يعتبر الاختصاصي في علم النفس العيادي والتوجيه العائلي والجنسي الدكتور نبيل خوري، "أنّ الحب الأوّل جزء لا ينفصل عن نموّ الفرد ومقوّماته الذهنية التفاعلية"، معتبرا أنّ من الطبيعي أن يمرّ الجنسان بهذا الاختبار الذي يزيد من قدراتهما على التأقلم ورغبتهما في المشاركة والتفاهم، والتحضّر من أجل مرحلة لاحقة، والمقصود بها الزواج وتأسيس أسرة".

في هذا السياق، يلفت خوري إلى تدنّي ظاهرة الارتباط الرسمي من الحبّ الأوّل: "ضعفت هذه الظاهرة، وباتت تتوق الشابّة للتعرّف إلى عدد من الشباب، لا سيّما وأنّها لم تعد مجبرة على الزواج من أحد من أولاد عمّها، أو أقاربها". ويضيف: "لهذا التحوّل فوائد جمّة، غالبا ما تميل الفتاة للتعرّف الى شابّ يشبه إلى حدّ كبير والدها، كما قد تختار نقيضه في ما لو كان والدها قاسيا. لا بدّ من الانتقاء بين مجموعة خيارات، قد يكون الخيار الأوّل ارتجاليّا، والثاني ناقصا، والثالث مجتزَأ، وربّما من خلال خيارها الرابع قد تتحاشى كلّ الهفوات التي ارتكبتها".

ويلفت خوري إلى أنّ تأخّر الشابة في الارتباط بحثا عن الشريك الأنسب، أفضل من التسرّع: "لا يمكن معرفة النصيب الأوفر ما لم يفسح المرء لنفسه المجال ليتعرّف الى الآخرين"، ويضيف: "المؤسف أنّ ظاهرة جديدة تتفشّى في صفوف الشابات اللواتي يرفضن الارتباط قبل الثلاثين، فيبالغن في تأخّرهن، وهذا غير مستحَبّ، لا بدّ من التقصّي عن خطوط تواصل قبل فوات الأوان".

أمّا عن الأثر البالغ الذي يتركه الحبّ الأوّل في نفس المرء، فيوضح خوري: "في مقتبل العمر، تكون مشاعر المرء حسّاسة، تنقصها الخبرة، بالتالي نسبة التأثر عالية جدّا، لذا سرعان ما يطلق المرء العنان لأحلامه ويعطي بكلّ طاقته وقوّته. فإذا لم يكن الشريك على المستوى المطلوب سرعان ما يتسلّل الندم إلى مشاعرنا، بعد فوات الأوان".

منهم قد يكلّلون حبّهم الأوّل بالنجاح، أمّا الذين يلاقون الخيبة، فينصحهم خوري "بالاستفادة من الخبرة، وعدم السماح لها بالتحوّل إلى عقدة، لأنهم قد لا يتمكّنون من الخروج منها بسهولة"، وفي أقصى الحالات، يمكن الاستعانة بمعالج نفسي لأخذ أيّ استشارة.

خوفا من حجم الخسارة أوتمسّكا بحرّية مشاعرهم، يسعى عدد كبير من الشباب إلى نسف مقولة الشاعر: "نقّل فؤادَك حيث شئت من الهوى… ما الحبّ إلّا للحبيبِ الأوّلِ"… فهل ينجحون؟ 

السابق
امل احيت ذكرى الامام المهدي في المصيطبة
التالي
حتى أنوفها.. جواهر