الجائزة الكبرى

الحرب الباردة الأميركية الإيرانية تسخن بشكل تدريجي.
اعلنت ايران امس انها اسقطت طائرة تجسس أميركية بالقرب من إحدى منشآتها النووية في قم. قبل أيام اكدت واشنطن انها سترد مباشرة على إقدام طهران على تحريك وحدات شيعية عراقية في سلسلة عمليات استهدفت القوات الاميركية في العراق وأسفرت عن مقتل اكثر من 17 جندياً اميركياً في خلال شهرين، في حصيلة لم يسبق لها مثيل منذ نحو اربعة اعوام، عندما كان الجنود الأميركيون هدفاً مركزاً لعمليات تنظيمات اسلامية سنية رفعت خسائر اميركا البشرية الى ما يزيد على 4000 قتيل.
في خلال السنوات الثماني الماضية على الاحتلال الاميركي للعراق، كان هناك اكثر من اشتباك مباشر بين الاميركيين والايرانيين، داخل الاراضي العراقية وخارجها، لكن الصفة الغالبة لتلك العلاقة الملتبسة ظلت على الدوام محكومة بتفاعل ايران مع الغزو والإطاحة بصدام حسين، وما اعقب ذلك من عملية سياسية قادت الغالبية الشيعية العراقيين الى الحكم، وادت الى تفاهمات -تواطؤات عراقية ايرانية اميركية تتجاوز تلك التفاهمات بين واشنطن وطهران على اسقاط حركة طالبان في افغانستان.
لكن الاشتباك الاميركي الايراني الحالي قد يكون الأكثر خطورة وحساسية. والدليل لا يعتمد فقط على اسقاط طائرة التجسس الاميركية، التي لم تكن الأولى التي تخرق المجال الجوي الايراني، ولا حتى الاولى التي يتم اسقاطها على مقربة من المواقع النووية الإيرانية. قبل ايام اعلنت طهران أنها احتلت ثلاثة مراكز داخل الاراضي العراقية كانت تابعة لحركة بيجاك الكردية الإيرانية المعارضة.. كما ان قصة اغلاق معسكر اشرف العراقي للاجئين الايرانيين من حركة «مجاهدي خلق»، لم تكتمل فصولاً بعد.
الاشتباك مرشح للتصاعد وربما أيضاً التحول الى مواجهة، لأنه يخدم مصلحة الجانبين الآن اكثر من أي وقت مضى: الاميركيون الذين يستعدون لإجراء الخفض الأخير على وجودهم العسكري في العراق قبل نهاية العام الحالي، لا يريدون الإيحاء بأنهم يسلمون العراق الى ايران. كما ان الايرانيين يودون الايحاء بأنهم هم الذين هزموا اميركا وهم الذين اخرجوها من العراق.. وورثوها.
والصراع هنا لا يدور على بلد صغير بلا أي قيمة مثل لبنان، او على بلد هامشي مضطرب بلا اي دور مثل سوريا، بل على دولة مركزية ذات موقع جغرافي ومكانة اقتصادية مهمة، يمكن ان تقاس من خلالها موازين القوى في العالمين العربي والاسلامي بل حتى في العالم كله. فالعراق كان منذ ان رسمت خريطة الشرق الاوسط الجائزة الكبرى التي تنافس عليها الجميع، وكانت تلك المنافسة سبباً في ان حروبه هي الأطول والأعنف والأخطر من جميع الحروب التي خاضتها بقية الشعوب والدول العربية.
الصراع على العراق يتجدّد اليوم. وهو لا يقتصر على طرفيه الرئيسيين، الاميركيين والايرانيين، كما لا ينحصر في الجبهة العراقية التي تختزل مختلف صراعات العالم الدينية والسياسية والاقتصادية.. التي لا يمكن أن تحسم من الآن وحتى نهاية العام.

 

السابق
إقفال المدارس (1): من بنى المدارس.. ونسي بناء التلاميذ.. فأقفلت المدارس؟
التالي
كهرباء النضال